‘);
}

بدايةً أود الإشارة إلى أن شعر المناسبات هو كل شعر قد اقترن بمناسبة دينية أو وطنية أو قومية أي أن صلاحية هذا النوع من الشعر تنتهي بمجرد انتهاء المناسبة التي نُظِم من أجلها وقد دافع الشاعر الألماني «غوتة» عن هذا النوع من الشعر واعتبر أن الشعر العظيم هو شعر المناسبات وقد أكدّ هذا الأمر في كتابه «شعر وحقيقة» قائلاً بمرارة :«إن شعر المناسبة وهو الأكثر أصالة من جميع ضروب الشعر قد فقد كل تقدير منذ أن بدأت الأمة لا تُلقي بالاً إلى قيمته العليا».

وعند النظر إلى مراحل تطور الأدب العالمي وسيرُه فإننا نتوصل إلى نتيجة مفادها أن شعر المناسبات كان موجوداً وقائماً بذاته في الأدب الغربي كما أنه كان معروفاً حتى في الأدب اليوناني القديم ومازال له أنصاره ومُريدوه في الأدبين الأوروبي والأمريكي الحديثين ويُرجِع بعض الدارسين ظهور شعر المناسبات إلى النصوص السنسكريتية الهندية القديمة ففي مجموعة قدمها «راجا سيخارا» نجد نصاً رائعاً يتعلق بهذا اللون من الشعر حيث يقول :
«ثمة أربعة أصناف من الشعراء : ذاك الذي لا يرى الشمس والذي هو صارم، والذي هو ظرفي، وأخيرا هـناك شاعر المناسبة. أما الشاعر الذي لا يرى الشمس فهو يقيم في قعر مغارة داخل منزل جوفي وينظم أشعاراً في حالة من التركيز المطلقكل اللحظات هي ملكه. أما الشاعر المواظب فهو الذي ينظم أشعاراً من خلال انصرافه إلى النشاط الشعري دون أن يحاول إطلاقاً التركيز وهو يمتلك أيضاً سائر لحظاته. لكن الشاعر الظرفي ينظم حين لا يعترض نظمه عمله في البلاطأو يحول دون انصرافه إلى الشعر حائل وكل لحظة يفكر بها إنما تُكوِّن لديه زمناً لخلق شعري. وأخيراً شعر المناسبات وهو الذي ينظم بصدد بعض الأحداث، الزمن بالنسبة له محدد بالظرف ذاته. إن الشاعر الذي حين يبتدع أثره لا يدمر إلهامه ولا يسف إنما هو سيد مجموعة الشعراء، أما الآخرون فهم خدمه».

وقد عرف الأدب الإغريقي الشعراء الذين كانوا ينشدون أشعارهم في المناسبات والأعياد المختلفة التي كانت تحتفل بها شعوب المنطقة، وكانت بينهم منافسات للحصول على الجوائز التي كانت ترصد لهذا الغرض ويُضاف إلى هذه الشعوب أدب أوروبا وأمريكا خاصة في مراحلها التكوينية الأولى وما زالت بعض التقاليد متبعة إلى حد الآن، ولكنها تحمل أسماء مختلفة مثل أدب المقاومة وأدب العبث واللامعقول والتمرد والغضب وفي الأدب العربي كان هذا اللون من الشعر طاغياً ومازال حتى اللحظة حاضراً في الملتقيات الأدبية الشعرية، ولاشك أن نوعية المناسبة هي التي تُملي على الشعراء أشكال قصائدهم كما أنها كانت تثير في الوقت نفسه المجابهات بين الشعراء أنفسهم فتجدهم يتبارون في التفنن في ويوغلون في استخدام المحسنات البديعية والتراكيب البيانية وقد يتدافعون بالمناكب أحياناً في سعيهم لاقتناص عبارة أو مفردة يضمنونها في قصائدهم الموجهة لمدح ملك أو أمير او شخصية قيادية وغير ذلك من المناسبات التي تقتضي ذلك كالأعراس والمآتم والأعياد الدينية أو القومية ورغم ذلك إلا أن النقاد قد اختلفوا في تسمية هذا اللون من ألوان الشعر وتساءلوا هل ينتمي إلى الأدب أو لاوقد أثار هذا التساؤل عدة مناقشات إلا أنها لم تصل إلى نتيجة قاطعة ووبناءً على ذلك انقسم الشعراء والنقاد إلى فريقين