صور الطاعون في لوحات رسامي العصر الذهبي الاسباني

ترجمة: عبد الله الحيمر منذ العصور القديمة، طغت الأوبئة على البشرية بأكثر الطرق إثارة. وباء الطاعون على وجه الخصوص، أصاب البشر بالرعب، لأنه ضرب بغض النظر عن العمر والجنس والوضع الاجتماعي، ويكاد يكون أحيانا بلا علاج. في الوقت الذي ينبع فيه الطب من معرفة تجريبية إلى حد ما، حيث يسير النهج العلمي، جنبًا إلى جنب […]

صور الطاعون في لوحات رسامي العصر الذهبي الاسباني

[wpcc-script type=”ab125532b8f0431264f756d8-text/javascript”]

ترجمة: عبد الله الحيمر

منذ العصور القديمة، طغت الأوبئة على البشرية بأكثر الطرق إثارة. وباء الطاعون على وجه الخصوص، أصاب البشر بالرعب، لأنه ضرب بغض النظر عن العمر والجنس والوضع الاجتماعي، ويكاد يكون أحيانا بلا علاج.
في الوقت الذي ينبع فيه الطب من معرفة تجريبية إلى حد ما، حيث يسير النهج العلمي، جنبًا إلى جنب مع الخرافات والأساليب الخيالية، كان التفسير المقبول عمومًا هو عقاب الله (أو الآلهة)، بسبب الأخطاء التي ارتكبت من طرف الإنسان، كانعدام التقوى، ومخالفة تعاليم الله، والجري وراء الشهوات وملذات الحياة. لذا، فإن الصور، النادرة نسبيًا التي توفرها لنا اللوحات القديمة الإسبانية أبان العهد الذهبي للمملكة الإسبانية. ستكون جزءًا من هذه العملية العقلية من خلال الرقي الأخلاقي للمؤمنين، الذين تدعوهم إلى التوبة عن خطاياهم الحقيقية أو المفترضة. حيث يتبين أن بصمة الكنيسة الكاثوليكية عميقة جدًا، ونلاحظ كذلك من خلال الشهادات التي وصلت إلينا، مدى كفاية الكمال مع هذا التحليل الديني لظاهرة الوباء، غير المفهوم أصلا مصدره الحقيقي (جرثومة الطاعون فقط ثم التعرف عليها في عام 1894 من قبل ألكسندر يرسين وكيتاساتو اليابانية). ودعونا نلاحظ من خلال الايجاب، أن صورة الوباء تفوض غرضًا مزدوجًا: الأول من النظام الأخلاقي والتكفيري، المتمثل بالعقاب الإلهي الذي يعاقب على الخطأ ويجيز كلا من التكفير والغفران؛ الثاني نظام شفاعة الكنيسة التي تجعل نفسها (مثل أوراكل اليونان القديم) المتحدث باسم غضب السماء مع تعزيز قوتها على الأرواح.
لذلك يجب علينا أن نفهم أن العديد من هذه الرموز، التي تم رسمها رسامو فترة العصر الذهبي الإسباني، كانت برعاية دينية أو من قبل أشخاص اعتقدوا أن إيمانهم وكذلك معتقداتهم الأخلاقية هي الحقيقية (الأخوية المسيحية). كان الخوف من الطاعون والأوبئة عظيمًا جدًا، لدرجة أن تمثيلهم القاطع لم يكن بديهيًا. في الواقع، نلاحظ وجود أعداد أكبر من رموز الموت، أو إيجاز الحياة، بدلاً من المشاهد المأخوذة من الواقع الحقيقي للأوبئة المشهود عليها (مثل التي وقعت بمدينة إشبيلية سنة 1649 على سبيل المثال). وبالتالي فإن المؤلفين المشهورين من قبل خوان دي فالديس ليل (1622- 1690) لمستشفى الخيرية في إشبيلية، التي رسمت اللوحة ما بين سنتي 1671-1672. هي رسومات حقيقية لأيقونات مسيحية، طلبت من قبل ميغيل دي ما نارا، رئيس أساقفة كنيسة ميغيل دي مونيارا. بغمضة عين، يطفئ الموت، شعلة الحياة، وتدوس الآلهة على الملذات والإغراءات الإنسانية، المتمثلة في كومة من الأشياء الرمزية: الكرة الأرضية، التيجان، الكتب، رموز أسلحة المجد العسكري. التكوين الثاني، الرسام فينيس غلوريا مندي، يقدم لنا رؤية مخيفة للجثث المتحللة، بما في ذلك جثث الأسقف وفارس بدرجة وسام كالاترافا، بينما يد السيد المسيح تزن الخطايا والأفعال الصالحة في الميزان وفقا لمبدأ «لا أكثر ولا أقل».


-وبوسعنا ان نلاحظ هذا الاختصار في اشكال عديدة من اللوحات الاسبانية بذلك العهد. مثيرة للدهشة عند الرسام بيدرو دي كاميرو، في لوحة الموت والشاب الشجاع (موجودة بأشبيلية، بمستشفى سانتا كريداد). وبمظهر هيكل عظمي لسيدة محجبة، الموت على وشك ضرب شاب من الواضح انه واقع تأثير الحب. هنا التلميح الأخلاقي، الى الصحة العامة، اللوحة تفترض شكلا مسرحيا وكذلك شكل الغرور، بسبب الأشياء المتراكمة بمقدمة اللوحة. لقد شهد القرنين السادس عشر والسابع عشر على الخراب الذي أحدثه مرض الزهري، وتجسد هذه الصورة تماماً خراب الحب الشرير.
مثال آخر مثير للدهشة إلى حد ما هو مثال الرسام اغتاسيو دو راييس (1661-1616)، بلوحة رمزية شجرة الحياة. يمكننا أن نرى، مجموعة من الضيوف السعداء بالقرب من شجرة. والسيد المسيح يدق الجرس لتحذير هؤلاء الصيادين بينما الموت، على شكل هيكل عظمي، على وشك أن يسقط الشجرة، بمساعده ومؤازرة الشيطان. كما نرى، أن الجانب الرمزي هو الطريقة الأكثر شعبية للسلطات الدينية والأخلاقية، لوصم التأثيرات الدرامية المترتبة على النهاية غير المتوقعة.
في التفاني الشعبي، كانت يلجأ غالبا للسيدة العذراء، وكانت تُدعى في الغالب، سانت سيباستيان، او سانت روش، سانت فرانسوا أو حتى سانت روزالي لمكافحة الأوبئة. وهكذا، كان العديد من التمثلات لهذه الشخصية المقدسة، مرتبطة بالتضرع، وكان عليها مساعدة الفقراء الذين اعتبروا تجسيدا للسيد المسيح من خلال بؤس العالم. وهكذا أعطانا الرسام لويس تريستان (1595 -1624) في عام 1624 لوحة مثيرة، La Ronda de pan y huevo (جولة الخبز والبيض) حيث عمد إلى إبراز أعضاء «أخوية هرمادا للمهاجرين»، التي تأسست في مدريد عام 1615، وهي تساعد شابًا محتضرًا، ورجلًا مسنًا من خلال توفير الراحة لأحدهم، الذي يعاني بشكل واضح من مرض معدٍ، بالإضافة إلى الخبز والبيض وكأس نبيذ للآخر. في الخلفية، امرأة مريضة تحمل في صندوق قمامة محاطة بمدبرة المنزل. تم وضع هذا العمل الفني تحت رواق أبرشية سان رومان في مدينة توليدو. لا شك لدينا أنها مشاهد مأخوذة من واقع شبه يومي.

في الوقت الحاضر، تقدمت العلوم وضعفت الأفكار الدينية، ما جعلنا ننسى إلى حد ما هذه التجارب الجماعية التي، بشكل متكرر وغير متوقع، أهلكت سكان مدن إسبانية بأكملها.

خلال وباء الطاعون في إشبيلية سنة (1649-1650)، الأوامر الدينية التي أعطيت، دفعت ثمناً باهظاً للوباء الذي ترك من بين تعداد ساكنة تصل إلى 120.000 نسمة، النصف فقط على قيد الحياة. يوضح الرسام بيدرو أناستاسيو (غرناطة، 1635 -1688) في عمل مؤرخ عام 1684، تم الاحتفاظ به في متحف غويا في كاسترس، الواقع الرهيب للوباء. شابة، ضحية الطاعون، تقع على الأرض مع أحد طفليها المتوفين. الثاني، مهجور، أما الثاني الذي تخلى عنه، فهو يتشبث بجسم امه، الذي بدأت تظهر عليه ملامح لون الجثة. بالإضافة إلى حقيقة أن الرسام بوكانيكرا، تلميذ الرسام ألونسو كانو، استوحى لوحته من عمل شهير للرسام نيكولاس بوسين، طاعون أسدود، نميز في الخلفية سلسلة من الشخصيات الرمزية. الإيمان، معصوب العينين، يمسك القربان المقدس، ينزل من السماء، بينما يفر الأمل يجر مرساة عند قدمه. فالزمن، المجنح، المساند للعالم، هو نفسه، محمول من قبل امرأة تحمل حقيبة في يدها ولا شيء سوى الجشع.
وتظل الرسالة الفنية واضحة لا لبس فيها: فالطاعون هو في الواقع عقاب إلهي يفرض على الضعف البشري الأبدي. ويبقى الإيمان الديني الوحيد الذي يستطيع الخلاص من هذا الوباء. ومع ذلك، سيكون من التبسيط تصور الجائحة فقط، من خلال هذا المقاربة، الذي تهدف إلى توجيه ضربة قاضية للعقول المفكرة. هناك صور مباشرة أكثر، وإن كانت في كثير من الأحيان ذات جودة جمالية أقل، والتي تسمح لنا بتخمين مدى تأثير هذه الكوارث، على البشر. هناك لوحة مجهولة، محفوظة في مستشفى ديل بوزو سانتو في إشبيلية: «الطاعون في إشبيلية»، تظهر لنا بدون مكياج وبدون أي رمز وباء إشبيلية الرهيب، الذي كسر ظهر المدينة الأندلسية وتطورها الديناميكي، حيث هلك ابن الرسام زورباران، وكذلك النحات مارتينيز مونتانيس. المدينة مليئة بالقتلى الذين تركوا بدون دفن، بعضهم في أكفانهم، والبعض الآخر ملقى على الأرض، حيث ضربهم الطاعون. الناس تجتمع فقط في مجموعات صغيرة للغاية. المنازل مهجورة وكذلك جميع الأنشطة باستثناء المواكب أو المدافن. فمن خلال هذه اللوحة الساذجة والقاسية، يمكننا الحصول على الفكرة الأكثر دقة، عن محنة السكان والسلطات المدنية والدينية، في مدينة إشبيلية بتلك الفترة الرهيبة من تاريخ إسبانيا.
في الوقت الحاضر، تقدمت العلوم وضعفت الأفكار الدينية، ما جعلنا ننسى إلى حد ما هذه التجارب الجماعية التي، بشكل متكرر وغير متوقع، أهلكت سكان مدن إسبانية بأكملها. ومع ذلك، تموت الأفكار المسبقة بشدة، ولم يعد يصبح الدين ملاذًا للشفاء من الوباء. فإننا نسمع أحيانًا صدى من خلال وسائل الإعلام، لخطابات غريبة، مثل تلك الخاصة بالعقاب العادل، الذي يلحق بالمجتمعات المخطئة، لطريقة حياتهم أو ممارساتهم الجنسية، من الواضح أن هذا يشير إلى مرض الإيدز. وكما نعلم، فإن ناقلات الطاعون هي البراغيث التي تعيش على الجرذان. وليس من المستغرب أن نفاجأ بملاحظة، أنه خلال الطاعون في إشبيلية سنة 1649، حدثت نوبة الوباء بعد ارتفاع مياه غوادالكوير، التي دفعت لانطلاق القوارض من جحورها.
أكثر من أي وقت مضى، كل شيء هو الخطاب والصورة، ويبقى مقدار استخدامنا له بشكل الافضل أو الأسوأ في حياتنا.

ترجمة بتصرف عن موقع musée Occitanie
٭ جان لوي أوجيه
كبير أمناء متحف غويا وجوريس

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!