غوستاف كليمت في عرض رقمّي في باريس: حيث اللوحات تحيط بالرائي لا العكس

في مساحة أشبه بموقف سيارات في طابق تحت الأرض، حيث لا يُرى سوى الحديد والإسمنت، كأساسات لما يقوم عليهما، في مساحة كهذه (3300 متر مربع) تُقام معارض تحمل تلك الأساساتُ مقتنياتها، إنّما هذه المقتنيات هنا بلا وزن تماماً، هي إسقاطات ضوئية على الإسمنت والحديد، على جدران عريضة وعالية (10 أمتار) كانت، هنا، لوحات قلبت منطق […]

Share your love

غوستاف كليمت في عرض رقمّي في باريس: حيث اللوحات تحيط بالرائي لا العكس

[wpcc-script type=”8648ae9be5b32ff78683d981-text/javascript”]

في مساحة أشبه بموقف سيارات في طابق تحت الأرض، حيث لا يُرى سوى الحديد والإسمنت، كأساسات لما يقوم عليهما، في مساحة كهذه (3300 متر مربع) تُقام معارض تحمل تلك الأساساتُ مقتنياتها، إنّما هذه المقتنيات هنا بلا وزن تماماً، هي إسقاطات ضوئية على الإسمنت والحديد، على جدران عريضة وعالية (10 أمتار) كانت، هنا، لوحات قلبت منطق المشاهدة في المعارض التقليدية، حيث يشاهد الزائرُ العملَ الفنّي ويحوم حوله.
في الدائرة الحادية عشرة في باريس، تقيم «أتولييه دي لوميير» (أو محترف الأضواء)، معرضها الحالي، وهو إسقاطات ضوئية للوحاتٍ للنمساوي غوستاف كليمت ( 1862 ـ 1918) وآخرين. وقد شملت العروض أعمالاً تفاوتت من حيث زمانها وتيّارها، من الكلاسيكي إلى المعاصر، ما سبق كليمت وما لحقه، ومنها أعمال للنيوزيلندي فريدنسريتش هندرتواسر (1928- 2000).


تكون المعارض عادة مواقع يزورها الناس لدخولها والتجوّل فيها، واقفين أمام العمل الفنّي أو حائمين حوله، إن استطاعوا، مقتربين، مبتعدين، متفادين رؤوس آخرين متطفّلين بينهم وبين العمل، أكان عملاً نحتياً أم تشكيلياً أم إنشائياً أم فيديو أم أي شكل آخر يمكن أن تحويه صالات العرض.
في عرض «أتولييه دي لوميير» انقلب ذلك المنطق، انقلبت المعادلة بين الرائي والمرئي، بين الموضوع والمتلقي، ليدخل أحدنا إلى تلك المساحة الأشبه بـ«الباركينغ» ويجد نفسه في المنتصف منه، محاطاً بأعمال تحوم حوله، فوقه، أسفله، كأنّها الرائي وهو المرئي، كأنّها الزائر إلى معرض هو مادة العرض فيه، هو موضوعه. ففي صالة العرض هنا، جدران تحيط بها، أعمده تتوزّع على أرضها، جدران إضافية تتوسطها، وسقف عال، عليها جميعها تتوالى الأعمال الفنية التي عرفناها كلوحات ثابتة مكانها، نحوم نحن، الزائرين الرائين، حولها.

تكون المعارض عادة مواقع يزورها الناس لدخولها والتجوّل فيها، واقفين أمام العمل الفنّي أو حائمين حوله، إن استطاعوا، مقتربين، مبتعدين، متفادين رؤوس آخرين متطفّلين بينهم وبين العمل.

إسقاطات ضوئية لفيديو تتحرّك فيه اللوحات، بل تتكامل وتتوالى، فتظهر أجزاء مقتطعة من اللوحات، قبل أن تُضاف إليها أجزاء أخرى، مع استطالات لأجزاء وخلفيات اللوحات على الجدران، تفاصيل تظهر في أماكن متباعدة، تكتمل اللوحات على الجدران وتتداخل مع غيرها، للفنان نفسه قبل أن تليها أعمال لفنان آخر، مع موسيقى في الخلفية وتأثيرات صوتيّة أكملت العمل المصنوع من لوحات وفيديو وإسقاطات ضوئية وتأثيرات بصرية وجدران إسمنتية عالية رمادية.
أتت عروض غوستاف كليمت على عدّة موضوعات: «فيينا ما بعد الكلاسيكية»، وفيه ننتقل إلى متحف تاريخ الفن في العاصمة النمساوية، حيث الديكورات، الأعمدة، الأسقف، وبعض اللوحات التي رسم منها كليمت في شبابه. يليه «كليمت والانفصال الفيينويّ»، حيث واجهات المباني في فيينا مزينة بالموتيفات النباتية، وحين كان «قصر الانفصال» المكان المحتضن للتيار الفني الجديد في فيينا. ثم «كليمت والذهب»، حيث أعمال كليمت الرمزية التي يقتنيها «قصر الانفصال» في فيينا، وقد انتقل مما بعد الكلاسيكية إلى الرمزية في تلك الأعمال، وفيه نبقى كذلك في «قصر الانفصال» وسطوحه المذهّبة. يليه «كليمت والطبيعة»، وننتقل فيه إلى لوحات كليمت بموضوعاتها الجديدة بعدما ترك مجموعة «الانفصال»، وهي موضوعات عن الطبيعة والحدائق والغابات، ما قرّبه أكثر إلى المدرسة الانطباعية.
إيغون شيله وفي هذا الجزء من المعرض تحيط بالزائر لوحات لشيله إنّما غير مبتعدين عن كليمت، فهي لوحات لشيله تأثّر فيها بمواطنه، وتحديداً في لوحات البيوت والطبيعة، وإن كان لشيله دائماً أسلوبه الخاص الذي طوّره وعُرف به. وأخيراً موضوع «كليمت والنّساء: توزيع الألوان»، هنا يترك كليمت الذهب متّجهاً للألوان وعوالمها، يقدّمها كهالاتٍ حول نسائه ولديهن، بوضعياتهن المتنوعة، وفيه كذلك بعض لوحات نساء شيله التي رسمها غير مكتملة متأثراً كذلك بكليمت.
حين سُئل رئيس «كولتور إسباس»، الجهة المنظّمة للمعرض، عن سبب الجمع بين الفنانين الثلاثة، كليمت وشيله وهندرتواسر، قال إنّ السبب هو رغباتهم في تحرير الشكل والمضمون من المعايير التي فرضتها التقاليد الأكاديمية، ولهذا الاختيار كذلك جانب تقني يخص تجاور الألوان في لوحاتهم وتنوعها، بظلالها ودرجاتها. ولهذا التفسير علاقة بطبيعة العمل الفني الذي أُسّس من أجل عرضه، «محترف الأضواء» وهو الفن الرقمي كفن متحرر من الشكل والمضمون المتشكلين تاريخياً.
إن هذا المعرض هو الأول في «مركز الفن الرقمي» في باريس، الذي افُتتح في أبريل/نيسان الماضي كأوّل مركز فنون رقمية في العاصمة الفرنسية، حيث تزدحم المعارض الفنية في المتاحف وخارجها، إنّما المركز الذي افتُتح مؤخراً هو الأول من نوعه، إذ بدأ بهذا المعرض لينهيه في يناير /كانون الثاني 2019، ويشرع في آخر موضوعه الهولندي فان غوغ ويُفتتح في فبراير/شباط.

٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!