فرانسيس كابريل: ألبوم جديد من وحي التروبادور ونجوم العصور الوسطى

أصدر المغني الفرنسي فرانسيس كابريل ألبوم À l’aube revenant الذي يحتوي على أغنيات مستلهمة من التروبادور، ذلك الموسيقي القديم الذي كان يدور بقيثاره، أو الشاعر والمغني المتجول بكلمات حب رقيقة يوزعها في كل مكان. وربما أراد كابريل من خلال هذا الألبوم أن يخلق نوعا من التواصل بطريقة أو بأخرى، مع أسلافه الذين ملأوا أوروبا بالموسيقى […]

فرانسيس كابريل: ألبوم جديد من وحي التروبادور ونجوم العصور الوسطى

[wpcc-script type=”666e22058b13ad7903a50d0b-text/javascript”]

أصدر المغني الفرنسي فرانسيس كابريل ألبوم À l’aube revenant الذي يحتوي على أغنيات مستلهمة من التروبادور، ذلك الموسيقي القديم الذي كان يدور بقيثاره، أو الشاعر والمغني المتجول بكلمات حب رقيقة يوزعها في كل مكان.
وربما أراد كابريل من خلال هذا الألبوم أن يخلق نوعا من التواصل بطريقة أو بأخرى، مع أسلافه الذين ملأوا أوروبا بالموسيقى والشعر والغناء، في القرن الحادي عشر والقرون اللاحقة، وهو مثلهم يكتب أرق كلمات الحب ويغنيها، ويعزف على الغيتار أيضا، والصلة قائمة بلا شك بينه وبينهم، كمصدر هائل من مصادر الفن والخيال والإلهام، وهو كنجم من نجوم الغناء يتطلع إليهم كنجوم كانوا لامعين في الأزمنة الغابرة، وقد ظلت أسماء البعض منهم وأغنياتهم خالدة إلى اليوم، وربما أراد فرانسيس كابريل أيضا إعادة تقديمهم إلى المستمع، أو التذكير بهم على الأقل، وإثارة الفضول حولهم من جديد، وكم كان ذكيا في طريقة التقديم هذه، والتناول للموضوعات المحددة، والتركيز على التفاصيل المختارة، وإضاءة بعض الجوانب التي توضح الصورة، وتنقل إلينا الأجواء العتيقة قدر المستطاع، بدون أن يحاصرنا بدرس أدبي ثقيل أو حصة تاريخ مزدحمة بالمعلومات، فلا شيء يمس الغناء على الإطلاق، ويقلل من متعة الاستماع إليه، وإن خرجنا من الأغنية ونحن نعرف الكثير عن التروبادور.
فهو يكتب عنهم ويكتب مثلهم، ويذكر أسماء الشعراء المشاهير منهم، ويتبع أسلوبهم في الحب والغزل، ويغني كما كانوا يغنون للحبيبة البعيدة، التي يعد الوصول إليها صعبا أو مستحيلا وإن كان العاشق واقفا أسفل نافذة أو شرفة معشوقته، وهي أغنيات يجدها المستمع العربي قريبة جدا إلى نفسه، لأن السبب في ظهور التروبادور قديما، كان التأثر بالحضارة العربية الإسلامية، واستلهام ومحاكاة فنون الأندلسيين الموسيقية والشعرية والغنائية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل كان استلهاما للثقافة بشكل عام، والأسلوب والرؤية الكاملة للحياة والحب ومسار العاطفة، أيام كنا نحن أصحاب الموسيقى والشعر والغناء، نلهم الغرب ونشجع شعوبه وأفراده على أن يبدعوا مثلنا، وأيام كنا نحن العشاق أصحاب الوجدان الحار، نعرف الغرام جيدا، ولا شأن لنا بالقلوب الباردة، نستسلم للحب ونرضى بالضعف الجميل أمامه والاكتواء بنيرانه اللاهبة، وكنا نشيع الجمال وننثر الحب ونؤكد الحياة، بفن يهذب المشاعر، ويربي الإحساس، ويعمل على تذويق الناس وتخليصهم من الوحوش الرابضة في أنفسهم، وكان هذا الفن العربي المسلم على درجة عالية من الجمال والحيوية والقوة والتأثير، إلى الحد الذي جعل أصحاب الثقافات الأخرى يرغبون في العيش والغناء والحب على طريقتنا.

أراد كابريل من خلال هذا الألبوم أن يخلق نوعا من التواصل بطريقة أو بأخرى، مع أسلافه الذين ملأوا أوروبا بالموسيقى والشعر والغناء، في القرن الحادي عشر والقرون اللاحقة، وهو مثلهم يكتب أرق كلمات الحب ويغنيها، ويعزف على الغيتار أيضا.

ومن أجمل ما نستمع إليه من إبداعات فرانسيس كابريل في هذا الألبوم الجديد، أغنية بعنوان «أغنية للحب الكورتوازي» والحب الكورتوازي هو الحب العذري في ثقافتنا العربية، ونكاد نشعر بأنها أغنية عربية مكتوبة باللغة الفرنسية، يغنيها شاعر عاشق يكتب قصيدته ويخط حروفها على الأوراق، التي ترتعش تحت يده من فرط حرارة العاطفة، وجيشان الحب في كيانه، أما مبتغاه ومنتهى آماله فهو معطف الحبيبة، الذي يود أن يحتويه وأن يجمع جسديهما معا، ينظم الشعر ويكتب عن الحبيبة البعيدة، ويحلم بلقاء يبدو مستحيلا، لكنه يحلم ويمني النفس بالكثير من ليالي الحب العاصفة، ويقضي الوقت وهو يتغزل بعينيها وجيدها وشعرها وجسدها وخطواتها، ثم يعود إلى ذلك المعطف، الذي لا بد من الوصول إليه، وبشكل عام لا تعد الأجواء الرومانسية بعيدة عن عالم فرانسيس كابريل الموسيقي والغنائي منذ بدايته الفنية عام 1974، ولديه مجموعة كبيرة من الأغنيات العاطفية، من أجملها وأشهرها أغنية «أحبها حتى الموت» التي صدرت عام 1979، وفيها يتغني بالحبيبة المتميزة في نظره، التي «خاضت كل حروب الحب والحياة لكي تصبح قوية بهذا الشكل» وإذا كان فرانسيس كابريل قد اشتهر موسيقيا بألوان مثل الفولك والكونتري، فإنه يقدم ألطف ما يمكن الاستماع إليه من هذه الفنون، وتغلب الرقة في كثير من الأوقات على الكلمة والنغمة والصوت، ونجد أن لديه دائما تلك القدرة على صناعة التأثير الهادئ، وخلق الإحساس المطلوب في نفس المستمع، بدون الضغط على المشاعر أو المبالغة في الأداء.
لم يكرس فرانسيس كابريل ألبومه الجديد بأكمله للتروبادور، حيث نستمع إلى بعض الأغنيات القليلة التي تناولت موضوعات أخرى، بدت بعيدة عن موضوعه الرئيسي وأثرت على وحدة الألبوم إلى حد ما، مثل أغنية «أشبهك» التي كتبها كابريل عن أبيه، حبا وتكريما له، واعترافا بفضله، وتقديرا لجهده وسنوات شقائه التي قضاها عاملا في أحد المصانع من أجل رعاية أبنائه، بالإضافة إلى أغنية أخرى كتبها عن أحد الأشخاص أيضا، ورغم تميز أغنية الأب وأهميتها، تظل أغنيات التروبادور هي الأكثر جاذبية في هذا الألبوم، بتنوعها وارتباطها ببعضها بعضا في الوقت نفسه، وانتقالها من فكرة إلى أخرى، والإيحاء بالأجواء القديمة، من خلال بعض الثيمات المتميزة، كما في أغنية «فور آلامور» حيث يغني كابريل قائلا: «إنهم يدورون يدورون يدورون» ويكررها كثيرا طوال الأغنية.
وفي نهاية الألبوم نستمع إلى أغنية «نجوم الروك في العصور الوسطى» حيث يوجه فرانسيس كابريل التحية الصريحة المباشرة لشعراء التروبادور القدماء، الذين كان لهم السبق في الكتابة عن الحب بصورة أجمل وأفضل كما يقول، ويعلن التقدير لهم والانتماء إليهم، رغم البعد الزمني الهائل، ويرى أن القِدم لا ينفي الصلة المعقودة، لأن لغة الحب واحدة في كل زمان ومكان، سواء كانت لغة قديمة أو لغة حديثة، وقد أراد كابريل في هذه الأغنية أن يقترب منهم أكثر وأكثر، فنستمع إلى مقطع يغنيه بلغة لا نعرفها، ربما كانت واحدة من لغات التروبادور القديمة، لكننا نلاحظ التشابه في النطق مع بعض الكلمات الفرنسية، ويختتم الأغنية بذكر مجموعة من الأسماء الشهيرة، مثل التروبادور «رودل» والتروبادور «غيوم التاسع» وغيرهما.

٭ كاتبة مصرية

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!