فرقة باليه بويز البريطانية: موسيقية الجسد ودرامية التعبير ولانهائية التشكيل

■ في كل من العروض المصورة والأفلام الراقصة لفرقة باليه بويز البريطانية، يوجد دائماً ذلك المزج بين الباليه الكلاسيكي والرقص الحديث، فقد تأسست الفرقة على يد الثنائي مايكل نان وبيلي تريفت، وهما من راقصي الباليه الكلاسيكي، لكنهما تمكنا من تكوين فرقة متفردة ذهبت نحو الجديد في أسلوب الرقص والموضوعات الفنية، التي يتم التعبير عنها، والقوالب […]

Share your love

فرقة باليه بويز البريطانية: موسيقية الجسد ودرامية التعبير ولانهائية التشكيل

[wpcc-script type=”a355a70fb34db98c264668bc-text/javascript”]

■ في كل من العروض المصورة والأفلام الراقصة لفرقة باليه بويز البريطانية، يوجد دائماً ذلك المزج بين الباليه الكلاسيكي والرقص الحديث، فقد تأسست الفرقة على يد الثنائي مايكل نان وبيلي تريفت، وهما من راقصي الباليه الكلاسيكي، لكنهما تمكنا من تكوين فرقة متفردة ذهبت نحو الجديد في أسلوب الرقص والموضوعات الفنية، التي يتم التعبير عنها، والقوالب التي تقدم من خلالها هذه الموضوعات، ورغم أن الفرقة مكونة من الرجال فقط إلا إنها تستعين أحياناً ببعض الراقصات في الأعمال التي تستدعي وجودهن، خصوصاً في الأفلام الراقصة التي تتميز الفرقة بتقديمها، فلديها قائمة لا بأس بها من هذه الأفلام وينتظر منها المزيد، وهي ليست أفلام باهتة أو مجرد تصوير للرقصات، بل هي أفلام جيدة، حيث نستطيع أن نشاهد الفيلم كاملاً ونتابع كافة فصوله، وعقدته الدرامية والحلول المحزنة أو المفرحة والنهاية، بدون أن ينطق أحد بكلمة واحدة طوال الفيلم، فلا نستمع لغير الموسيقى ولا نشاهد سوى الرقص، ويكون غريباً أننا لا نفتقد الكلمات أبداً ولا نشعر بالحاجة إليها، ونتساءل هل يمكن الاستغناء عن الكلمة إلى هذا الحد؟
إلى جانب الرقص الجماعي والثنائيات، نشاهد بعض الرقصات الفردية التي يؤديها أعضاء الفرقة، وتُظهر المهارات والأسلوب الخاص بكل راقص، ويعد الرقص المنفرد على صعوبته أسهل من الرقص الثنائي والجماعي، الذي يتطلب مهارات أكبر وقدرة على التواصل العميق، وخلق حوار جسدي والانسجام بسلاسة ضمن التشكيلات الجسدية المتلاحقة، كما في فيلم «كاما سوترا» المستوحى من الكتاب الهندي الشهير بالعنوان نفسه، أو ما يعرف بكتاب الحب الذي يجعل بعض الهنود يمزحون متفاخرين بأنهم من اخترعوا الحب.
تعتمد الفرقة بدرجة كبيرة على القوة وصلابة الأجساد، التي تختلف من حيث الطول والوزن والتكوين العضلي عن أجساد راقصي الباليه الكلاسيكي، ولولا موسيقية هذه الأجساد ودرامية تعبيرها وقدرتها على التشكيل اللانهائي، لظنّ المرء أنه يشاهد رياضة لا رقصاً، وإلى جانب القوة توجد المرونة والخفة والانسيابية المدهشة أيضاً، التي تظهر على سبيل المثال في عرض «الأفعى» حيث تتلوي الأجساد القوية من الرأس حتى القدم، وتمضي الانحناءات والالتواءات بانسيابية تامة في سائر الجسد، بالإضافة إلى الحركة الدائرية والتموج والاستمرارية، وكأننا نشاهد عملية رسم لدائرة لا تغلق أبداً، وتتبع العين حركة الراقصين وما ترسمه أيديهم وسيقانهم وكامل أجسادهم، وهذه الصور التي تتشكل بسرعة ثم تنمحي وتذوب في تشكيلات وتكوينات جديدة.

تعتمد الفرقة بدرجة كبيرة على القوة وصلابة الأجساد، التي تختلف من حيث الطول والوزن والتكوين العضلي عن أجساد راقصي الباليه الكلاسيكي، ولولا موسيقية هذه الأجساد ودرامية تعبيرها وقدرتها على التشكيل اللانهائي، لظنّ المرء أنه يشاهد رياضة لا رقصاً

أما فيلم Young Men فيعد من أهم ما قدمته الفرقة، حيث نشاهد الحرب العالمية الأولى كرقصة طويلة، تؤديها مجموعة من الجنود الذين يتحكم بهم قائدهم العسكري، ويسيطر عليهم طوال الوقت، فلا نرى العدو على الإطلاق في الفيلم، ربما نستمع إلى بعض التفجيرات التي تشير إليه وأصوات الطيران الحقيقية أو المتخيلة في ذهن بعض الجنود، لكننا لا نرى اشتباكات جسدية مع العدو خلال الرقص، ويدور الصراع طوال الفيلم بين الجنود والقائد، ويظهر ذلك في البداية من خلال مشهد تدريبه القاسي لهم على الحرب، ثم يتصاعد الصراع تدريجياً في مشهد تفريقه بين أحد الجنود وحبيبته، التي كان يقبلها في الغابة، وإصراره على قتل العاطفة في نفس ذلك الجندي، حتى يصل الصراع إلى الذروة والمواجهة الحاسمة في النهاية.
في الفيلم يتم التعبير عن كل هذا العبث والاضطراب بدقة ونظام، وبمقدار كبير من القوة والسرعة أحياناً، وتكثر الوثبات في الهواء، وكذلك الانقطاع والاتصال والوقفات المفاجئة، التي تعطي الإحساس بالاصطدام بالفراغ، وتبدو الخطوات في أغلب الوقت تائهة ضائعة حزينة، أو متوترة هلوعة تحاول الخروج من شرك وقعت فيه ولا فكاك منه، مع ضرب الأرض بالقدم والمشي التوقيعي بخطوات طويلة، ودفع كامل الجسد إلى الأمام وهذه الحركات التي لا تمنحنا سوى الشعور بالسكون والأسر، في حيز محدود وسط أسوار غير مرئية، كما تنتظم الأجساد في تصميم متناسق دقيق ومتقن، تجتمع ثم تتفرق في حركات مؤلفة من ثلاثة أجساد أو أكثر، مع اشتباك الأذرع والسيقان والتلاقي وتبادل الحركة والمشاعر، ودوران الأجساد وتقابلها وتقاطعها، وتطايرها أحياناً بفعل الانفجارات مع تصاعد الأنغام واتصال الأذن بالموسيقى بسائر الجسد، وتبدو الحركة وكأنها تُضاعف نفسها بنفسها، وتعبر عن الصراع بين الروح والجسد، حيث يخضع الجسد مكرهاً لأوامر قائده، لكن الروح ترفض كل ما يحدث والعقل أيضاً، فتتحول الأجساد هنا إلى أشياء لا قيمة لها.
ومن أجمل الرقصات في الفيلم رقصــــة الذعر، التي يرقصها أحد الجنود، رغم أنه في مكان آمن مغلق، لكنه يتألم لسماعه أصوات طائرات مرعبة لا وجود لها إلا في ذهنه، وعبّر بالرقص عن محاولات الهروب من هذه الأشباح الصوتية التي تطارده، كما كان رقص الجنود وسط التفجيرات، وفي الوحل، ومحاولات الوقوف والسقوط مرة أخرى من أجمل رقصات الفيلم وأصعبها.
لا تنتهي الحرب وتتوقف معاناة هؤلاء الجنود بالانتصار على العدو وتدميره، وإنما بقتل قائدهم العسكري، حيث يغرقه أحد الجنود في بركة من الوحل والطين، بعدها مباشرة نرى اللون الأخضر الرائع وثمار التوت الملونة والزهور والفراشات، ويعود الجندي الذي قتل هذا القائد إلى الأم والحبيبة، وقد ارتدى ثيابه المدنية الأنيقة، ويبدو سليماً معافى بكامل جسده، لكنه ليس بخير على الإطلاق، لن يغفر أبداً ولن يشفى ولن ينسى، ولن يستطيع أن يرقص سوى رقصة الانهيار.

٭ كاتبة مصرية

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!