أصدر فريق الروك الأمريكي بون جوفي ألبوما جديدا بعنوان 2020، يحتوي على مجموعة من الأغنيات التي ترتبط بهذا الرقم المخيف، وأحوال هذه السنة التاريخية، سواء كانت أمريكية خالصة ومحلية تماما، أو ذات طابع إنساني عالمي يهم الجميع ويعبر عنهم، لكن هذا الاقتراب من الواقع لم ينقص من فنية الألبوم وجودته، ودرجات الاحترافية والاتقان على مستوى الموسيقى والغناء والكلمات، حتى مع أكثر الأغنيات مباشرة، لا نشعر بأننا نستمع إلى نشرة أخبار أو توجيهات دعائية، على الرغم من مواقف الفريق الديمقراطية المعلنة، فالموسيقى مؤثرة ومتنوعة في أفكارها، وقوية في تعبيرها عن المشاعر القاتمة، والخوف الذي يحاصر النفوس، أما المغني الأساسي في الفريق جون بون جوفي، الذي نستمع إلى صوته منفردا في جميع الأغنيات، وإلى كلماته التي كتبها بنفسه أيضا، فإنه يجعلنا نشعر بأننا كنا بالفعل نحتاج إلى سماع بعض هذه الكلمات الآن، ويثبت من جديد إنه من عظماء الروك، ومن أهم الأصوات التي ظهرت بعد فريدي ميركوري وديفيد بوي.
بهذا التمكن السهل من أداء أغنيات مختلفة، وعبقرية التلوين والتحليق بالأوكتافات، والانتقال بالمستمع من شعور إلى آخر مع كل أغنية، وأحيانا مع كل كلمة في بعض الأغنيات، وقوة التعبير الدرامي في أغنية «غير قابل للكسر»، التي تتناول اضطراب ما بعد الصدمة، وتدعو الله أن ينقذ ضحايا هذا المرض النفسي، وتتحدث الأغنية تحديدا عن العسكريين في أمريكا، وهي من الأغنيات البعيدة عن المستمع غير الأمريكي، وربما لا تلمس مشاعره، لكن الغناء فيها ممتاز بصورة لافتة. وبمهارة كبيرة وخبرة طويلة يستخدم جون بون جوفي، إمكانيات صوت التينور المنخفض 4 أوكتاف، ويُظهر كل ما لا يزال يحتفظ به من شباب وحيوية من خلال الأداء السريع، وغناء الكلمات المتلاحقة وتكسيرها إيقاعيا على أنغام الروك الصاخبة، في أغنية «بلا حدود» الحماسية، التي تشجع على الخوض في بحر الحياة، مع الحذر والحفاظ على النفس من الغرق، ويتم التذكير بهذا عن طريق تكرار جملة «إرفع رأسك فوق الماء» طوال الأغنية، كما نستمتع بالغناء المتواصل المتوسط السرعة، والمتدفق بلا انقطاع كنهر من المشاعر في أغنية «قصة الحب» التي تصف مشاعر الأبوة والأمومة وحب الأهل للأبناء، ولا ننسى بالطبع الغناء الرومانسي الرائع في أغنية «الحب يستطيع» التي توقف المستمع عندها وتحتفظ به لوقت طويل.

وعن أمريكا وقضاياها الداخلية أيضا نستمع إلى أغنية «نكسوا العلم» التي تتناول حوادث إطلاق النار والقتل الجماعي، ويتغنى في نهايتها بأسماء المدن والولايات التي وقعت فيها هذه الحوادث في السنوات الأخيرة.

وعن فيروس كورونا، الذي لم نعد نريد أن نسمع عنه شيئا، كتب جون بون جوفي أغنية طويلة بعنوان «افعل ما تقدر عليه» تصف أجواء كورونا داخل أمريكا، مع الكثير من التفاصيل المحلية، لكن أفضل مقاطعها هو المقطع الأخير حين يقول: ألم يحن الوقت بعد لكي نحب الغريب عنا؟ وهذا ينقلنا إلى أغنية «دماء في المياه» التي كتبها عن معاناة المهاجرين، المهددين بالترحيل والإعادة القسرية إلى بلادهم التي فروا منها، وهي من أكثر الأغنيات تميزا على المستوى الموسيقي، سواء في مقدمتها أو ثيمتها الرئيسية، ومن الأغنيات التي تعبر عن حزن هذا الفنان الشديد على حال وطنه، وقلقه على مستقبله، هي أغنية «أمريكان ريكونينغ» التي تبدأ بقول «أمريكا تحترق» ثم تتحدث عن جورج فلويد وضحايا العنصرية، الذين سبقوه، والذين سيأتون من بعده، وبكاء الأمهات والحوادث المتكررة، والتاريخ الذي يعيد نفسه، يغني جون بون جوفي بصوت خافت قائلا، «لا أستطيع التنفس» ويحاول أن يتخيل ما شعر به جورج فلويد في لحظات موته الرهيبة، ثم تتحدث عن المظاهرات والحركات المقاومة للعنصرية، وتحث على إنقاذ أمريكا وتتساءل: «هل تكتب قصتنا بالدم؟ أم بالحب والسلام؟».
وعن أمريكا وقضاياها الداخلية أيضا نستمع إلى أغنية «نكسوا العلم» التي تتناول حوادث إطلاق النار والقتل الجماعي، ويتغنى في نهايتها بأسماء المدن والولايات التي وقعت فيها هذه الحوادث في السنوات الأخيرة.
ونجد أن هذا الألبوم لا يخلو من أغنيات عن الحب، لم يكن إبداعها صعبا أو مستحيلا في هذه الأوقات الكئيبة القاتمة، ولا يزال من المحبب إلى النفس الاستماع إليها أيضا، رغم كل شيء، ومع افتقاد العالم للمصل أو اللقاح المنتظر، كتب جون بون جوفي أغنية «دواء جميل»، وهذا الدواء الجميل هو الحب بالطبع، وهي أغنية مرحة وسريعة وصاخبة، تعدد منافع هذه الوصفة السحرية، التي لا يستطيع الطبيب كتابتها ولا يقدر الشاعر على التعبير عنها، وكان جميلا أن نستمع إلى أغنية عاطفية جديدة بعنوان «الحب يستطيع» تضاهي أشهر أغنيات فريق بون جوفي الرومانسية في الثمانينيات والتسعينيات مثل «سأكون موجودا من أجلك» و»سرير من ورود» وربما تتفوق عليها أيضا، بكلماتها عن الحب الذي يستطيع أن يفعل كل ما يعجز عنه أي شيء آخر، ولحنها الممتد المتصاعد تدريجيا مع صوت جون بون جوفي الذي يكبر ويتسع مداه كلما ردد الحب يستطيع.

٭ كاتبة مصرية