قالت إنّ مصطلح «الإبداع النسائي» يدلُّ على قصور الرؤية حول ما تكتبه المرأة: ثريا ماجدولين: كنتُ أمارس الكتابة سرًّا في ما يشبه العشق

ثريا ماجدولين شاعرة لها حضورها النوعي في مدوّنة الشعر المغربي المعاصر. تنتمي، أجياليًّا، إلى جيل الثمانينيّات، بل هي واحدة من ثلاث شاعرات بصمن نوعيّة هذا الجيل إلى جانب كلّ من الشاعرتين وفاء العمراني والزهرة المنصوري. أصدرت باكورتها الشعرية «أوراق الرماد» عام 1993، التي كشفت عن ارتباطها الوجداني ببعض القضايا الوطنية والقومية. وابتداء من ديوانها «المتعبون»، […]

Share your love

قالت إنّ مصطلح «الإبداع النسائي» يدلُّ على قصور الرؤية حول ما تكتبه المرأة: ثريا ماجدولين: كنتُ أمارس الكتابة سرًّا في ما يشبه العشق

[wpcc-script type=”7fb44a732b80489a2fc0355e-text/javascript”]

ثريا ماجدولين شاعرة لها حضورها النوعي في مدوّنة الشعر المغربي المعاصر. تنتمي، أجياليًّا، إلى جيل الثمانينيّات، بل هي واحدة من ثلاث شاعرات بصمن نوعيّة هذا الجيل إلى جانب كلّ من الشاعرتين وفاء العمراني والزهرة المنصوري. أصدرت باكورتها الشعرية «أوراق الرماد» عام 1993، التي كشفت عن ارتباطها الوجداني ببعض القضايا الوطنية والقومية. وابتداء من ديوانها «المتعبون»، مرورًا بـ«سماء تشبهني قليلا» و«أيّ ذاكرة تكفيك» ثم «أبعد ما يكون»، نكتشف حضور ذات الأنثى التي عادت إلى مشاغلها الخاصة، ولا يُخطئ القارئ صوت الأنثى الشجيّ وهي تبوح بمواجدها في الحيرة والقلق والغياب، ثم يشعر بها وقد صار صوتها أكثر شفافيّة للبوح والفرح على نحو ما يفصح عن سيرة شعرية خاصة بها.
في هذا الحوار، تتكلم ثريا عن مغامرة كتابتها للشعر، وعلاقتها بالجيل الثمانيني، ومصادر كتابتها وطقوسها، وعن رأيها في الكتابة النسائية ووضع الشعر المغربي راهنًا.

■ كيف جاءت ثريا ماجدولين إلى الشعر، وعقدت عليه زمام كينونتها؟
□ علاقتي بالشعر تمتدُّ إلى مرحلة الطفولة، حيث كانت مكتبة والدي، رحمه الله، مليئة بالدواوين الشعرية والروايات وكتب الأدب. وكنت أقرأ كثيرا في تلك المرحلة، لكنني أعتقد أن الحياة بتجاربها المتنوعة هي التي دفعتني إلى الكتابة. كتبت أولى المحاولات الشعرية في الرابعة عشرة. في تلك المرحلة من العمر التي بدأت فيها أسئلة الوجود تملأ ذهني، وكثيرًا ما عجزت عن إيجاد أجوبة شافية عنها، فكانت الكتابة جزءا من الحل، أو على الأقل كانت محاولة لصناعة لحظات من الرضا والاطمئنان، أمام عدم الرضا عن العالم.. لذلك جاءت الكتابات الأولى مليئة بالرفض والتحدي، والرغبة في التغيير.. كنت أسرع إلى الورق كلما شعرت بالرغبة في الانعتاق.. كأنما الكتابةَ حضن رحيم.. كأني أستنجد بها لأنقذ نفسي من الانكسار، ثم أعجبني الأمر، وتعودت عليه.. هكذا كانت الكتابة في البدء هواية جميلة ولطيفة، أعبر فيها عن وجهة نظري في الحياة، وأمارس عبرها حق الخلوة إلى الذات والإنصات إلى صداي. كنت أمارس الكتابة سرًّا في ما يشبه العشق حين اكتشفت لذّتها، وتوهمت أنها تستطيع فتح أبواب الصمت الذي تزرعه حدة الواقع حولي وفي داخلي.. ولم أكن أفكر في النشر.. لم أضع أمام ناظري أبدا قارئا محتملا.. إلى أن دخلت الجامعة.. ففي السنة الأولى من الجامعة، وأنا في السابعة عشرة من عمري، نشرت أولى قصائدي بتحريض من بعض أصدقائي في جريدة «المحرر» قبل حظرها.. لكن الغريب أن الأمر لم يكن ممتعا، لقد أحسست بالقلق كلما هممت بنشر القصائد اللاحقة. والأمر نفسه تكرر حين طُلِبَ مني أن أنشر ديواني الأول في بداية التسعينيات، أي بعد عقد كامل من الكتابة والنشر في الجرائد، ثم تكرر التردد مع باقي الدواوين الخمسة.
كتبت في كل الأشكال الشعرية تقريبا، بدءا من القصيدة العمودية التي مثلت البداياتِ الأولى التي لم تنشر، إلى القصيدة الزجلية تأثرا بالمرحلة الغيوانية، ثم قصيدة التفعيلة، إلى أن استقر القلب أخيرا على قصيدة النثر، التي كتبتها عن قصد وإصرار. ثم صارت الكتابة بعد ذلك رفيقة العمر، وسرنا معا في محاولة لصناعة الحلم، وفتح مزيد من النوافذ في العالم. كان زمن الكتابة بالنسبة لي مسبوقا بزمن شاسع من القراءة، قراءة عميقة ومتأنية للشعر قديمه وحديثه، من الشعر الجاهلي إلى المتنبي، ومن أبي تمام والمعري إلى السياب، ومن جبران إلى محمود درويش ومن نزار قباني إلى أدونيس، ومن محمد بنطلحة وعبد الله راجع إلى أحمد المجاطي ومحمد الميموني، ومن لوركا وبوشكين وبودلير ونيرودا ورامبو وإيلوار، إلى غوته وريتسوس وروني شار، وآخرين.. ولم تكن هناك حدود تاريخية ولا جغرافية، فيما أقرأ من الشعر.

 كتبت في كل الأشكال الشعرية تقريبا، بدءا من القصيدة العمودية، إلى القصيدة الزجلية تأثرا بالمرحلة الغيوانية، ثم قصيدة التفعيلة، إلى أن استقر القلب أخيرا على قصيدة النثر، التي كتبتها عن قصد وإصرار.

■ في عقد الثمانينيات الذي بدأت الكتابة فيه، ما هي أبرز العلامات التي أثارت انتباهك، أو اعتقدت بأنّها تقودك إلى «مغامرة» على نحو ما؟
□ كان الظرف السياسي حارقا نهاية السبعينيات، وصادفت بداية الثمانينيات بداية دراستي الجامعية، وبالتالي بداية الانخراط مع الطلبة في قضايا سياسية.. فكان طبيعيا أن تأتي أولى القصائد محملة بعشق الوطن، ولم أجد كبير عناء في نشر قصائدي على صفحات الجريدة، رغم سني المبكرة (سبع عشرة سنة) خاصة أن الأقلام النسائية كانت قليلة جدا آنذاك.. ولم يكن الظرف الثقافي بمنأى عن السياسي.. بل كان رديفا له.. وكان أغلب ما نشرته في هذه البدايات عبارة عن قصائدَ نضاليةٍ وعن واقع سياسي موقوت.. في هذه الفترة لم يكن هناك تساهل مع المبدعين الشباب.. كنا ننشر في جريدة «المحرر»، ومنا من كان ينشر في جريدة «العلم» أو «البيان»، وكانت هناك متابعة دائمة لما نكتب من طرف النقاد، حيث تتولى تلك الجرائد نشر مقالات نقدية عن كتاباتنا الشعرية، وغالبا ما كانت تلك القراءات قاسية.. لم تكن هناك مجاملات، إذ لم يكن هناك تواصل أو معرفة مسبقة بأولئك النقاد، كانت كتاباتهم عبارة عن تقييم للقصائد المنشورة، شكلا وموضوعا ولغة وبنية وتخييلا وصورة وإيقاعا.. كأنما هي امتحان لنا للمضي أو للتوقف عن كتابة القصيدة.. ومازلت أحتفظ بنسخ من تلك الأعداد من جريدة «المحرر» الرائدة.. وأقول الآن ليت تلك المتابعة النقدية استمرت الآن، بالنفَس ذاته، لعلها تفيد في غربلة المشهد الشعري الراهن..
■ صار من الدارج أن جيل الثمانينيات الذي تمثلين أحد أصواته النسوية القليلة، حقق طفرة أساسية في سياق تحديث الشعر المغربي. في نظرك، ما هي أهم المكاسب والآثار التي تنسب له، وما زالت تفعل فعلها المؤسس؟
□ جيل الثمانينيات، حقق تحولات مشهودا لها في بنية القصيدة المغربية، رغم تقصير النقد حاليا في الانتباه إليها، إذ شكلت تلك المرحلة انتقالا بين الجيل السبعيني الذي مثّل البداية الحقيقية لشعر الحداثة في المغرب وجيل التسعينيات الذي وجد أمامه طريقا معبدة لاختيار آفاق مغايرة. وككل مرحلة انتقالية وجد جيلنا أمامه تحدياتٍ متنوعةً نابعةً من السؤال الرئيسي حول علاقة المثقف بالواقع، نجم عن هذا السؤال جدالٌ ثقافي عميق حول علاقة القصيدة من جهة بتحولات العصر، بعد طغيان ما سمِّيَ بشعر الالتزام عند شعراء السبعينيات، ومن جهة أخرى في مدى حفاظها على مائها الشعري الجمالي، وانسيابها المطلق في عوالم الذات الشاعرة.. والحفاظ على قصيدة التفعيلة أو الانسياق وراء قصيدة النثر. جيل الثمانينات عرف نقاشا طويلا على صفحات المجلات والجرائد الجادة حول قضايا ثقافية ..الشيء الذي يفتقد الآن..
■ أصدرت باكورتك الشعرية «أوراق الرماد» عام 1993. ومن خلال نصوصها نشعر بارتباطك الوجداني ببعض القضايا الوطنية والقومية. هل ثمة ظروف موضوعية ساقتك إلى ذلك؟ أم كنتِ واقعة تحت تأثير مذهب الالتزام في الشعر؟
□ ديوان «أوراق الرماد»، المنشور سنة 1993 يضم قصائد عقد كامل.. القصائد التي كتبت في هذه الفترة كانت موسومة بصوت الوطن الجريح.. مليئة بالقلق.. تمثل ذاكرة الرماد المتبقي من مرحلة السبعينيات الحارقة أو بداية الثمانينيات.. ولكنه رماد يحيل إلى طائر الفينيق، حيث الشاعر يحترق ويترمد وينبت من وجعه في تكوّن أبدي ليكتب… وراء كل قصيدة كانت هناك حكاية ما.. وأول نص نشرته على صفحات جريدة «المحرر» كان عن محمد كرينة، ثم كتبت عن سعيدة المنبهي وعن عمر بنجلون.. وعن انتظاراتنا لمغرب حقوق الإنسان ومغرب العدالة الاجتماعية.. طبعا لم تكن هناك حدود فاصلة بين ما هو ذاتي وما هو سياسي.. فكل حكاية من حكايا الوطن كنت أكتوي بنارها قبل أن أنهمر على الورق في شكل قصيدة..

كتابة الشعر بالنسبة لي كانت دائما فعلا شاقا.. ولذلك تخضع القصيدة لرقابة صارمة داخل الذات قبل أن أسمح لها بالظهور.

■ ابتداء من ديوانك « المتعبون»، مرورًا بـ«سماء تشبهني قليلا» و«أيّ ذاكرة تكفيك» و«أبعد ما يكون»، نكتشف حضور ذات الأنثى التي عادت إلى مشاغلها الخاصة. ما الذي قادك إلى اكتشاف هذه الذات وكتابتها؟ وما هي مصادرك الشعرية التي أخذتِ تنهلين منها في هذا السياق؟
□ لم أعد إلى ذاتي لأنني لم أغادرها أبدا.. حتى في ديواني الأول وفي قصائدي الوطنية، لم أكتب عن شيء لم يمتزج بدمي، ولم يخرج من مسامّي.. كتابة الشعر بالنسبة لي كانت دائما فعلا شاقا.. ولذلك تخضع القصيدة لرقابة صارمة داخل الذات قبل أن أسمح لها بالظهور. أما عن مصادري الشعرية، فقد استقيت مادة شعري من تجاربي الفردية في الحياة، ومن رؤيتي الخاصة للوجود.. الحياة هي المنبع الأول والأكثر ارتيادا للقصيدة التي تنكتب بداخلي، بكل ما تزخر به الحياة من مشاعر الحب وألم الفراق ووجع الغياب وعذاب الفقد. ولعل رحلة البحث عن الفرح والسكينة من أكثر الهموم وألحها في قصائد دواويني الأخيرة. وأعتقد أنه من غير الممكن أن تتم هذه الرحلة بدون الاحتراق والتكون، تماما كما يفعل طائر الفينيق.
■ من ديوان إلى ديوان، لا يُخطئ القارئ صوت الأنثى الشجيّ، وهي تبوح بمواجدها في الحيرة والقلق والغياب، ثم يشعر بها وقد صار صوتها أكثر شفافيّة للبوح والفرح. هل يمكن القول إنّ الشعر هو كتابة خاصة ونوعيّة لسيرتك الذاتية؟ ماذا يبقى من هذه السيرة، وماذا ينضاف إليها وهي في حضرة الشعر كخطاب مجازي؟ هل هو تعويض عن غياب تشعرين به في قرارة نفسك؟ أليس الشعر، والحالة هذه، تمرينا على العزاء كلما ابتعدتِ أميالًا عن فردوس الطفولة؟
□ كل كتابة إبداعية تحمل جزءا من شخصية كاتبها.. لكنَّ الكتابة لا يمكن أن تعوض أي غياب.. الكتابة تقوم بوصفه والحديث عنه، لكنها ليست تعويضا.. ولا أعتقد أن القصيدة يمكن أن تكون صورة طبق الأصل لسيرة صاحبها.. قد تكون إسقاطا لفكرة أو لحالة، ولكنها أبدا لا يمكن أن تحل محلّ «بطاقة التعريف الوطنية».. لذلك لا أرى أهمية في أن ينشغل القارئ بمدى علاقة القصيدة بالشاعر أو بالأحرى بالشاعرة، لأن هذا الأمر لا يطرح على الشعراء الرجال عادة.. والقارئ الجيد هو من يبحث عن جماليات النص ومعانيه المدهشة ولغته المميزة وصوره المتفرّدة.. فقط، فأنا حين أكتب لا أنشغل بتعرية ألمي أمام الورق، بقدر ما يشغلني كيف أعبّر عنه.. أعطي أهمية كبرى للتخييل ونسج الصور الشعرية الجديدة ونحت مدلولات غير متوقعة.. وهذا ما أريد من القارئ الانتباه إليه.
■ في سياق اهتمامك الجمالي والأكاديمي بالشعر المغربي المعاصر، كيف تنظرين إلى واقع الشعر اليوم؟ وهل استطاعت المرأة الشاعرة أن تساهم في مسار تحديث هذا الشعر؟ وما هي وجهة نظرك بخصوص مفهوم الكتابة النسائية؟
□ واقع الشعر اليوم لا يختلف عن واقع الشعراء.. إنه واقع مبهم ومليء بالمطبات… فاقد للبوصلة.. منسوب اليأس غطى على نسبة الأمل الضئيلة، واقع مشحون بالزيف والمشاحنات والكراهية.. ولا نجد شعرا نقيا صافيا إلا عند شعراء قليلين.. واقع الشعر اليوم لا يطمئن أحدا.. عشرات الدواوين تطبع يوميا، ولا أحد يطلع عليها أو يقدم قراءة نقدية عنها، بدون أن تكون هناك علاقة ما بين أصحابها… لا أحد من الشعراء أو من النقاد يشتري ديوانا شعريا، خارج أيام المعرض الدولي أو حتى أثناءه.. معظم الشعراء يتبادلون دواوينهم في ما بينهم في اللقاءات الشعرية.. هذا واقع الشعر اليوم، لكن العديد من الشعراء أيضا يعكف على مستقبل القصيدة ويساهم في تحديثها.

معظم الشعراء يتبادلون دواوينهم في ما بينهم في اللقاءات الشعرية.. هذا واقع الشعر اليوم، لكن العديد من الشعراء أيضا يعكف على مستقبل القصيدة ويساهم في تحديثها.

أما عن الشطر الثاني من السؤال، والمتعلق بالكتابة النسائية، فأجيبك بأنني حين بدأت الكتابة لم أنتبه إلى جنسي، ولا أعتقد أنّ له دخلا في نوعية الكتابة التي أقدّمها، بل حاولت أن أكشف بعضا من جوانب الحياة كما يعيشها الجميع: رجالا ونساء بدون تمييز.. فالكتابة عن النضال من أجل عيش كريم، وعن الاكتواء بحب الوطن والرغبة في رؤيته بشكل أجمل، وهذا ما ضمنته ديواني الأول «أوراق الرماد» 1993، هو شيء لا علاقة له بمسألة الذكورة أو الأنوثة.. ثم حين كرست دواويني الأربعة اللاحقة للمشاعر الإنسانية مثل، الحب والألم والغربة أو الفرح أو مقاربة معنى الوجود، فتلك أشياء توحد الجنسين معا، ولا تختص بجنس دون آخر.. وحين كتبت عن المرأة، كنت أكتب عن نفسي كإنسان أولا ليس إلا.. أنا أكتب عما يعلق بالروح، والروح لا جنس لها.. لذلك اعتبرت مصطلح «الإبداع النسائي» مصطلحا يدل على قصور الرؤية حول ما تكتبه المرأة، وكأن ما تكتبه لا يتجاوز تاء التأنيث ولا يتعداها إلى مواضيع وقضايا كبرى، خاصة أنه لا يوجد مقابل له ولا يتحدث النقد عن «الإبداع الرجالي» .. ثم إن ما تكتبه النساء – وهذا هو الأهم – ليس متشابها حتى نضعَه في خانة واحدة. كل مبدعة تكتب بطريقتها الخاصة، وتستحق أن نُنْسِبَ أدبها إلى اسمها باعتبارها فردا متميزا، لا باعتبارها ضميرا جمعيا.. طريقتي الخاصة وأسلوبي الخاص في كتابة الشعر باعتباري ثريا ماجدولين وليس باعتباري امرأة… أنا أكتب ما أعتبره أدبا إنسانيا.. فالكتابة الإبداعية بالخصوص تعبير عن إنسانية الإنسان. ومن هنا تتضح الكونية التي يتميز بها الإبداع، وتجعله وطنا بلا حدود. أستطيع أن أقول هنا إنني مارست باكرا المواطنة الشعرية الكاملة.. ولم أحصر ما أكتبه حول امرأة ما بداخلي، لأنني أومن بكونية الإبداع، وأستطيع أن أعتبر نفسي «مواطنة شعرية»، وأدعو النقاد هنا إلى البحث عن عناصر الجودة في النص الشعري وترك المرأة تكتب بسلام، بدون إزعاجها بترصد ما هو أنثوي في كلماتها، مثلما لا يبحثون عن» الذكورة « في كتابة الرجل.. دعونا إذن من «الشعر النسوي» و«الكتابة النسائية»، ولننتبه إلى أننا جميعا رجالا ونساء لدينا حلم واحد مشترك، ونتقاسم هموما واحدة، ولن ينفع الأدب أن نصنفه ونفصل فيه ما هو أنثوي عما هو ذكوري .. إن المشهد الشعري العام والجديد في المغرب، يحفل بأسماء نسائية ورجالية واعدة بالعطاء، ومهمة الناقد هنا مساندة هذه الأسماء حتى تواصل السير في درب الكتابة بدون محاصرتها بتسميات لا جدوى ترجى من ورائها.
■ ما هي طقـــــوسك الخاصــــة أثناء الكتابة (موسيقى، أقلام، أريكة، مشي) وهل تعودين إلى تنقيح ما تكتبينه؟
□ هناك لحظتان أساسيتان: لحظة الكتابة داخل الجسد، وهذه اللحظة غير مرتبطة بالجو الخارجي للجسد ولا تهتم بمستوى الهدوء أو الضجيج، ولحظة الولادة أو الوجود وهي تقتضي الصمت والهدوء التام.. فرغم أن الكتابة الشعرية عندي ترتبط بفورة الروح وصرير الألم، إلا أنها لا تظهر إلا ليلا مع الهدوء التام والسكينة والصمت.. حيث لا أحد غيري يمكن أن يسمع دقات قلب القصيدة… أما المكان، ففي الغالب أكتب في غرفة المكتب. لكنني قد أكتب أحيانا في غرفة النوم.. علماً أن هذه الأمكنة هي مكان ولادة القصيدة فقط، فهي قد تتشكل أجزاؤها في أي مكان آخر، وفي أي وقت من الأوقات.. بل قد تتشكل أجزاؤها أحيانا وأنا في أماكن عامة مليئة بالناس.. لكنها لا تتجسد فوق الورق إلا بعد أن تتأكد من أن لا أحد غيري يرقبها… لا بد من الهدوء التام من أجل إخراج القصيدة إلى الوجود، بعد أن تكون قد انكتبت في داخلي. كما أنني أكتب القصيدة على الورق ثم أرقنها على الحاسوب.

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!