قال إن الفيسبوك زاد من نسبة الغث والرداءة: محمد بوجبيري: الثورة التي وعد بها كثيرٌ من شعر السبعينيات لم تتحقق!

محمد بوجبيري شاعر مغربي مُجدد ومُقل في آن، وأحد الأصوات البارزة في جيل الثمانينيات. اقترن اسمه بالشاعر عبد الله راجع، الذي شجعه وكتب مقدمة باكورته الشعرية «عارياً… أحضنك أيها الطين»، وهو الذي قدم من بادية أمازيغية هادئة إلى مدينة الدار البيضاء، فاصطدم بصخبها وعنفها ولافتاتها الأيديولوجية، ولكن بالشعر واجه مصيره الجديد. كتب بوجبيري لمحبي الشعر […]

Share your love

قال إن الفيسبوك زاد من نسبة الغث والرداءة: محمد بوجبيري: الثورة التي وعد بها كثيرٌ من شعر السبعينيات لم تتحقق!

[wpcc-script type=”771f5fa85274699b8891ef26-text/javascript”]

محمد بوجبيري شاعر مغربي مُجدد ومُقل في آن، وأحد الأصوات البارزة في جيل الثمانينيات. اقترن اسمه بالشاعر عبد الله راجع، الذي شجعه وكتب مقدمة باكورته الشعرية «عارياً… أحضنك أيها الطين»، وهو الذي قدم من بادية أمازيغية هادئة إلى مدينة الدار البيضاء، فاصطدم بصخبها وعنفها ولافتاتها الأيديولوجية، ولكن بالشعر واجه مصيره الجديد. كتب بوجبيري لمحبي الشعر مجاميع جميلة، وزاوج بين مخدع الكتابة والشعر والسرد، فكتب عمليه الأقرب إلى السيرة الذاتية، هما: «سيد العشيرة» و»العبور: سنوات الفقيه بن صالح». قال: «أنا أكتب لأنني أعتقد أن الشاعر يكتب نشيد العالم، ويغني سِفر الروح وملحمة الوجود، ووسيلته الوحيدة هي اللغة؛ لذلك فهو خالقها وحارسها باستمرار».
في هذا الحوار، يستعيد الشاعر مغامرة البدايات، وصورة الفتى المتحمس الذي استدان المال لطباعة باكورته الشعرية. كما يستعيد أبرز العلامات التي قادت جيله إلى التجديد وتجاوز السائد، وذاتيات الكتابة وطقوسها.

■ كيف جاء محمد بوجبيري إلى الشعر، وعقد عليه زمام كينونته؟
□ المجيء إلى الشعر سبقه ما كنت أكتبه من خواطر، وأنا مراهق في مرحلة التعليم الإعدادي، بعد أن قرأت بعض مؤلفات جبران خليل جبران ومصطفى لطفي المنفلوطي وقصص محمد عطية الأبراشي، بالإضافة إلى ما كنا ندرسه من نصوص شعرية ونثرية في الكتب والمقررات المدرسية، وغيرها من الكتابات التي سحرتني، إلى حد أنني كنت أحلم أن أكتب مثل هؤلاء الكتاب. يضاف إلى هذا البيئة التي نشأت فيها، وهي مجال جغرافي ساحر يقع بين جبال الأطلس المتوسط، وعلى مرمى عين من بحيرة شاسعة في العرض والطول. هذا الجمال في المحيط حفزني على الرسم، فكنت أحاول رسم كل ما حولي، إلا أنني لم أستطع تنمية وتطوير ذلك العشق للرسم، في حين بقيت وفيا للخربشات التي كنت مدمنا على كتابتها، وهي عبارة عن أحلام المراهقة. في الموسم الدراسي سنة 1972 انتقلت من الإعدادي إلى الثانوي في مدينة الفقيه بن صالح، التي وجدت فيها أساتذة لهم الفضل في تطوير ما كنت أكتبه من خلال ملاحظاتهم، وما كانوا يمدونني به من دواوين شعرية لرواد حركة الشعر الحديث، خاصة بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة. من هؤلاء الأساتذة الذين آمنوا بموهبتي، وشجعونني على المضي في الكتابة محمد العمري (الذي أصبح في ما بعد باحثا معروفا في الدراسات البلاغية) والشاعر عبد الله راجع، والعابدي، وإدريس عفارة.
أخلص إلى أن المجيء إلى الشعر مرّ بعدة مراحل، وقد تطرقت إلى البداية على أساس أن أشير إلى مرحلة ما بعد الثانوي في باقي الأسئلة.

من الأسباب، أيضا، التي جعلتني لا أنخرط في شحن تجربتي الشعرية بما هو أيديولوجي مباشر، هو أنني لم أنخرط في أي حزب، وإن كنت دائما، وإلى حد الآن متعاطف مع قوى اليسار.

■ في عقد الثمانينيات الذي بدأت الكتابة فيه، ما هي أبرز العلائم التي أثارت انتباهك، أو اعتقدت بأنها تقودك إلى «مغامرة»؟
□ لم أبدأ في عقد الثمانينيات، كانت البداية قبل ذلك، وقد فزت بالجائزة الأولى للشعر في الثانوية التي أدرس فيها سنة 1973، وأنا تلميذ في السنة الأولى من التعليم الثانوي، وفي سنة 1977 نشرت، وأنا طالب في كلية الآداب في الرباط، أول نص شعري في جريدة «العلم»، وهي بالمناسبة القصيدة الأولى في ديواني «عاريا أحضنك أيها الطين»، إلا أنني في مطلع الثمانينيات واظبت على نشر كتاباتي الشعرية والنثرية في العديد من الصحف والمجلات المغربية والعربية. أهم شيء لاحظته، كما لاحظه آخرون، هو أن الثورة التي وعد بها كثير من شعر السبعينيات لم تتحقق، فبدا لي، أنا على الأقل، أن أنسلخ عن لغة الهتاف والتبشير بالذي يأتي ولا يأتي، خصوصا أن بدايات الثمانينيات عرفت أحداثا أليمة لا تقل فداحة عما عرف المغرب، فيما يعرف بسنوات الرصاص في السبعينيات من القرن الماضي، وتكفي الإشارة إلى حدثين بارزين هما انتفاضة 21 يونيو/حزيران 1981 في الدار البيضاء، واحتجاجات 19 يناير/كانون الثاني 1984 في العديد من المدن المغربية. وقد تعرض المتظاهرون إلى قمع شرس أدى إلى وفيات واعتقالات.
من الأسباب، أيضا، التي جعلتني لا أنخرط في شحن تجربتي الشعرية بما هو أيديولوجي مباشر، هو أنني لم أنخرط في أي حزب، وإن كنت دائما، وإلى حد الآن متعاطف مع قوى اليسار، هذا الأمر جعلني لا أشحن بخطاب معين داخل خلية حزب، وبالتالي كانت لي مساحة كبيرة من الحرية لأكتب ما أنا مقتنع به، وليس ما يمليه عليّ واجب الانتماء لعقيدة هذا الحزب أو ذاك. أعرف شعراء كتبوا عن قضـــايا ذات طابع سياسي وطني وقومي لا لشيء، سوى الرغبة في الإعلان بأنهم ينتمون إلى اليسار، لكن حين تفحص ما كتبوه تجده أقرب إلى الفذلكة والنظم، بحيث يبدو التكلف واضحا، والسبب هو أنهم كتبوا لإرضاء جهة ما، وليس ما يمليه الصوت الداخلي.
■ صار من الدارج أن جيل الثمانينيات الذي تمثل أحد شعرائه الأساسيين، حقق طفرة أساسية في سياق تحديث الشعر المغربي. في نظرك، بوصفك كنتَ مواكبًا لهذا الجيل وكتبتَ عنه في مناسبات كثيرة، ما هي أهم المكاسب والآثار التي تنسب له، والتي ما زالت تفعل فعلها المؤسس؟
□ في اعتقادي المتواضع شرع الشعر المغربي في مطلع الثمانينيات في الخروج من الثيمات الأيديولوجية التي هيمنت في الكثير من تجارب شعراء السبعينيات، ومن الخطاب التبشيري بقدوم التغيير المنشود، ومن المنبرية والغنائية المفرطة، بالإضافة إلى الأوزان المقننة خليلية كانت أو تفعيلية، وكذلك من تأثير شعراء الحداثة في المشرق العربي. لا ننكر أن الشاعر «الثمانيني» استمد قوته من الجيلين السابقين، فهما اللذان أسسا وأصلا للنص الشعري الحداثي المغربي، كما أن هذا الشاعر لا يمكن له قتل الأب، كما يدعي البعض، لأن هذا الأب ما يزال قائم الذات يكتب قصيدته في الوهج ذاته الذي يكتب فيه شعراء الألفية الثالثة. الشاعر في الثمانينيات من القرن الماضي لم يعد فقط هو ذلك الشاعر المنتسب لشعبة الأدب العربي في كلية الآداب في فاس أو الرباط، كما هو الحال بالنسبة لمعظم شعراء الستينيات والسبعينيات. ظهر شعراء انتسبوا إلى مختلف التخصصات ليس في الأدب العربي حسب، بل في الأدب الفرنسي والإنكليزي والإسباني والفلسفة وعلم الاجتماع والقانون والطب والهندسة، وغيرها من مجالات المعرفة، الشيء الذي جعل مرجعية شعراء هذا الجيل متعددة، وبالتالي غنية ومنفتحة على آفاق أشد رحابة مما كان عليه الأمر سابقا، كما أن أبناء هذا الجيل لم ينصتوا لتجارب الشعراء في المشرق العربي حسب، كما هو حال العديد من شعراء الجيلين السابقين، بل انفتحوا على التجارب العالمية في كل القارات، فقرأوا كثيرا من الأدب الرفيع شعرا وسردا، ومنهم من اطلع على تجارب شعرية في العالم باللغات التي أتقنوها وتخصصوا فيها، خاصة الإسبانية والإنكليزية، أما الفرنسية فمعظم الشعراء المغاربة يقرؤون بها. الشاعر «الثمانيني» آمن بأن أصدق الشعر ليس ما يكتب إرضاء للقبيلة أو الحزب أو المناخ الفكري السائد والعام، كي يقال عنه أنه شاعر ملتزم. هذا الشاعر آمن بأن ما يكتبه هو استجابة لنداء باطني، فهو لا يلزم نفسه بالحديث عن الشيء إلا إذا كان التعبير عنه ملحا من الداخل، وليس من الخارج. آنذاك كلما يصدر عنه من شعر ذاتيا كان أو اجتماعيا يكون صادقا سلسلا ومعبرا، وبالتالي لا مكان للفذلكة اللغوية والتصنع، بل وشنق القصيدة من عنقها، لكي تنكتب رغم أنفها، لأن كاتبها يريد أن يظهر بمظهر الملتزم بهذه القضية أو تلك.
الشاعر «الثمانيني» انفتح على عدة تجارب شعرية كونية، كما تعددت ثيمات قصائده، وعلى مستوى الشكل الشعري، انحاز أكثر لقصيدة النثر موظفا أساليب تعبيرية كثيرة، كالسرد والحكي والحوار والمونولوج والإيقاع الدلالي والإرداف الضدي Oxymore، وغيرها من الأساليب البلاغية التي جعلت هذه القصيدة ذات بعد جمالي خاص بها.

لولا تشجيع الشاعر عبد الله راجع وأصدقاء آخرين لما أقدمت على نشر مجموعتي الشعرية الأولى في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، خصوصا أن النشر لم يكن ميسرا كما هو اليوم.

■ بعد ثلاث عشرة سنة من النشر، أصدرتَ باكورتك الشعرية «عارياً… أحضنك أيها الطين» سنة 1989 على نفقتك الخاصة، وقد قدّم لها الشاعر عبد الله راجع. كيف تستعيد هذه اللحظة ووجه راجع وحماس البدايات «الثورية»؟
□ كانت لحظة استثنائية، كما هو الحال عند كل مبدع، ورغم ما صاحبها من حبور كان ثمة خوف من خوض المغامرة، ولولا تشجيع الشاعر عبد الله راجع وأصدقاء آخرين لما أقدمت على نشر مجموعتي الشعرية الأولى في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، خصوصا أن النشر لم يكن ميسرا كما هو اليوم. يضاف إلى ذلك، وأنت في البداية، أن تعول على نفسك، وأن تطبع على نفقتك. كان الطبع باهظ الثمن، ولا مفر من اللجوء إلى قرض من البنك. هذا القرض الذي لم يكن هينا، كما هو اليوم، بحيث يمكن الحصول على مبلغ مالي محترم في فترة وجيزة جدا. لأخذ ذلك القرض تطلب الأمر عدة وثائق، وبعد إنجاز الملف كان عليّ أن أقابل المسير أو المشرف على تلك المؤسسة البنكية في مركز المدينة (لم تكن آنذاك بنوك في هوامش المركز والأحياء الشعبية، كما هو الآن). تفحص الملف، ثم سألني عن الهدف من القرض. لما أخبرته عن السبب، لم يستطع أن يخفي استغرابه، لأن ملامح وجهه عبرت عن ذلك، كما أنه لم يستطع أن يكتم ابتسامة عريضة عقب عليها بقوله إنه أول مرة يستقبل زبونا يطلب قرضا من أجل طبع كتاب، ثم أضاف: هل هذا استثمار؟ بعد أن عبّر عن تعاطفه معي، وأنا آنذاك شاب طموح، أخبرني بأن قرار القرض النهائي يبت فيه البنك المركزي لتلك المؤسسة البنكية الفرعية، وأن الوقت قد يطول بسبب الملفات الكثيرة التي يبث فيها القسم المكلف بالقروض، أما بالنسبة إليه فقد أعطى الموافقة بناء على ما قُدم في الملف من الوثائق المطلوبة. بعد شهر حصلت على المبلغ المالي المطلوب مني لدار النشر، وهو 11 ألف درهم. الديوان، كما هو معروف، قدم له الشاعر عبد راجع تشجيعا منه، ولشعراء آخرين كانوا آنذاك في بداياتهم الأولى.
كل ذلك التعب، أثناء الطبع والتصحيح لعدة مرات، تبخر لما أمسكت بالنسخة الأولى بين يدي. هذه الخطوة شجعت آخرين على المغامرة وإصدار مجاميعهم الشعرية والقصصية على حسابهم الشخصي بدل انتظار الذي قد يأتي ولا يأتي. أسرني كذلك احتفاء أصدقائي الشعراء والكتاب بهذه الديوان من خلال كتاباتهم في الجرائد والمجلات، بالإضافة إلى عدة حوارات ودعوات لقراءات شعرية في مختلف المدن المغربية (الدار البيضاء، الرباط، سلا، الجديدة، شفشاون).
■ بعد هذه الباكورة التي لقيت استحسان النقاد، سيصدر لك على فترات متباعدة ديوانان آخران، هما: «لن أوبخ أخطائي» 2006، و»كما لو أن الحياة كانت تصفق» 2016. لماذا الإقلال في النشر؟ هل هي مهابة الكتابة التي تصاحبك؟ أم بحث عن المستعصي واللامطمئن داخل المكتوب؟
□ هو بالذات ما جاء في سؤالك. نعم أنا لا أستعجل النشر، وذلك يعود لعدة أسباب، أهمها: أنا بطيء نوعا ما، بل كسول. أحب أن أكتب نصوصا جديدة بدل العودة إلى المكتوب، وإعادة النظر فيه من أجل نشره في كتاب، وأعتقد أن الكثيرين من الكتاب يقاسمونني الشعور نفسه. السبب الثاني هو أنني لكي لا أكرر نفسي لا بد لي من مسافة معقولة بين كتاب يصدر وكتاب آخر يليه؛ إذ في رأيي كل إصدار لابد أن تكون فيه خطوة إلى الأمام من حيث الثيمات واللغة والتعبير. من الشعراء من ظل يكتب قصيدة واحدة، وإن راكم عدة دواوين، وذلك بدل أن يسكت بعض الوقت، وينصرف للقراءة الجادة للموروث الثقافي الإنساني لكي يؤثث دواخله بالجمال الإبداعي، ولكي أيضا تتجدد رؤيته للعالم والأشياء، وبالتالي تطوير آليات اشتغاله على اللغة، يحرص على الكتابة يوميا، كما لو أنه في صراع، ليس مع الكتابة، بل مع من يعتقد أنهم يسابقونه في الوصول إلى لقب الشاعر الكبير، أو الشاعر الأول، أو ما شابه هذه الألقاب والنعوت. من لا يتهيب من الكتابة، ويستسهلها بالتأكيد سيسقط عاجلا أو آجلا في الابتذال والفذلكة والتكرار.

في البداية لم أنتبه إلى حضور الذات في ما أكتبه، لأنني كنت منشغلا بالتعبير عما يخالج وجداني من أحاسيس ومشاعر يتقاطع فيها الجواني مع البراني.

■ انتبهت مبكرًا إلى قيمة البعد الجمالي بدل الأيديولوجي الذي كان يسلب الشاعر صوته الفردي، في بناء ممارستك الشعرية. وضمن هذا البعد احتفاؤك بالسيرذاتي. كيف تنظر إلى مسألة السيرة الذاتية في سياق الشعر؟ ماذا يبقى منها، وما الذي يُضاف إليها؟
□ في البداية لم أنتبه إلى حضور الذات في ما أكتبه، لأنني كنت منشغلا بالتعبير عما يخالج وجداني من أحاسيس ومشاعر يتقاطع فيها الجواني مع البراني. بعد المجيء إلى المدينة، من أجل الدراسة ثم العمل، شعرت بنوع من الاغتراب، وبعضا من الصدمة، لأنني وجدت أن الحياة في المدينة صاخبة بالحركة الدائبة للناس والمحركات، بالإضافة إلى غابة الإسمنت، وما إلى ذلك من الأشياء التي جعلتني أشعر بأنني فقدت عالمي الجميل الذي تركته في باديتي بين جبال الأطلس، ومن ثم كان ديواني الأول «عاريا أحضنك أيها الطين» محاولة لاستعادة ذلك الزمن الطفولي الهارب، الذي لم يبق منه سوى أطياف في الذاكرة. حضور السيرذاتي في الشعر مسألة طبيعية، لأن المبدع الحقيقي، في اعتقادي، يكتب انطلاقا مما يعيشه وما يتفاعل معه كذات فردية من جهة، وكذات جماعية من جهة ثانية. هذا الحضور أغنى التجربة الشعرية بمكون السرد أو الحكي، واستحضار الأسطوري، وما يرتبط بهما من وصف للشخوص والأحداث والأمكنة والحوار والمونولوج مع تنوع الأساليب الخبرية والإنشائية والبيانية والبديعية، والتصفح السريع لدواويني يجعلك تتأكد من هذه القضايا كلها.
■ ما هي طقوسك الخاصة أثناء الكتابة، ومتطلباتها الحميمة؟
□ لا طقوس معينة لي. في ما قبل، عندما كنت أشتغل، كان وقت الكتابة في الليل، وفي عطلة نهاية الأسبوع. بعد الإحالة على المعاش تغير زمن الكتابة، بحيث أفضل فترة الصباح من الثامنة إلى حوالي العاشرة والنصف، ثم أخرج لكي أمارس رياضتي المفضلة (المشي) لنصف ساعة أو يزيد قليلا، بعد ذلك أمُر بالسوق لأقتني مستلزمات المطبخ من خضر وفواكه. لا أدعي أنني كل صباح أشرع في الكتابة، ككاتب محترف. أفضل أحيانا أن أقرأ، وأحيانا يحلو لي أن أتكاسل، وألا أفعل أي شيء، وهذا بعضٌ من نِعَم التقاعد، كما أن مقولة «الوقت من ذهب» لم تعد تعنيني كثيرا. ما أحبه، بالدرجة الأولى، أثناء الكتابة هو الهدوء والصمت، حتى الموسيقى الهادئة لا أُشغلها، وأجمل الأصباح أصباح أيام العطل حيث تقل حركة المحركات في الشارع المجاور لبيتي.
■ بوصفك معنيا بسؤال الشعر المغربي، كيف تنظر إلى حاله اليوم، وإلى مستقبله بالنظر إلى الإكراهات الثقافية المتراصة؟
□  يمكن الاطمئنان على حال الشعر في المغرب، وقد قرأت في السنوات الأخيرة كثيرا من المجاميع الشعرية لشعراء وشاعرات في بداية مسارهم الشعري، وقد أبانوا عن قدرات واعدة في التعبير الشعري، من خلال امتلاكهم للغة، وما يكفي من القلق الأنطولوجي الناتــــج عن تفاعلـــهم مع ســــيروراتهم الزمنية، واحــتكاكهم بالحياة من خـــلال تجارب عاشوها بالجسد والروح معا. ساهم الفيسبوك في جعل الكثيرين يعبرون من خلال ما يرونه شعرا، فكثر الغث، كما الرداءة، المستقبل وحده هو القادر على أن يقنع مثل هؤلاء بأن الشعر ليس رصف الكلمات، بل هو مسار طويل، ولا يبلغ بعضا من مسافته غير المالك لما يكفي من الهواء في الرئات.

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!