عزيزة علي

عمان – يعتبر أستاذ النقد الحديث في جامعة اليرموك د. بسام قطوس أن العنوان هو عتبة الدخول الأولى إلى النص/المُعنْوَن، وهو سمة الكتاب أو النص أو وسمٌ له، وعلامة تشير أو توحي أو ترمز إلى مقصديته؛ هو يخبرنا بشيء عنه، فكأنه بهذا المعنى رسالة يتبادلها الكاتب مع القارئ.
ويوضح قطوس تحت عنوان “فاتحة الكتاب استهلال المستهل”، أنه في كتابه “موت النظرية النقدية- رحلة النظرية النقدية من الولادة إلى الموت”، الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمان، جعل العنوان الرئيس هو “الموت”، والعنوان الموازي “الرحلة”، لأن النتيجة النهائية للنظرية النقدية في متراكمها المعرفي، هي الارتحال. أما موت النظرية فهو عارض، بمعنى ما “مؤقت” أو “مرحلة” من مراحل امتداد الحياة.
ويشير المؤلف إلى المقصود بهذا العنوان هو دعوة القارئ للتفكير والتأمل في إشكالية النظرية النقدية وتحوّلاتها؛ الإشكالية بمعنى السؤال عن مصير النظرية، وهو سؤال لا ينتظر جواباً شافياً، لانه موضوع جدليٌّ أزليٌّ، يدعو القارئ للتأمل والحوار في هذه الإشكالية قبل الإسراع إلى رفضها؛ فالنظرية في الوقت الذي تغيب فيه متصوّراتها تصبح جزءاً من الموسوعة النقدية العامة، وبخاصة الموسوعة الإجرائية.
تذهب هذه الدراسة بحسب قطوس، في فصلها الأول إلى تحديد المفاهيم؛ أي المَفْهَمَة، وتحديد المصطلحات باعتبار المصطلح عنوان المفهوم، والمفهوم أساس الرؤية، والرؤية نظّارة الإبصار التي تريك الأشياء كما هي، دون تقعير أو تحديب، لافتا الى ان تاريخ الفكر هو تاريخ الإنتاج المتواصل للمفاهيم، وتطمح إلى الاستفادة من تلك المفاهيم التي أبدعها الفلاسفة الشيوخ، بوصفها محدّدات كبرى للفكر، مع اجتهادها في “امتصاص”، تلك المفاهيم والتصرّف فيها، والإضافة إليها، بما يتناسب وأطروحة هذه الدراسة.
ويرى المؤلف أن الفلسفة ليست لها قواعد ثابتة، بل هي سلوك يسعى إلى إبداع المفاهيم وتطويرها حسب مقتضيات الواقع، وفي أصل كل مفهوم ثمة سديم من الأفكار أو الأسئلة أو الإشكالات التي أتاحت بروزه، فلا يمكن تناول النظريّة النقديّة دون الإحاطة بالأسس الفكرية والمعرفية التي أسهمت في ولادتها ونموها وتطورها في سياق معرفي يعتقد صاحبه بــ “الاكتمال الناقص”.
ويسعى قطوس في هذا الكتاب إلى تجنّب تلك المزالق، القائمة في جزء منها على الانتقاد غير المستوعب، أو الانتقاء المُغْرض، أو النقد غير المؤسس لما ينقد. وهذا وحده هدف علمي يستحق المواصلة ويقصد لذاته، وهو خير من الشعور أو الإحساس بالعيش في جزر معزولة، أو في فضاء الوهم الثقافي، مبينا ان القسم الأول من الكتاب يقف على المقولة المؤسسة لمقولة “موت النظريّة النقديّة” وهي مقولة “موت المؤلف”، لتبيُّن الخلفيات الفلسفية التي استنبتت فيها، وهي فلسفة عند فريدريك نيتشه، و”موت الإنسان” عند ميشال فوكو.
ويشير قطوس الى أن الكتاب يطرح العديد من النظريات التي تحدثت عن موت الناقد ويجيب على التساؤلات حول هذا الموضوع كما يلي “ما الإطار المعرفي الذي ظهرت فيه مقولة “موت المؤلف”؟، وما الترتيبات المعرفية لحياة المؤلف، وما الترتيبات المعرفية لموته؟، وما دور اللغة في نظرية موت المؤلف؟، ما موقع النص في نظرية موت المؤلف؟”.
ويبين المؤلف أن القسم الثاني من كتابه يتحدث عن “موت النظريّة النقديّة و/أو الأدبيّة”، ويجيب على التساؤلات التالية “ما معنى موت النظريّة النقديّة: هل هو إعدامها، أو محوها، أم موت تصوراتها، أم نسخها، أم ارتحالها، على اعتبار أن النظريات تسافر وتهاجر مثل البشر؟، ما الترتيبات المعرفية لولادة النظريّة النقديّة، وما هي الترتيبات المعرفيّة لموتها؟، هل موت النظرية موت فيزيائي، يمنع النظرية الميتة من مزاولة وظيفتها، أم يسمح بحياتها في ترتيبات معرفيّة أخرى؟، وحين تموت النظريّة، فهل لها من بدائل، وهل يمنع موتها من دراستها والإفادة من ذاكرتها التاريخية، أو المعرفيّة، وما تجود به من معرفة تأسيسية مهمة لتطور الحقل النظري، والتطبيقي الذي أسست له؟”.
ويرى قطوس أن البعض ما زال يستفيد من النظر النقدي اليوناني والروماني، على الرغم من اختلاف التصور الميتافيزيقي الذي بنيت عليه نظرية المحاكاة، وهو تصور يفتقر إلى تكوّنه التاريخي، عن فلسفة الاختلاف، الذي بدأ التأسيس لها مع “نيتشه وفوكو ودولوز وديريدا”، وسواهم، لافتا الى انه قبل الوصول إلى جواب يجب أن نحفر على ذاكرة النظرية النقدية وخلفياتها المعرفية، ومرجعياتها الظاهرة والخفية، قبل أن نسرع إلى إصدار حكم ما عليها، أو رفضها أو قبولها.
ويشير قطوس في النتائج والخلاصات التي طلع بها إلى أنه إذا كانت المعرفة الفلسفية قد رتبت للنظرية النقدية تقوم بها في الفكر الميتافيزيقي كانت صالحة ومتصالحة مع ذلك الفكر، فقد رتبت المعرفة العقلانية ترتيبا آخر مختلفا للنظرية النقدية، تجسد في الكلاسيكية، وفي نقلة معرفية وفلسفية أخرى هيأت لبروز النصوص الأدبية المقدرة على أساس قيمتها الأخلاقية، وليس على أساس اتجاهاتها الفنية أو الجمالية. وكان على النظرية النقدية ان تنتظر القرن الثامن عشر الذي امتاز بالإبداعات الفلسفية والفكرية، فكان قرن الفلسفة الممهد بجدارة لنشر الوعي الثوري كما حصل في الثورة الفرنسية، وهو ما مهد لبروز الرومانسية، وبعدها، رتبت المعرفة لبروز المذاهب الواقعية، الى أن هيأت ثورة العلوم والإنسانية لبروز المناهج النقدية الخارجية أو السياقية.
ويرى المؤلف أن ثورة معرفية وجمالية ولغوية أتت بالنظرية النقدية التي اتجهت الى النص باعتباره نقطة البدء والمعاد، بغض النظر عن سيرة المؤلف وحياته، فتشكلت النظريات النسقية، التي كانت مقدمة لمشروع البنيوية في ضوء سياق معرفي همش الإنسان في مقابل مركزية النظام او النسق، وهكذا أخذت النظام والنسق في المركز، فمركزية، وهمشت ما عداه.
ويخلص قطوس الى ان فلسفة الاختلاف سعت الى نقض المركز، وحاولت ايجاد بدائل لفكر المراكز، وتنشيط الهوامش، لتكون مساهمة في تفكيك مركزية النظرية، فقد هيأت لفكر ما بعد الحداثة وهكذا دواليك، لافتا الى أن النظرية الأحدث لا تلغي النظرية السابقة تمام، وانما تتجاوز مسلماتها، فتجدد أفقها المعرفي، وتنوع في الرؤى والأنظار؛ فهي اختبار مستمر للأنظار والتصورات، وهي لا تموت إلا لتحيا وتتجدد؛ وتبعث من جديد وكأنها العنقاء، ناموسها المعهود “الموت هو البداية”.