‘);
}

سنّة الابتلاء

جعل الله تعالى الابتلاء سنةً في الكون، فهو يقع على الناس جميعاً اختباراً لهم، وتمحيصاّ لذنوبهم، وليتميز الصادق منهم عن الكاذب، حيث قال الله تعالى: (وَلَنَبلوَنَكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال وَالْأنفُس والثمراتِ وبشِّر الصَّابرينَ)،[١] كما أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أخبر بأنّ الأنبياء هم أشدّ الناس بلاءً، ثمّ الأمثل منهم، فالأمثل، وأخبر أنّ البلاء العظيم سبباً في حصول الأجر العظيم للإنسان إذا صبر عليه، وهو دليل محبة الله تعالى للعبد، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ تعالَى إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم، فمن رضيَ فله الرضا، ومن سخطَ فله السُّخْطُ)،[٢] ويظهر من ذلك أنّ للابتلاء فوائدٌ تحصل للمُبتلى، فهو يرفع درجاته وأجوره عند الله تعالى، ويكفّر ذنوبه، ويمحو سيئاته، كما أنّه فرصةً للإنسان حتى يراجع علاقته بالله عزّ وجلّ، فيتهم نفسه بالتقصير، ويعزم النيّة على الإقبال إلى الله عزّ وجلّ، فتنفتح له أبواب التوبة، والرجوع عن المعصية، وفي الابتلاء فرصةٌ ليشعر الإنسان مع أصحاب الابتلاءات، وليتذكّر هوان الدنيا، وحقيقتها الفانية، كما أنّه يقوّي إيمان العبد بربّه جلّ وعلا، ويزيد في يقينه بالقضاء والقدر.[٣]

والناس عند نزول البلاء فيهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام؛ فمنهم من يقابل الابتلاء بالتسخّط، وعدم الرضى عن الله سبحانه، وقضائه، ممّا يحرمه الأجر العظيم، ومنهم من يوفّق عند الابتلاء إلى حسن الظن بالله، والصبر على ما أصابه من قضائه، ومنهم من يزيد على مرتبة الصبر بالرضا، والشكر، والحمد على قضاء الله وقدره، والمؤمن يعلم أنّ أمره دائماً له خير، فإن أصابه خيرٌ شكر، فنال بذلك الأجر العظيم، وإن أصابه شرّ صبر، فكان ذلك سبباً في رفع درجاته أيضاً، وقد شاء الله تعالى بحكمته البالغة أن يكون ابتلاء الإنسان المؤمن في الدنيا كثيراً؛ وذلك حتى يعجّل الله له عقوبته فيها، بدلاً من تأخيرها إلى الآخرة، أو لرفع درجاته أيضاً، أمّا الكافر، والمنافق فيُعافى في الدنيا، وتؤخّر عقوبته إلى يوم القيامة، وللبلاء صورٌ عديدةٌ: فمنها الابتلاء بالمال، والولد، والأهل، وأعظمها ما كان في الدين، وقد جُمع للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- جميع أنواع البلاء، فكان صابراً، محتسباً، راضياً بقضاء الله، فينبغي للمسلم إذا ابتُلي أن يتمثّل بسنة رسوله.[٣]