كيف نفوز في ليلة القدر ونقومها إيماناً واحتساباً؟

قال صلّى الله عليه وسلّم: "مَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ" رواه البخاري، فكيف نفوز بهذه الليلة المباركة؟

لكي يكون قيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ينبغي ألّا يكون العبد معها مقامراً يراهن على كون الليلة هي ليلة السابع والعشرين، ويأتي بالأحاديث التي تُؤَيِّد رأيه فيُكثر في تلك الليلة من العبادات ويترك الليالي الأخرى معتمداً على ما رواه أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ حيث يقولُ: “وَقِيلَ له إنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ مَسْعُودٍ يقولُ: مَن قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ القَدْرِ، فَقالَ أُبَيٌّ: وَاللَّهِ الذي لا إلَهَ إلَّا هُوَ، إنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ، يَحْلِفُ ما يَسْتَثْنِي، وَوَاللَّهِ إنِّي لأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هي، هي اللَّيْلَةُ الَّتي أَمَرَنَا بهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بقِيَامِهَا، هي لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ في صَبِيحَةِ يَومِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا”.

ولكنّه يغفل أنّ هناك أحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم تذكر مواعيد مختلفة لليلة القدر، منها أنّها في الوتر من العشر الأواخر، وأخرى أنّها في العشر الأواخر عموماً، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: “كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُجَاوِرُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ ويقولُ: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ”.

وعن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ”.

وعن عبادة بن الصَّامت قال: “خَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِيُخْبِرَنَا بلَيْلَةِ القَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ: خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ وعَسَى أنْ يَكونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا في التَّاسِعَةِ، والسَّابِعَةِ، والخَامِسَةِ”.

وعن سالم بن عبد الله عن ابن عمر رضي الله عنه “أنَّ أُناسًا أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ في السَّبْعِ الأواخِرِ، وأنَّ أُناسًا أُرُوا أنَّها في العَشْرِ الأواخِرِ، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: التَمِسُوها في السَّبْعِ الأواخِرِ”.

كل هذه الأحاديث وغيرها يدفعنا إلى القول بالاحتراز والتركيز على الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر كلّها، فإنّ من يفعل ذلك خير ممّن ركّز على ليلة واحدة وأهمل غيرها، فقد يكون هناك خطأ في رؤية هلال الشهر من أوله، فيختلط الزوجي بالفردي من الأيام، ويصبح ما ظنه ليلة 27 هي ليلة 28 أو 26، أمَّا من اجتهد في العشر كلّها فقد ضمن أنّه دخل في ليلة القدر، وليجتهد في الدعاء بأن يتقبَّل الله منه.

كما أنّ من معاني “إيمانًا واحتسابًا” أن ينشغل العبد بالعبادة والاجتهاد فيها في تلك الليلة دون الاهتمام بالمظاهر، فالوقت ثمين للغاية في تلك الليلة، وعلى الرغم ممّا قد يجده البعض من خشوع إذا صلّوا وراء إمام معين، فإنّ من اهتم بالخشوع في قيام تلك الليلة، وتدبَّر في قراءته للقرآن فيها، أو فيما يتلوه إمام المسجد الذي يُصَلِّي فيه، ولو لم يكن قارئاً شهيراً أو صاحب أعذب صوت، وشعر بالآيات تنزل على قلبه وكأنّها تتنزّل لأول مرة عليه خاصة، هذا بالتأكيد أفضل ممّن أضاع وقته في الذهاب ليصلّي وراء قارئ معين، فأضاع ساعة في الذهاب إلى المسجد، وأخرى في العودة منه، كل ذلك ليستمتع بالصوت الجميل، دون أن يحدث تغير في سلوكه وتفكيره، والله أعلم.

إنّها قضية قلبية فكلا الأمرين “إيمانًا واحتسابًا” محلهما القلب ولا يطّلع عليهما إلّا الله تعالى، وبالتالي لا يستطيع أحد الحكم عليهما، فليس الأمر بالظاهر والشكل الخارجي، فقد يتجاور رجلان في الاصطفاف للقيام، ولكن شتان ما بين قلبيهما!

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!