أطلقتُ لحيتي بعد أن شاهدتُ مشهداً مؤثراً من دراما الثمانينيات التي أدمن عليها. في المشهد يسحب الممثل القدير شارباً مستعاراً من تحت أنفه الضخم، فيندهش الممثل الأكبر قدراً، ويطلق صيحة هي اسم الشخص الأول في المشهد. لم يستدل عليه من أنفه الضخم، ولون شعره واتساع عينيه وملامحه المصرية، وكل العلامات الفارقة وغير الفارقة. لم يعرفه حتى بإحساسه. بشارب غير مشذّب من ألياف اصطناعية، صار الممثل القدير شخصاً آخر قد تتردّد زوجته بالسلام عليه.
قلت إن كان الممثل القدير قد خدع بشارب مستعار غير مشذّب زملاءه في الاستديو، والمشاهدين جميعاً من مواليد الثورة العُرابية حتى الثورة الخمينية، فكيف لو أطلقتُ شاربين غير متصلين ولحية نصفها أبيض، ونصفها الآخر أسود، حتى أمّي التي تحفظني مثل كفها، لن تعرفني سوى بقلبها. أهملتُ حلاقة لحيتي ثلاثة أسابيع فقط، معتمداً على المستويات المرتفعة من هرمونات الذكورة، فكبرت لحيتي أثناء إجازتي مثل عشب الربيع. شذّبتها، ثمّ خرجتُ إلى الشارع بثقل ممثل قدير.
لوّحتْ لي جارتي من بعيد، ثمّ همستْ ضاحكة لرفيقتها. أظنّ أنها أخبرتها أني الساكن الجديد، وأني (مع تنهيدة وغمزة) أجمل وأكثر رجولة من الساكن القديم، ذلك الذي وجهه (بازدراء وإشارة قرف) مثل الرغيف البارد. واصلتُ الاعتقاد والثقة بأني صرتُ كائناً جديداً، يمكنني الذهاب إلى العمل بصفتي مبعوثاً أممياً، قبل أن أكشف للزملاء سرّي، ورغم استحالة نزع اللحية والشاربين بالحركة الخفيفة التي قام بها الممثل القدير، سأضطرّ للقسَم بالخبز والملح أني زميلهم الذي كان بثلاث ندبات في الوجه.
سيمكنني خداع صديقتي، وربما أتأخر كثيراً قبل أن أكشف لها الحقيقة. لا بدّ أنها ستحبُّني بسهولة هذه المرة، وسأسمع منها كلاماً جريئاً يفاجئني، فمعرفتي بها أنها خجولة مثل زهرة مُغمَضة. حتماً لن أتوقف أبداً عند أمر ثانوي، وهو أنها بذلك تخون النسخة الحليقة منّي، فهذا أمر قليل سيفسد زهوي بالكائن الجديد الذي صرته: الوسيم، المرغوب، الغامض، وكلّ الأوصاف التي وردت في الأغنية الشهيرة لـ سعاد حسني، فكيف إذاً لو تخفّيت أيضاً بالنظارة السوداء؟!
لم تكن كلّ أفكاري وردية، فقد حملتُ همّ السفر بلحيتي، فيما صورتي في جواز السفر بوجهي الحليق مثل الرغيف البارد، وبالندوب البارزة. لا بدّ أن الأمن في المطارات المستقبلة أو المودعة، سيرتاب بأمري، وسيطلب مني الانتظار في غرفة مغلقة لدواع أمنية، وقد أخضع لجهاز كشف الكذب، وربّما يشكون بتطابق بصمة العين لشخصين مختلفين، فاضطررت لتأجيل كلّ خطط السفر حتى إصدار جواز جديد لكائن لا يشبهني سوى باسمي واسم أمي، وكلّ أرقامي القديمة.
لكنّي حين اقتربت من جارتي، بادرتني بابتسامة خالية من التنهّد، ولما التقيتُ صديقتي، مرّرت أصابعها على شعر لحيتي، وحذّرتني من أن أطيلها أكثر. زملائي أشادوا برغبتي بالتجديد، بينما زميلة لمّاحة أخبرتني بأن اللحية التي نصفها أسود ونصفها الآخر أبيض، قد تقرّبني من سن التقاعد. أمي عرفتني ولم تضطر للاستعانة بقلبها، بل إن كلّ من كان يعرفني.. عرَفني، من دون أن يطلق صيحة هي اسمي.. اسمي الذي لا ينمو عليه الشَعر!