مايكل أنجلو… المعجزة التي لن تتكرر

تربع الفنان الإيطالي مايكل أنجلو على عرش عدة مجالات فنية، حيث لم يصل إلى مستواه أحد في مجالات النحت والرسم والهندسه المعمارية. وهو الذي أسس مدارس فنية في كل تلك المجالات، ولا يزال تأثيره حاضرا بوضوح إلى يومنا هذا، بعد أكثر من خمسمائة عام من وفاته. وعلى الرغم من كثرة ما كتب عنه والعثور على […]

مايكل أنجلو… المعجزة التي لن تتكرر

[wpcc-script type=”2f740b58080488c009151d05-text/javascript”]

تربع الفنان الإيطالي مايكل أنجلو على عرش عدة مجالات فنية، حيث لم يصل إلى مستواه أحد في مجالات النحت والرسم والهندسه المعمارية. وهو الذي أسس مدارس فنية في كل تلك المجالات، ولا يزال تأثيره حاضرا بوضوح إلى يومنا هذا، بعد أكثر من خمسمائة عام من وفاته. وعلى الرغم من كثرة ما كتب عنه والعثور على أكثر من خمسمئة رسالة بخط يده ومخططاته، ونشر كتابين عن حياته قبل وفاته (سابقة في عالم الفن) إلا أن التناقضات كثيرة في المصادر التاريخية عنه. وإذا كان البعض يعتبر الألماني بيتهوفن الأعظم في عالم الموسيقى الكلاسيكية، فقد نافسه البعض مثل موزارت، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لمايكل أنجلو إمبراطور الفن والنحت حيث المسافة بينه وبين الآخرين، مثل ليوناردو دافنشي ورافائيل، شاسعة.


ولد مايكل أنجلو بوناروتي عام 1475 من عائلة مرموقة من مدينة فلورنسا الإيطالية. ولم تكن إيطاليا موحدة آنذاك، حيث كانت كل مدينة دولة قائمة بذاتها، ومنها فلورنسا التي كانت مركز الفنون في إيطاليا آنذاك ما جعلها أحد أهم المراكز الفنية في العالم. ولم يهتم الطفل مايكل أنجلو بدروسه، ولكنه أظهر اهتماما واضحا بالرسم والنحت، فأرسله والده إلى أحد أفضل الفنانين الإيطاليين آنذاك كي يتعلم مهنة النحت والرسم على يده. وانتقل في العام التالي إلى مدرسة ترعاها عائلة مديتشي الشهيرة، التي حكمت فلورنسا آنذاك، ورعت الكثير من الفنانين والعلماء مثل ليوناردو دافنشي ورافائيل وغاليليو. وبرز مايكل أنجلو هناك ولم يعكر حياته في الأكاديمية سوى لكمة وجهها إليه أحد الطلاب، ما أدى إلى كسر أنفه. وقد ميز ذلك الأنف المكسور مايكل أنجلو طوال حياته، وأصبح زميله العنيف هذا بعد ذلك فنانا شهيرا بعض الشيء ولكن ليس بسبب تلك اللكمة. وتألق مايكل أنجلو وامتاز بتماثيله الرائعة، كان أحدها تمثال هرقل الذي اختفى في ظروف غامضة في فرنسا في القرن الثامن عشر.

ولد مايكل أنجلو بوناروتي عام 1475 من عائلة مرموقة من مدينة فلورنسا الإيطالية. ولم تكن إيطاليا موحدة آنذاك، حيث كانت كل مدينة دولة قائمة بذاتها.

تمثال المسيح والعذراء

طلب السفير الفرنسي في الفاتيكان عام 1497 من مايكل أنجلو نحت تمثال للمسيح والعذراء، كي يكون إلى جانب قبره. وبعد سنتين من العمل الشاق كانت نتيجة ذلك ما اعتبره الخبراء أعظم تمثال في تاريخ النحت العالمي. ومن الطرائف أنه عند فتح المبنى للزوار للتفرج على التمثال سمع مايكل أنجلو بعضهم ناسبين التمثال لنحات آخر، ما اثار حفيظته، فقام بنحت الجملة التالية «مايكل أنجلو الفلورنسي صنع هذا» على التمثال، وكان ذلك قرارا ندم مايكل أنجلو عليه طوال حياته. وقد تعرض التمثال للضرر في القرن الثامن عشر أثناء نقله، حيث انكسرت أربعة أصابع لليد اليسرى للعذراء، وقام نحات إيطالي عام 1736 بترميمه مثيرا نقاشا حادا بين الخبراء حول جودة الترميم. ولكن الضرر الأكبر حدث عام 1972 عندما قام رجل أسترالي بمهاجمة التمثال بمطرقة وهو يصيح «إنني المسيح وقد ولدت من جديد» وضربه خمس عشرة مرة، كاسرا ذراع العذراء وأنفها وتناثرت القطع الكثيرة على الأرض، فإذا بالزوار ينهالون عليها وسرقوها وفروا هاربين. وقد تم ترميم التمثال بجهد كبير وتحيط به حاليا جدران زجاجية لحمايته في كنيسة القديس بطرس.

تمثال داوود

طلب اتحاد تجار القطن في فلورنسا من مايكل أنجلو استكمال نحت تمثال «داوود» الذي يعتبر أحد رموز استقلال فلورنسا. وكان نحاتا آخر قد بدأ نحت هذا التمثال عام 1464 ولم يُنجَز منه سوى جزء يسير، وحاول الاتحاد الاتفاق مع ليوناردو دافنشي لإكمال العمل، ولكن مايكل أنجلو نجح في النهاية بإقناعهم بجدارته، وهو الذي لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره بعد. وبدأ مايكل أنجلو عمله عام 1501 وأنهاه عام 1504 لينجز عملا آخر، اعتبره الخبراء فريدا من نوعه، حيث اعتبر تمثال «داوود» أعظم ما نُحِتَ لشخص عار. كان ارتفاع التمثال خمسة أمتار وسبعة عشر سنتمترا ووزنه ستة أطنان، وهو حاليا في متحف الأكاديمية في فلورنسا، ولكن هذا لم يحمه من الأضرار، حيث قام أحد المختلين عقليا بضرب التمثال وكسر أصابع القدم اليسرى، وهناك مخاوف حقيقية حول سلامة التمثال بالنسبة للعوامل الخارجية.

سقف المصلى

انتخب عام 1503 بابا جديد وهو جوليوس الثاني، المسمى بـ«جوليوس المحارب» نظرا لشدته وتطلعه لزيادة سلطته وهيبة الكنيسة، إلى درجة أنه أدخل الكنيسة في حروب في أوروبا، وحَوَّل الفاتيكان إلى أهم مركز عالمي للنشاط الفني. وقام البابا عام 1505 بأمر مايكل أنجلو بعمل نصب ضخم ليضم قبره ويحوي أربعين تمثالا. وكان ذلك عملا ضخما وخصصت أربع سنوات لإكماله. ولكن مايكل أنجلو لم يتمكن من إكمال عمله، حيث أمره البابا بشكل مفاجئ عام 1508 أن يرسم سقف قاعة مصلى السكن الرسمي للبابا، وهي القاعة التي يتم فيها أيضا انتخاب البابا الجديد في الوقت الحاضر. ولم يكن مايكل أنجلو راضيا بهذا الأمر الجديد من بابا عرف بطموحه وإصراره، فعمله على القبر لم يكن قد انتهى بعد، ولم يدفع البابا ثمن مواد كان مايكل أنجلو قد اشتراها للعمل على القبر، كما أن مايكل أنجلو كان يحتقر الرسم على أساس أن النحت أصعب وأجمل، ولذلك أصر على كتابة كلمة «النحات» بدلا من «الرسام» إلى جانب اسمه في العقد الذي أبرمه مع البابا. وقد ادعى بعض المؤرخين أن عدم رضى النحات الكبير ومحاولته التملص من المهمة الجديدة كانت منبعثة من عدم خبرته بالرسم، وأنه لم يرسم شيئا منذ أن كان في الثالثة عشرة من عمره، وادعى آخرون أن برمانتي المهندس المعماري الخاص بالبابا كان يحقد على مايكل أنجلو، فأقنع البابا بأمره برسم السقف، كي يفضحه على أساس أن مايكل أنجلو لا يجيد الرسم. واذا كان هذا صحيحا فقد أدى برامانتي خدمة جليلة للبشرية. ودراسة بسيطة لتاريخ مايكل أنجلو تظهر خبرته العميقة بالرسم.

كان مايكل أنجلو يحتقر الرسم على أساس أن النحت أصعب وأجمل، ولذلك أصر على كتابة كلمة «النحات» بدلا من «الرسام» إلى جانب اسمه في العقد الذي أبرمه مع البابا.

ولم يكن السقف سطحا منبسطا، بل مقعرا، وبلغ ارتفاعه عشرين مترا وسبعين سنتمترا وطوله أكثر من أربعين مترا، أما عرضه فقد بلغ أكثر من ثلاثة عشر مترا، أي أن مساحته كانت أكثر من خمسمئة متر مربع. وشمل العمل رسم أكثر من ثلاثمئة شخصية دينية من التوراة، وكان هذا بناء على رغبة مايكل أنجلو نفسه حيث أعطاه البابا الحرية الكاملة في الخيار. ولإنجاز العمل أمر البابا مهندسه المعماري ببناء سقالات خاصة على ارتفاع أكثر من ثمانية عشر مترا كي يقف عليها النحات الكبير ويرسم السقف وهو واقف طوال الوقت. وكان العمل مرهقا جدا حيث تضررت عينا مايكل أنجلو طيلة بقية حياته، وشكى كثيرا من آلام في الرقبة. وكان قد جلب فريقا خاصا للعمل معه، ومع ذلك استخدم فريقا إضافيا من فلورنسا في الأسبوع الأول تَكَوّن من خبراء في الرسم على الجص، والسبب هو أن السقف بأكمله كان سيرسم بهذه الطريقة، وهي طريقة خاصة ودقيقة اشتملت صناعة الجص من المواد الأولية ثم الرسم على الجص المبلل كي يمتص الألوان قبل أن يجف في نهاية اليوم، وفي حالة حدوث خطأ ما فعلى مايكل أنجلو البدء من جديد وإزالة الجص بالنسبة لذلك الجزء من السقف. وتعددت المشاكل، فمثلا اكتشف مايكل أنجلو أن المواد الأولية في منطقة روما سيئة، ما سبب مشاكل كبيرة في البداية ثم ظهرت فطريات في السقف، ما استدعى قدوم خبير لإزالتها. وبعد سنتين من العمل فاجأ البابا مايكل أنجلو بأمره بإخلاء المصلى، لأنه دعا ضيوفا ليريهم العمل، واستغرب مايكل أنجلو محتجا بأن العمل لم ينته بعد، ولكن البابا الذي لم يعتد على سماع اعتراض على رأيه قال له «إن لم تفعل ما آمرك به فسأنزلك بالقوة من على السقالات وأطردك من هنا»، وكان مايكل أنجلو يعلم أن البابا كان يعني ما يقوله فرضخ وغادر مع السقالات ليعود بعد نهاية الزيارة، ولكن نوبات غضب البابا لم تتوقف تجاهه، وقال مايكل أنجلو في أحدى رسائله أن مشاكله مع البابا كان سببها المؤامرات الخبيثة التي حاكها المهندس المعماري برامانتي والرسام رافائيل. وقد كُتِبَ الكثير عن هذا العمل الجبار الذي اعتبر من سمات الحضارة البشرية، واكتشف الخبراء أن مايكل أنجلو رسم نفسه مرتين في الجدار كما رسم أحد أهم عفاريت جهنم على شكل أحد كبار موظفي الكنيسة المعادين له. واندهش الخبراء بعبقرية النحات الكبير في رسم جسم الإنسان، وحتى ادعى بعضهم وجود رسوم للمخيخ والغدة الدرقية والكلية ضمن الرسوم. واعتبر هذا العمل الجبار معجزة في تاريخ الرسم العالمي.
لم يسلم هذا العمل العظيم من التخريب المتعمد حيث اعتقد البابا بعد انتهائه أن نسبة العري فيه عالية جدا، فطلب من أحد مشاهير الرسامين تغطية أجزاء من حوالي ثمانين رسما، واضطر ذلك الرسام في إحدى المرات أن يزيل الجص الحاوي على رسم شخصية كاملة. وتراكمت المواد الملوثة والغبار من الجو على جدران البناء من الداخل على مر السنين حتى تقرر ترميم العمل وإزالة بعض الإضافات كي يرى الناس والخبراء حقيقة ما رسمه مايكل أنجلو، وبدأ الترميم البالغ الدقة عام 1980 واستمر أربعة عشر عاما. ولكن النتيجة كانت مثيرة للجدل، فالألوان التي ظهرت بعد الترميم والتنظيف كانت براقة بعد أن اعتقد الكثيرون ولسنوات عديدة أن مايكل أنجلو استعمل ألوانا غامقة لإضفاء بعد للشخصيات، ولا يزال الجدل قائما حتى الآن.

أعمال أخرى

عاد مايكل أنجلو لإكمال قبر البابا حيث أكمل تمثال موسى الشهير عام 1516 وذلك بعد وفاة البابا بثلاث سنوات، ولكن العمل لم يكتمل أبدا، على الرغم من استمراره أربعين عاما. وعاد إلى المصلى نفسه بناء على أوامر بابا آخر من عائلة مديتشي عام 1536 ليرسم حائط المذبح، وكان ذلك عمل آخر من أعماله الشهيرة. وقام مايكل أنجلو كذلك بتصميم قبة كنيسة القديس بطرس الشهيرة في الفاتيكان. لقد تم ذكر أبرز أعمال مايكل أنجلو، هنا ولكن أعماله الشهيرة الأخرى كثيرة، وهناك أيضا منحوتاته التي لم تكتمل وهي رائعة حيث تبدو وكأن أشخاصا على وشك الخروج من الصخر.
على الرغم من معاصرة مايكل أنجلو لفنانين كبار، إلا أنه لم يكن على علاقة بهم أو بغيرهم، فقد قضى حياته وحيدا بائسا ومهملا لنفسه، حتى أنه كان أحيانا ينام بملابسه الرثة ومرتديا حذاءه. وكانت متعته الوحيدة كتابة الشعر وعمله الذي انكب عليه حتى آخر يوم في حياته، وتوفي في روما عام 1564 عن عمر ناهز الثامنة والثمانين.

٭ باحث ومؤرخ من العراق

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!