عزيزة علي

عمان – أجمع مثقفون وكتاب على أن مستقبل الثقافة العربية، على المدى المنظور، غير مطمئن ولا يبشر بخير، فالمؤشرات ضبابية، ولا يمكن قراءتها بصورة دقيقة في ظل هذه المناخات المرتبكة، والتخبط المحيط بنا.
وبحسب بعض مسؤولي مؤسسات المجتمع المدني الثقافية، فإن جائحة “كورونا” ضربت وجمدت أعمال بعض المؤسسات الثقافية، كما حصل مع بعض دور النشر والتوزيع التي شارف العديد منها على الإغلاق، وتسريح العاملين فيها، بسبب “كورونا”، وما تبعها من كوارث مادية واقتصادية وثقافية.
ويعتقد مثقفون أن بعض المؤسسات التعليمية والأكاديمية التي أقرت التعلم عن بعد تتحمل جزءًا من مسؤولية تدني مستوى الثقافة وتراجعها.
وزير الثقافة الأسبق، د.صلاح جرار، أبدى توجسه في هذه الفترة على مستقبل الثقافة على المديين القريب والمنظور، يقول: “لم تشهد الثقافة العربية عبر تاريخها الطويل نزوعًا نحو التغريب والاعتداد بالمرجعيات الأجنبية مثل الذي تشهده في هذه الأيام، حتى أصبح التفاخر والتباهي بالتغرّب، لغة وسلوكًا وفكرًا واعتقادًا ومنهجية، سمة عامة لم يسلم منها حتى المثقفون والكتاب وأساتذة الجامعات والإعلاميون وراسمو السياسات التربوية”.
ويعتبر جرار أن الفئات الاجتماعية التي يعول عليها في العادة للحفاظ على الثقافة القومية وحمايتها وتطويرها وتعزيز مكانتها العالمية، هم القيمون على المؤسسات التعليمية والتربوية والبحثية التي يُفترض بها أن تكون وصية على ثقافة الأمة وهويتها.
ويُرجع جرار هذا التسارع والتهافت واللهاث والتقليد إلى ما هيأته وسائل التواصل الحديثة، وشبكات الإنترنت العالمية التي جعلت ثقافتنا وجهًا لوجه أمام طوفان من الثقافات التي تزخر بالتنوع والجاذبية، وتحمل فرصًا غير محدودة من التهام الثقافة بجميع ألوانها وأشكالها ومستوياتها.
ويضيف: “لما كانت اللغة العربية هي المعبر عن ثقافة الأمة، والرافعة الأساسية لنهضتها وعلو شأنها، فإن تراجع مكانتها بين أهلها، ولا سيما في المؤسسات الرسمية والعلمية والتعليمية والبحثية، يعد أكبر مؤشر على الخطر الذي يتهدد الثقافة العربية على المدى المنظور”.
ويبين جرار أن حال الثقافة العربية على المدى المنظور لا يبشر بالخير، لكنه على المدى البعيد والأبعد سوف يكون أفضل ويبث الأمل في روح الأمة وأوصالها، فتنبت نهضة وحضارة ومجدًا.
ويؤكد رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين، جبر أبوفارس، أن جائحة “كورونا” التي داهمت الاقتصاد العالمي، والأردن جزء من هذا العالم، أوقفت عجلة صناعة الثقافة النشر والإنتاج، كما قامت بعض المؤسسات الرسمية بإلغاء الميزانية السنوية من شراء الكتب من دور النشر في الأردن.
ويشير أبوفارس الى أن إغلاق جميع المؤسسات التعليمية من جامعات ومدارس، واعتماد التعليم عن بعد، انعكس سلبا على الناشر والمؤلف، وحالة من التراجع في النشر في ظل جائحة “كورونا”، وهذا يحيلنا إلى ما حصل قبل عقدين من الزمن؛ إذ توقفت أكثر من خمسين بالمائة من دور النشر، بسبب عدم القدرة على الصمود، جراء تراكم الالتزامات المالية على الناشر، وسيؤدي كل ذلك إلى إيقاف الكثير من الأيدي العاملة في هذا القطاع.
ويشكو أبوفارس من عدم الدعم والاهتمام من أي جهة لصناعة النشر، على الرغم من أهميتها الثقافية والاقتصادية، فهي جزء مهم من اقتصاد الأردن، رغم تكرار شرح الأزمة لأصحاب العلاقة، ما يجعل المستقبل مظلمًا، ويصعب التنبؤ به، لأن المؤشرات تشير إلى أن مهنة النشر تتجه نحو الدمار، رغم أنها الصانعة “لمهنة العلم والحضارة”.
ويشدد أبوفارس على أن مهنة النشر في الأردن، من المهن المهمة؛ لأنها تُعنى بصناعة النشر في جميع المجالات الثقافية والأدبية والعلمية والأكاديمية، ويقع على عاتقها المحافظة على النتاج الفكري الأردني، وتتحمل تكاليف صناعة هذا الموروث الثقافي الوطني وإنتاجه.
ويقول: “ولا يخفى على أحد أن صناعة النشر هي الرافعة التي تعزز الثقافة والأدب، من خلال ما يصدر عنها من منشورات تحاكي مختلف العلوم والآداب، التي تعكس مدى تقدم الأمم والدول”.
وفي سياق آخر، وليس بعيدا عن الآراء السابقة، يرى الفنان التشكيلي والشاعر محمد العامري أن جائحة “كورونا” أثرت كثيرا في مسارات الوسائط الثقافية، وطرائق التعبير في العالم أجمع، فالتحولات السياسية والاجتماعية ستسهم في تحويل مسارات كثيرة في موضوع الإبداعية، والثقافية، وطريقة التفكير، وطبيعة توظيف الوسائط الجديدة في الخطاب الثقافي.
وفي ظل هذا المشهد الضبابي، يقول العامري: “لا يمكن وضع تصورات لمستقبل غائم إلا عبر الحاضر “الآن”، و”الآن” موضوع مرتبك ومشلول، فمستقبل الثقافة هو مؤشر ضبابي لا يمكن قراءته بصورة دقيقة عبر مناخات الإرباك والتخبط في مناحي الفعل الاجتماعي الذي يعاني تاريخيًا من اضطهادات مركبة”.
ويرى العامري “أننا إذا أردنا صناعة تصورات مستقبلية للثقافة، فلا يمكن أن تكون فاعلة دون إشراك مختلف الأفراد والقطاعات المؤسسية الفاعلة في مجالات عديدة، ولتفعيل هذا التصور إجرائيًا علينا معرفة التطور التاريخي الدقيق من زاوية ثقافية أولًا، إلى جانب فهم الحاضر كذلك. وهذا الأمر يحتاج إلى تصورات وخطط معنية بالمستقبل، والأخذ بعين الاعتبار مركزيات الخطاب الثقافي العربي”.
وبحسب المعطيات الحالية، فلا مستقبل للثقافة المستقلة، ويقول إنه “غير متفائل فيما يخص الهوية الثقافية، وغير واثق بالأدوات التي تكلست في خطابها”.
واتفق رئيس رابطة الكتاب الأردنيين، الشاعر أكرم الزعبي، مع الجميع على أن مستقبل الثقافة في المدى المنظور يبدو ضبابيًا قاتمًا، فالكثير من المشاريع الثقافية والمؤتمرات والجوائز تأجلت إلى أجل غير مسمى، ولا يلوح في الأفق ما يبشر بانقشاع هذه الجائحة، ولكن رغم كل ذلك يظل الأمل قائمًا؛ فالبشرية عبر تاريخها مرت بما هو أسوأ من هذه الجائحة فهي ليست الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، وسنتجاوز هذه المرحلة وستصبح من الذاكرة، وسيعود للمشهد الثقافي إلى ألقه ونشاطه.
وتحدث الزعبي عن أبرز التحديات التي تواجه رابطة الكتاب الأردنيين، وهي، كما يقول “تحديات كثيرة فرضتها هذه الجائحة، وأثرت بشكل مباشر في الكثير من الأنشطة التي تقيمها الرابطة وفروعها المنتشرة في المملكة. وبالرغم من جميع هذه الظروف، فإن الرابطة تسعى للتعامل مع هذا الظرف الاستثنائي بطريقة استثنائية”.
ويتحدث الزعبي عن خريطة مستقبلية لبعض النشاطات والإصدارات التي تقوم الرابطة بإصدارها، مثل “مجلة أوراق” التي خُصص عددها الجديد عن فلسطين، وجرى استكتاب العديد من المبدعين والكتاب المتخصصين بهذا الشأن، كي يكون هذا العدد وثيقة أدبية تاريخية مرجعية، والعمل على مسابقة “عاطف الفراية للشعر” في دورتها الأولى، وهي مخصصة (للمخطوطات) الشعرية.
وتعمل الرابطة، بحسب الزعبي، ضمن هذه الخطة على توقيع مذكرة تفاهم مع معهد الإعلام الأردني لإقامة ندوات ومحاضرات، وورش تدريبية حول كيفية التعاطي مع الأخبار والإشاعات التي يمتلئ بها الفضاء الإلكتروني، والتواصل مع الوزارات والمؤسسات المعنية، مثل وزارات الاقتصاد الرقمي والريادة والتخطيط والتربية والتعليم، وأمانة عمان الكبرى، ومؤسسة شومان وغيرها؛ حيث تسعى الرابطة إلى استعادة ألقها ودورها الطليعي بما يليق بها، باعتبارها إحدى أهم واجهات الثقافة الأردنية.