مراحل تدوين الحديث

‘);
}

تدوين الحديث في عهد النبوة

حَثَّ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- صحابته الكرام على تعلُّم الكِتابة بعد انتشار الإسلام؛ لِحاجة الإسلام إلى كُتَّابٍ للوحي، ولِأُمور الدولة، فعيّن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- قُرابة أربعين كاتباً للوحيّ، وبعضهم للصدقة، وغير ذلك، وبعد الهجرة واتساع الدولة الإسلاميّة زاد عدد الكُتَّاب من الصحابة الكِرام، وكان الذي يَعرف القراءة والكِتابة يُعلِّم غيره، وكان وُجود المساجد التسعة مُعدّاً لهذه المَهمة، ولم تقتصر الكِتابة على الرِجال بل كان هُناك من النِساء مَن تعلّمن في بُيوتهنّ، ثُمّ بعد انتشار الصحابة في الأمصار اتَّسع التعليم، وكَثُرت حلقات العلم، لكن لم يظهر في العصر النبويّ تدوينٌ للسُنَّة النبويّة بشكلٍ رسميّ.[١]

وقد كانت هناك بعض الأحاديث التي تأمر الناس بعدم الكتابة، كقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (لا تَكْتُبُوا عَنِّي، ومَن كَتَبَ عَنِّي غيرَ القُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ)،[٢] وبالمُقابل كانت هناك أحاديث تُبيح الكِتابة، كتوجيه النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- عبد الله بن عمرو للكِتابة بعد أن نهتهُ قُريش عن الكِتابة بقوله: (اكتُب فوالَّذي نَفسي بيدِهِ ما يَخرُجُ منهُ إلَّا حقٌّ)،[٣] والجَمْع بينها: أنَّ النَّهي عن الكتابة كان في بداية الإسلام؛ لمخافة الاختلاط بينه وبين القُرآن، وأنَّهم كانوا حديثي عهدٍ بالإسلام وبالقُرآن والسُنّة، حيث إنَّ العرب كانوا يمتازون بالحفظ والدقَّة والإتقان، فاعتمدوا على ذلك دون الكتابة، وبعد ذلك زال حُكم النَّهي وأصبح جائزاً بعد تَمكُّنِ الصحابة من التمييز بينهم.[٤]

وقيل: إنَّ المقصود من النَّهي هو النَّهي عن جمع القُرآن والسُنَّة في صحيفةٍ واحِدة، وقيل: إنَّ النَّهيَ كان عامَّاً وخُصَّ الأمر بالسماح بالكِتابة للمُتقنين البعيدين عن الخطأ.[٤] وقد تصدَّى عُلماء الحديث من أهل السُنَّة وقاموا بالردِّ على من قال بدعوى تدوين السُنَّة بعد مئتي سنة، وقسَّموا الحديث إلى أقسام، وأثبتوا أنَّ التدوين كان مُنذ العصر الأوّل للنّبوّة، ووضعوا شروطاً لقبول الحديث تَضمن دِقَّة نقله عَبر الأجيال.[٥]