معرض «الحكايات المسافرة».. برلين تؤنس رحابها بعالم ألف ليلة وليلة

برلين: حين أدرك شهرزاد الصباح وسكتت في الشرق عن الكلام المباح، نطقت أسفارها من جديد بسحر اجتذب زوار مكتبة ولاية برلين – التراث الثقافي البروسي، من خلال نسخ، مطبوعات، مصورات، خرافات، بحوث، حكي حي وعروض فنية وموسيقية وأفلام، كلها من وحيها وتدور حول حكاياتها في معرض بعنوان «الحكايات المسافرة.. ألف ليلة وليلة بين الشرق وأوروبا»، […]

معرض «الحكايات المسافرة».. برلين تؤنس رحابها بعالم ألف ليلة وليلة

[wpcc-script type=”967d827f944cd2b7f192138f-text/javascript”]

برلين: حين أدرك شهرزاد الصباح وسكتت في الشرق عن الكلام المباح، نطقت أسفارها من جديد بسحر اجتذب زوار مكتبة ولاية برلين – التراث الثقافي البروسي، من خلال نسخ، مطبوعات، مصورات، خرافات، بحوث، حكي حي وعروض فنية وموسيقية وأفلام، كلها من وحيها وتدور حول حكاياتها في معرض بعنوان «الحكايات المسافرة.. ألف ليلة وليلة بين الشرق وأوروبا»، والمقام حتى الثامن عشر من يناير/كانون الثاني 2020 الذي تم بتعاون بين مكتبة ولاية برلين ومكتبة جامعة هومبولدت ومكتبة الفنون، جمعية الصداقة العربية الألمانية، ومتاحف الدولة في برلين.
ففي افتتاح المعرض قدمت تقاليد الحكي الشفاهي في العالم العربي حية من خلال حكواتي مغربي وفرقة الموسيقى والرقص من مركز دارنا الفلسطيني، التي قدمت مشاهد من الحكاية الافتتاحية لألف ليلة وليلة لقاء شهرزاد بشهريار.
إن حكايات ألف ليلة وليلة، التي تضم أكثر من 300 قصة، تمثل تقاليد السرد الشفاهي الشرقي، حيث تتداخل الحكايات وتتوالد وتتخطى في مسيرتها منطلقها الهندي، وعبورها الفارسي، لتنضج مع الزمن وتخلق مجالا ساهم في تكوين صيغته العربية الأولى الحكائية، عدد من المؤلفين والرواة، ابتداء من القرن الثامن الميلادي، الذين أضافوا تباعا العديد من الحكايات إلى الحكاية الأم.
مثل أحداث أسطورية فضاؤها بغداد وبطلها الخليفة هارون الرشيد، أو قصص رائعة من مصر، ومن الهند والسند. كما ساهمت في توسيع فهرسة حكاياتها أياد غربية ببعض القصص الأكثر شعبية في أوروبا، مثل قصص علاء الدين وعلي بابا والسندباد. فكتاب ألف ليلة وليلة، ليس أفضل كتاب في المكتبة العربية فقط، بل يعتبر واحدا من الأعمال الأكثر تأثيرا في الأدب العالمي.

ميلاد شهرزاد الأوروبي

جاءت انطلاقة تأثير ألف ليلة في الأدب العالمي، من خلال التبني الفرنسي لبعض أجزاء من حكاياتها، ما أعطاها في القرن 18 شعبية أوروبية كبيرة ، وانتشارا واسعا للغاية. وحسب أنطوان جالاند أول مترجم أوروبي للحكايات، فقد «أثرت ألف ليلة وليلة في ذلك الوقت، ما لم يؤثره أي عمل آخر، في تصور الغرب عن الشرق»، ذلك كما جاء في منشور المعرض.

مع بداية السعي الاستشراقي الحثيث من أجل العثور على الكتابات العربية الأصلية لألف ليلة وليلة، كانت حكايات شهرزاد قد بدأت تغزو مخيلة عدد كبير من المؤلفين ورسامي الكتاب، وأطلقت العنان لتصوراتهم الجامحة

كما لم يقتصر أمر التأثير على الأدب في أوروبا وحده، بل تعداه إلى الرسم والنحت. فانطلاقا من باريس عرفت الترجمة الفرنسية بعد صدورها دائما المزيد من الرسومات والصور، ما ساهم في المزيد من سيطرتها على القارئ الأوروبي من المراحل الأولى للرسم على الصفائح النحاسية في القرن 18، حتى ظهور كتاب صور للرسام والنحات الألماني غيرهارد ريشتر «السندباد»، التي يعرضها المعرض. إلى جانب الأعداد الوفيرة من الترجمات الأدبية إلى اللغات المختلفة، يقدم المعرض إصدارات أولى لألف ليلة وليلة في أوروبا، ومجموعات من نسخ الكتب النادرة، من بينها إصدارات مخطوطات يدوية كتبت من طرف عالم اللغة الألماني يعقوب غريم، والشاعر الألماني فيلهلم هاوف. فكما استأثرت ألف ليلة وليلة بكم هائل من الدراسات الأكاديمية والأدبية والفنية الغربية، فإنها لا تزال اليوم أيضا موضعا للدراسات والبحوث، فطوال فترة المعرض عرف فضاؤه نشاطا أدبيا وعلميا، وقدمت على منصة قاعة عروض مكتبة ولاية برلين أكثر من عشرة بحوث ودراسات، لعدد من العلماء المختصين في مجال الآداب الشرقية حول ألف ليلة وليلة، بعضها عن شخصية شهرزاد والبعد النفسي الشفائي للحكاية، وبعضها عن الجوانب الجمالية فيها، كما ركزت محاضرة المستشرقة الألمانية كلاوديا أوت، التي صدرت لها ترجمة كتاب «ألف ليلة وليلة» سنة 2004 وكتاب «ألف ليلة وليلة البداية والنهاية السعيدة» 2018، الذي يتناول تحليل علاقة شهرزاد كمبدعة للقصص بجلادها شهريار، وركزت على دور الترجمة، وهل يمكنها أن تنقل فعلا روح القصص في أجوائها. تقول السيدة أوت «إن الترجمة هي حبل مشدود، ومن يترجم يمشي فوقه بحثا عن التوازن بين أمانة النص الأصلي من ناحية، ولغة مفهومة ومعاصرة من ناحية أخرى. فكل ترجمة هي فقط إحدى الإمكانيات المتعددة لفهم النص، لكن لن نصل من خلال ذلك أبدا إلى الأصل. ففي أفضل الأحوال يمكننا تأويله في لغة أخرى، في زمن آخر وفي خلفية آداب وثقافة أخرى».

سلطة الحكاية

مع بداية السعي الاستشراقي الحثيث من أجل العثور على الكتابات العربية الأصلية لألف ليلة وليلة، كانت حكايات شهرزاد قد بدأت تغزو مخيلة عدد كبير من المؤلفين ورسامي الكتاب، وأطلقت العنان لتصوراتهم الجامحة، كما فتحت أمامهم أبوابا جديدة للاستنتاجات والتأويلات. فالنجاح الكبير، الذي عرفته حكايات ألف ليلة في أوروبا، جعل لاحقا الباحثين الشرقيين أنفسهم يكتشفون أفاق نظرة جديدة في نوعية التعامل مع هذا الإرث الأدبي الشرقي والإنساني، ودفعهم إلى تحقيقات وتكوين علاقة جديدة مع هذا الحكي في الشرق نفسه. لقد أصبح الإطار الأدبي، الذي برزت فيه مهارات شهرزاد الحكائية، التي وظفتها من أجل هدف إثناء الملك شهريارعن نيته القاسية في القتل، ليس رمزًا لامرأة قوية ومبتكرة وحسب، بل أصبح أيضا رمزا لقوة الحكي.
لقد كانت حكايات ألف ليلة وليلة، ولا تزال مصدر وحي فني وإبداعي على مرّ العصور في السينما والمسرح والأدب والفن عموما. فإلى جانب ملصقات الأفلام العالمية، المعروضة في المعرض، التي ارتبط اسمها بحكاية ألف ليلة وليلة، هناك من بين التحف المقدمة رسومات لنسخة عربية لألف ليلة وليلة تعود إلى مطبعة كتب قبطية من القرن 17. كما أن هناك على وجه الخصوص وثائق للحكي العربي متمثلة في مخطوطات اقتناها المستشرق والقنصل الأول للحكومة البروسية في دمشق، يوحنا كوتفريدز.

الإرث الإنساني

لم يغفل المعرض رواقا للأطفال، يتكون من نسخ كتب ألف ليلة وليلة، منها مقاطع عرضية من الأشكال المبكرة في ألمانيا في نهاية القرن 18، ومن الوقت الحاضر. أيضا يمكن مشاهدة الكثير من كتب الأطفال مع تعليقات من خمسة عشر بلدا، بطاقات بريدية، ملصقات الأفلام، وغيرها من الوسائل البصرية التي تعرض بث المواضيع المحببة من ألف ليلة وليلة. كما تم عرض الفيلم الوثائقي «الحلقة» للمخرج الألماني توماس لدنبورغر، عن يوميات حكواتي في ساحة جامع الفنا في مراكش. وفي بهو مكتبة ولاية برلين، تعرض للزوار أفلام وثائقية على شاشات الجدران والأعمدة وتركيبات صوتية للمخرج لادنبرغر، الذي أسره عالم رائع من البهلوانات ورواة القصص في مراكش، فقام بتسجيله ليبقى إرثا إنسانيا خالدا.

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!