مفتي مصر في حوار مع الشبكة الإسلامية

مفتي مصر في حوار مع الشبكة الإسلامية على غير المعتاد فإن مفتي مصر الجديد الذي تولى منصبه قبل شهور -الدكتور أحمد محمد الطيب- هو صورة من صور الانفتاح على الغرب بنفس الدرجة التي يمثل فيها صورة المحافظة والتمسك بالتراثيجيد الحديث بأكثر من لغة وطاف عددا من بلاد العالم فمارس الدعوة فيها دون أن يحتاج إلى ترجمان..

مفتي مصر في حوار مع الشبكة الإسلامية

على غير المعتاد فإن مفتي مصر الجديد الذي تولى منصبه قبل شهور -الدكتور أحمد محمد الطيب- هو صورة من صور الانفتاح على الغرب، بنفس الدرجة التي يمثل فيها صورة المحافظة والتمسك بالتراث.
يجيد الحديث بأكثر من لغة، وطاف عددًا من بلاد العالم فمارس الدعوة فيها دون أن يحتاج إلى “ترجمان” كعادة العلماء والشيوخ، وبسبب هذه المهارات الخاصة، فقد تأثر به عديد من الغربيين وكان سببًا في إسلامهم.
ولهذه الأسباب يكتسب حوارنا معه أهمية كبيرة، خاصة عندما يتحدث عن سياحة الدعاة والفوائد التي يمكن أن تجنيها الدعوة الإسلامية من ورائها، وحين يضع يده بمشرط كمشرط الجراح على أماكن المرض في علاقتنا ومعاملاتنا مع الغرب. وفيما يلي نص الحوار.

دعني أسألك عن نشأتك وأثرها في تكوينك الديني والثقافي، وإلمامك بأكثر من لغة؟size=3>
عندما ولدت كان مسجد القرية – في جنوب مصر بالقرب من مدينة الأقصر- ملحقًا بساحة كبيرة وبكتّاب لتحفيظ القرآن، وقد حفظت القرآن في كتّاب القرية عندما كان عمري 10 سنوات، ثم التحقت بالمعهد الديني الابتدائي بالنظام القديم لمدة أربع سنوات، ثم التحقت بمعهد قنا الديني الثانوي لمدة خمس سنوات، ثم التحقت بكلية أصول الدين في جامعة القاهرة، وتخرجت فيها في عام 1969 وكنت متقدما في ترتيبي فعينت معيدا بالكلية.
وحصلت على ماجستير شعبة العقيدة عام 1971 ثم الدكتوراه عام 1977 في موضوع العقيدة والفلسفة، ثم عملت خارج مصر في جامعة الإمام محمد بن سعود وجامعة الإمارات وجامعة قطر، ثم عينت عميدا لكلية الدراسات الإسلامية بأسوان عام 1985 حتى عام 1999، ثم عميدا لكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد بباكستان في العام الدراسي 1999/2000 ، وأخيرا أصبحت مفتيا للجمهورية.
ساعدتني نشأتي في إجادة اللغة الفرنسية التي أتحدث بها وأترجمها في تخصصي الذي أدرس فيه، وأيضا إلمامي باللغة الإنجليزية لأن منطقة الأقصر التي كنت أسكن فيها منطقة تتنفس اللغات، فنحن لدينا العديد من الأميين الذين لا يقرؤون ولا يكتبون ولكنهم يتحدثون هذه اللغات بطلاقة !
وساعدني ذلك كثيرا، فعندما ذهبت إلى باكستان وكنت عميدا لكلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية العالمية، كان لا بد أن أتحدث الإنجليزية مع مدير مكتبي وكانت معظم لقاءاتي باللغة الإنجليزية .

بحكم دراستك في الخارج..كيف ترى حضارة الغرب؟ وما الذي يمكن أن نستفيده منها؟ size=3>
حضارة الغرب ليست كلها شرا أو خيرا، وهناك جانب كبير جدا منها يجب أن نستفيد به ونضيفه إلى أصالتنا كالتقدم التكنولوجي والعلمي وقيم النظافة والعمل وإتاحة الفرصة للرأي الآخر، وهذه كلها ثوابت في الإسلام، ولكن لظروف معقدة أصبحت باهتة في سلوكنا، أيضا في حضارة الغرب أمور تلائم طبيعة هذه الحضارة لأنها لا تقوم على الدين، وإنما تقوم على احترام حرية الإنسان حتى لو كان على حساب مقررات الأديان.. على عكس حضارتنا في الشرق التي تقوم على الدين، لذلك نجد أن لكل حضارة منطلقًا خاصًا بها.
فحضارة الشرق يضحي فيها الإنسان بحريته من أجل إرضاء الله سبحانه وتعالى ويجد سعادة في ذلك، أما حضارة الغرب فهي تضرب بالدين عرض الحائط ليحقق الإنسان حريته الشخصية.
نظرا للاختلاف بين هاتين الحضارتين، فقد نشأت أنماط من السلوك والأفكار تتواءم مع الحضارة المادية التي لا تجد حرجا في أن تنحي الدين جانبا، وتحل محله الفكر العقلي، وكل هذه الأمور لا يمكن أن تتفق أو تتواءم مع حضارتنا، بل ربما تتناقض معها أحيانا.

أثناء جولاتك في الدول الأوروبية.. كيف رأيت صورة الإسلام فيها؟size=3>
للأسف الصورة محزنة، وقبل أن نلوم الغرب يجب أن نلوم أنفسنا، لأن الصورة الأكثر وضوحا والأعلى صوتا ليست هي الصورة التي تحمل وسطية الإسلام، وإنما الصورة التي تظهر الشدة والعنف والجمود، وإن كان هناك خبث في التفكير الغربي واستغلال هذه الصورة فالعيب فينا أيضا لأننا لم نصل إليهم.

وماذا عن شرح الإسلام وبيان جوهره للغرب؟size=3>
‏‏من أهم المهام التي تواجه الأمة الإسلامية بيان أن الإسلام دين يدعو إلى وحدة الأمة‏,‏ كما جاء ذلك في آيات قرآنية عديدة من بينها قول القرآن الكريم‏:‏ “إن هذه أمتكم أمة واحدة”‏,‏ وقد أكد التاريخ تلك القاعدة المهمة الأساسية في تاريخ الإسلام‏,‏ فقد عاش المسلمون قرونا عديدة تحت راية هذه الوحدة في ظل ازدهار حضاري منقطع النظير‏.‏

شبكة الإنترنت أصبحت تطرح تحديا على الدعاة بما تبثه كثير من المواقع الغربية والشرقية المعادية للإسلام من دعاية سلبية حوله، فما المطلوب لتصحيح المفاهيم عبر شبكة الإنترنت؟size=3>
‏أعتقد أن هناك جهودا مبذولة نحو توحيد كل الجهود لتصحيح المفاهيم المغلوطة‏,‏ وأعتقد أنه لا بد أن يتم التنسيق والتكامل بين المؤسسات الإسلامية على مستوى كل بلد إسلامي لهذا الغرض، إضافة إلى قيام مشروعات كبرى مشتركة بين الدول الإسلامية لمواجهة هذا الفيض من الدعاية السلبية، ففي مصر مثلا لا بد من التنسيق بين الأزهر الشريف وجامعته ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف وغيرها من المؤسسات الدينية لأجل التعريف بالإسلام بوصفه عقيدة وشريعة وأخلاقا وحضارة‏.
وإلى جانب ذلك فلا بد من أن تتكاتف المؤسسات الإسلامية على مستوى العالم الإسلامي لإقامة ولو موقعًا واحدًا قويًا يكون مرجعا للإسلام بلغات العالم الحية، وربما غير الحية أيضا، فلو تكاتف الجميع وراء موقع واحد كبير على شبكة الإنترنت يتحدث بـ20 أو 30 لغة من لغات الأرض، ويشرف على تحرير مواده علماء مسلمون من البلدان المختلفة، وشارك الجميع في حملة دعاية كبرى لهذا الموقع، فإنه سيكون عند ذلك مرجعا للعالم في كل القضايا التي تتناول الإسلام، وما يدور حوله من شبهات، وسيكون هذا أفضل من تشتيت الجهود في مواقع كثيرة تقوم على الاجتهادات الفردية.
وبذلك يمكن الرد بأسلوب علمي على الشبهات التي تثار ضد الإسلام‏,‏ وذلك لتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام في الخارج‏.‏

ما هي أهمية دور الدعاة في مجالات التوعية؟size=3>
‏الدعاة لهم دور مهم في نشر الإسلام وتوعية المسلمين في داخل البلاد الإسلامية وخارجها‏,‏ فهي عناصر ممتازة تؤتي الثمار الطيبة إذا تم إعدادها وتدريبها على يد الخبراء والأساتذة السابقين في مجال الدعوة وفي المؤسسات الدينية المختلفة كالأزهر وجامعته في مصر‏,‏ والمسؤولين في وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية في الدول الإسلامية المختلفة‏,‏ وأعتقد أن أهم السبل لإعداد الدعاة هو الاهتمام بالتواصل بين الجهود المشكورة والمبذولة بين المؤسسات الإسلامية المختلفة، بحيث تقوم بإعداد وتخريج الداعية القادر على توصيل رسالة الإسلام إلى المسلمين ولغير المسلمين في الغرب بلغتهم وبطبائعهم وبفكرهم‏,‏ فالإسلام صالح لكل زمان ومكان‏,‏ بشرط التمسك بالأسلوب السليم لتوصيل الدعوة وبيان مقاصد الفكر وقيمته ومنهجه‏.
ولابد للداعية أن يواجه عرض المناقشات والموضوعات والقضايا باستخدام الأسلوب القرآني، وهو: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”‏,‏ أي السبيل هو الحكمة والعدل والموعظة الطيبة السلسة البعيدة عن العنف‏.‏
هذا هو جوهر الإسلام ومقاصده ومناهجه‏,‏ فهو دين يدعو للشريعة والعقيدة بأسلوب مبسط يرضي الله ورسوله‏.‏

هل استفدت بإجادتك للغات في مؤلفاتك، ولماذا لم تكتب لهؤلاء الأجانب بلغاتهم؟ size=3>
أجيد الفرنسية إجادة تامة وأستطيع أن أترجم من العربية إليها، ولكنني دائما أفضل أن أكتب بلغتي أولا بدافع من الاعتزاز بلغة القرآن، وخاصة أنني عشت في المجتمع الفرنسي الذي يحرص كل أفراده على الحديث بلغتهم حتى وإن علموا اللغات الأخرى، وعلى سبيل المثال فعندما كنت في باريس كان بحثي للدكتوراه مكتوبا باللغة الفرنسية، وفي مؤتمر معهد العالم العربي بباريس صممت على أن ألقي بحثي باللغة العربية، وكان الحوار بالفرنسية بعد ذلك، ولي العديد من المؤلفات المترجمة من الفرنسية إلى العربية وهي 19 مؤلفا عن الفلسفة الإسلامية والعقيدة وغيرها من الأبحاث المنشورة في مجلات علمية في كلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية بجامعة قطر وكذلك بعض الأبحاث التي تتحدث عن مقاصد الشريعة.

ما هي الكتب التي تأثرت بها في أثناء ترجمتها؟ size=3>
لقد ترجمت بعض الكتب التي تتناول قضايا فلسفية معقدة جدا، وكنت أعجب كيف استطاع المدرسون الفرنسيون هناك أن يتعمقوا إلى هذا الحد في هذه الثقافة القريبة منا والبعيدة عنهم، فالحقيقة أنهم تعمقوا في دراسة اللغة العربية بالرغم من صعوبتها عليهم.
وكنت دائما أقول لنفسي : نحن أولى بهذا العمق، ولذلك أخذت مني ترجمة هذه الكتب جهدا شاقا لكي أحقق الهدف المعرفي الذي كنت أسعى إلى تحقيقه.

باعتبارك حاصلا على الدكتوراه في الفلسفة هل هناك علاقة بين الفلسفة والفتوى؟size=3>
بالفعل يتساءل كثيرون عن علاقة الفلسفة بالفقه، وأحب أن أوضح أن أي أزهري من جيلي درس بالنظام الذي درسته يستطيع أن يتعرف على الفقه، فمثلا لقد درست الفقه الإسلامي في المرحلة الابتدائية، ولم تكن الابتدائية بالمفهوم الموجود الآن فلقد درست الكتب الصفراء التي تضم معلومات غزيرة، واستمر الحال في الثانوي بنظام الخمس سنوات، ولذلك أقول إن دارس الأزهر يستطيع أن يتعرف على آراء الفقهاء ويفهمها، ويقارن بينها وبين ما يستجد الآن ولم تنقطع صلتي بالفقه، وكان والدي فقيها ويدرس معي هذه الأمور.
وكلية أصول الدين التي تخرجت فيها تخرج فيها الكثيرون من الذين يفتون، ومنهم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر وفضيلة الشيخ الغرباوي وهو فقيه مدقق، ولذلك ليس بالضرورة أن يكون المفتي خريج كلية الشريعة أو الفقه لأن الحقول الإسلامية تصب كلها في حقل واحد في النهاية.

كيف يمكن الارتقاء بالحضارة الإسلامية؟ size=3>
إذا رجعنا إلى الإسلام الحقيقي كما جاء في القرآن والسنة والتراث سنجد أنفسنا وقد تطورنا وتقدمنا مع الانفتاح على العناصر التي تتفق وتتواءم مع ثوابت الدين، فالإسلام دين لا يعرف الجمود ولا الانغلاق، ولابد من الاهتمام بالمسلمين والاطلاع على كل ما هو جديد من المتغيرات العالمية حتى نرتقي بحضارتنا، فالاجتهاد لا يقتصر على مجال القضايا الفقهية فقط، وإنما يتسع لكل المجالات ليتفاعل مع الأحداث المعاصرة، ويحسن التعامل مع المتغيرات العالمية ومع كل المستجدات، ومن أهم الأمور التي تشغلنا الآن بيان أن الإسلام دين يدعو إلى وحدة الأمة كما جاء في القرآن الكريم “إن هذه أمتكم أمة واحدة”.

وهل ترى فضيلتك أن العقل المسلم في أزمة، وأنه يعيش في ذات أخرى ومتقوقع على نفسه؟size=3>
العقل المسلم هو إفراز الثقافة الإسلامية السائدة، فالطالب أو الولد الذي يتشكل عقله من خلال قراءاته من خلال الكتب الموجودة، فهل الزاد الذي يقدم إلى عقول الشباب هو الزاد الإسلامي الحقيقي الذي يرسم وسطية الإسلام “وكذلك جعلناكم أمة وسطا” أم هو الزاد الذي يقدم على أن الإسلام مجموعة من الممنوعات ومن المحرمات فقط .. لا بد أن العقل المسلم يتأثر بنوعية الثقافة السائدة لأنها هي التي تشكل العقول.

أخيرا .. دعني أسألك عن قضية التجديد في الفقه الإسلامي التي طرحت للمناقشة في السنوات الأخيرة .. كيف ترون أهمية هذه القضية وفي أي شيء يكون التجديد؟size=3>
الشريعة الإسلامية هي شريعة صالحة لكل زمان ومكان، وهذا هو الوجه الآخر لعالمية الإسلام، وهي عقيدة لا يمكن الكلام حولها، لأنها بنصوص صريحة في القرآن الكريم، ويمكن أن نقول : إن أول اتصال بين الإسلام والغرب كان على يدي رسول الله صلى الله وسلم حينما أرسل رسائله إلى فارس وروما والحبشة ومصر، فقد كان صلى الله عليه وسلم يحمل رسالة عامة للناس، هي شريعة الإسلام التي هي صالحة لكل البشر، والتي تلبي التطور والتجديد .
والاجتهاد آلية من آليات الفكر الإسلامي لم يضعها المحدثون، إنما نادى بها علماؤنا الأقدمون منذ الصحابة رضوان الله عليهم، ومن الثابت في الفقه الإسلامي أنه تتغير الفتوى بتغير الزمان وما يستجد في حياة الناس بما لا يتعارض مع النصوص القرآنية والسنة النبوية

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!