‘);
}

مفهوم العبودية

خلقنا الله -عزّ وجلّ- لعبادته وحده، وأخذ من بني آدم العهد والميثاق منذ أن كانوا في ظهر أبيهم آدم، ثمّ أرسل بعد ذلك الرسل ليكونوا مذكّرين بإخلاص العبودية لله، ومنذرين، ومبشّرين، قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)،[١] وقد أخرج الله -تعالى- ذريّة بني آدم من أصلابهم وهم يشهدون على أنفسهم أنّ الله ربهم لا إله إلا هو، حيث فطرهم الله عليها، كما أنّ كل مولودٍ يُولد على الإسلام، فأبواه يُهوّادنه، أو يُنصّرانه، أو يُمجّسانه، وبعد ذلك أخذ الله عليهم ميثاق بعثة الرسل، فقال تعالى: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)،[٢] فقد أرسلهم الله -تعالى- وبعث معهم الكتب ليُذكّروا النّاس، ويحذّروهم من عذاب الله إن لم يستقيموا على ذلك العهد.[٣]

وتُعرّف العبادة بأنّها: اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يُحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة؛ فالصلاة، والزكاة، والحجّ، وبرّ الوالدين، وأداء الأمانة، كلها من العبادات الظاهرة، وحب الله ورسوله، والإخلاص، والتّوكّل، من العبادات الباطنة، وعليه فالعبادة ليست شعائر ونسك فحسب؛ وإنّما تشمل كلٌ نشاطٍ يقوم به الإنسان في يومه وليلته، فقد قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)،[٤] فالصّلاة مثلاً لا تأخذ من المسلم أكثر من ساعتين ونصف كحدٍ أقصى، والحجّ مرةً واحدةً في العمر، وبذلك يتّضح أنّ الشعائر التعبّديّة تشمل العبادة بمفهومها الشّامل، فالعبادة تشمل كل حركةٍ وسكنةٍ يقوم بها الإنسان، فالدّين لا ينفصل عن الدّنيا بأيّة حالٍ.[٣]

كما أن العبادة يُقصد بها تعظيم الله عز وجل، وهي أعلى مراتب تبجيله سبحانه، وقد يكون نفع العبادة ذاتيا؛ كقراءة القرآن والصلاة، أو يكون نفعها متعديّا، وهي أعظم في الأجر والثواب من العبادة الذاتية؛ كالصدقة والزكاة، ومن هنا نعلم أن مفهوم العبادة يجب أن يكون واسعا وشاملا، لا يقتصر على الشعائر فقط، بل يشمل كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال.[٥]