ملخص كتاب “أسرار المحبين في رمضان” للشيخ محمد حسين يعقوب

يستعرض الشيخ يعقوب من فضائل رمضان الكثير في هذا المؤلف، وملمحاً هاماً من مناقب الشهر الكريم، فالناس كلهم صائمون، ويجتمعون في صلاة التراويح، والنفس من عادتها أنّها تنشط عند المشاركة وتغتر بالكثرة الكاثرة، فرمضان ثورة عبادية شاملة.

Share your love

ذكّر المؤلف بقول العلامة ابن القيم: “إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلّا الله وحده، تحمّل الله سبحانه حوائجه كلّها، وحمل عنه كل ما أهمه، وفرغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه، حمّله الله همومها وغمومها وأنكادها، ووكّله إلى نفسه”، وحتى يصير الرجل من النوع الأول فإنّ الأمر يتطلّب منه جمع الهم، فلا يكون همه إلّا رضا الله وحده، وهمة عالية ونية صحيحة، وهجر العوائد وقطع العلائق وتخطّي العوائق.

يستعرض الشيخ يعقوب من فضائل رمضان الكثير في هذا المؤلف، ومنها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لمَّا حضَرَ رمضانُ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قد جاءَكم رمضانُ، شهرٌ مُبارَكٌ، افترَضَ اللهُ عليكم صِيامَه، تُفتَحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَقُ فيه أبوابُ الجَحيمِ، وتُغَلُّ فيه الشَّياطينُ، فيه لَيلةٌ خَيرٌ مِن ألْفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَ خَيرَها فقد حُرِمَ.

أمّا عن الصوم فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “قال الله عز وجل: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلَّا الصَّوْم فإنَّه لي وأنا أجْزِي بهِ” فالصائم يتقرّب إلى الله بترك ما تشتهيه نفسه من الطعام والشراب والنكاح، وهذه أعظم شهوات النفس، ولترك هذه الشهوات بالصيام فوائد منها:  ترويض النفس، فإنّ الشبع والري ومباشرة النساء تحمل النفس على الأشر والبطر والغفلة، كما أنّ الصيام يخلي القلب للفكر والذكر؛ فإن تناول هذه الشهوات قد تُقسي القلب وتعميه، وخلو الباطن من الطعام والشراب ينور القلب ويزيل قسوته.

وبين فضائل الصوم أن الغني يعرف قدر سعة الله عليه بإقداره له على ما منعه كثيراً من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح، فيشكر الله، ويدعوه ذلك لرحمة أخيه المحتاج ومواساته، كما أنّ الصيام يضيق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم، ولهذا جعل النبي صلّى الله عليه وسلّم الصوم وجاء أي وقاية، لإضعاف شهوة النكاح.

ولكن التقرّب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة خارج رمضان لا يتم إلّا بعد التقرّب له بترك الكذب والظلم والعدوان وكافة المحرمات في رمضان وخارجه، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: “رُبَّ قائِمٍ حَظُّهُ مِنَ القِيامِ السَّهَرَ ، ورُبَّ صائِمٍ حَظُّهُ مِنَ الصِّيامِ الجوعُ والعَطَشُ”.

أولاً: رمضان ثورة عبادية

في رمضان تجتمع أمهات الطاعات، فالصلاة والصيام وزكاة الفطر فيه فرائض واجبة، ثم هناك تلاوة القرآن، والذكر، والدعاء، والصدقة، والعمرة.

كما يوجد بالشهر الفضيل فرصاً كثيرة للعتق من النار، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم “مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”.

كما أنّ سنة الاعتكاف في رمضان تعد بمثابة غرفة عناية مركزة، لاستئصال سرطان الذنوب من القلوب، وكان سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وفي الاعتكاف خلوة، وقطع التعلّق بالبشر، وجمع شمل القلب بعد تشتّته، وتغيّير الطباع البشرية في العادات من الأكل والشرب والنوم.

مازلنا مع فضائل رمضانية، حيث أنّه يوجد ثلاث لا ترد دعوتهم، ومنهم الصائم حتى يفطر، وهو ما ذكره لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولعل العلة في ذلك أنّه قبل الإفطار في آخر النهار يكون الإنسان في أحسن حالات استشعار الانكسار، وإظهار الافتقار، ومد يد الضراعة.

والصيام يشفع لأهله يوم القيامة، كما أنّه فرحة للصائم عند الفطر، وقال ابن الجوزي: الصوم ثلاثة: صوم الروح وهو قصر الأمل، وصوم العقل وهو مخالفة الهوى، وصوم الجوارج وهو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع.

وقال: وما من جارحة في بدن الإنسان إلّا ويلزمها الصوم في رمضان وغير رمضان، فصوم اللسان: ترك الكلام إلّا في ذكر الله تعالى، وصوم السمع: ترك الإصغاء إلى الباطل، وصيام العينين: الغض عن محارم الله.

ثانياً: الوصايا العشر لاغتنام رمضان

ويضع المؤلف عشر وصايا قبل دخول الشهر الكريم وهي:

1. الهدنة مع المناقشات والجدال، وقال تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) البقرة -185، فلابدّ من هدنة في المنزل مع الزوجة والأولاد، قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) النحل – 80، يحدث ذلك من خلال محاولة فض جميع المشاكل والمنازعات قبل دخول الشهر، حتى لا تعكّر عليك جوك الإيماني.

ومن بين النصائح إجراء محاضر صلح بين أفراد الأسرة جميعاً، والاجتماع بالأسرة للاتفاق على المبادئ التي سيتم السير في ظلالها في شهر رمضان ومنها عدم تضييع الوقت الثمين مع برامج التليفزيون التي لا تنتهي، والبعد عن سماع الأغاني وكافة الأمور التي تلهي عن ذكر الله، وضبط اللسان، والبعد عن الإكثار من العزومات والسهرات لاقتناص مغانم الشهر، واتخاذ السبل الجادة لإعانة أفراد الأسرة على الطاعة وقال الله في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم – 6، قال ابن عباس رضي الله عنه: أي علموهم الخير وأدبوهم.

2. إقامة هدنة في العمل مع الزملاء والمسؤولين بتجاوز الخصومات.

3. إقامة هدنة مع نفسك للتخلّص من هموم القلب، وسموم القلب خمسة هي فضول الكلام وفضول الطعام وفضول النوم وفضول الاختلاط وفضول النظر.

كما أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم بأن يصبّر نفسه مع المؤمنين المجدين في السير إلى الله، فقال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) الكهف – 28.

4. لابدّ أن تلتفت لأقاربك بالبر، وتطيع والديك، ومن وصل رحمه وصله الله ومن قطعها قطعه الله، قال سبحانه: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) الإسراء – 26، فلهؤلاء حق وليس تفضلاً منك يا مسلم.

5. عمل هدنة مع النفس لترك الذنوب، سواء بأن تأخذ على نفسك عهداً بترك المعاصي، قال سبحانه “تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” البقرة: 229، البعد عن أسباب المعاصي، العزم على عدم العودة للذنوب لأنّك قد تموت عليها فتلقى الله عاصياً، أو قد يكون في رجوعك سقوط من عين الله.

6. عمل هدنة مع طول الغياب خارج المنزل والارتباطات بالإقلال من كل ذلك، سأل عقبة بن عامر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن النجاة فقال: أمسِكْ عليكَ لسانَكَ، وليسعْكَ بيتُك، وابكِ على خطيئتِكَ”، وهدنة أخرى مع كثرة النفقات والتبذير فللأسف الناس تفهم رمضان خطأ وينفقون فيه ما لا ينفقون في غيره! مع أنّه شرع للتقليل من الطعام والشراب، قال تعالى:”وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا” الإسراء 26 – 27.

7. أن تتّفق مع الأسرة على صدقة، فهي برهان على صدق المرء في إيمانه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها”، وأن تتّفق معهم على إفطار الصائمين، اجتهد أن تفطر صائماً أو صائمين أو ثلاثة كل يوم قدر استطاعتك، قال الله تعالى “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا” الإنسان – 8.

8. أن تقيم هدنة مع العقول والقلوب من التفكير والتدبير للدنيا، فكّر في حسنة جديدة تعملها أو ابحث عن عبادة مهجورة لتقوم بها، فكّر في خدمة المسلمين، كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو خليفة المسلمين يحلب للحي شياههم، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يذهب إلى عجوز مقعدة ضعيفة ليخدمها، التفكير في خدمة الدين مثل أن تدعو رجلاً لترك التدخين، التفكير في لذة أخروية  مثل أن تفكّر في كيفية الخشوع في الصلاة.

9. أن تقيم هدنة مع استهلاك أعضائك، تريح أذنك مثلاً من ضجيج الكلام وصخب الهموم ومن الغيبة والنميمة وسماع الأغاني، تريح عقلك من التفكير في ما لا يفيدك، تريح أمعائك من ضغط ألوان الطعام عليها، وأخيراً الهدنة مع الهموم بأن تجعل همّك همّاً واحداً وهو رضا الله سبحانه وتعالى، ولو حدث لنالك كل خير وبر وبركة.

 

المصدر: موقع الأسرة السعيدة

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!