ملخص كتاب الطريق إلى الامتياز للدكتور إبراهيم الفقي

يوضِّح الكاتب "إبراهيم الفقي" في هذا الكتاب السبب في أنَّ هناك أشخاصاً متميزين وآخرين غير متميزين، وأشخاصاً ناجحين وآخرين غير ناجحين، والسبب في أنَّ هناك من يستطيع عيش حياته عيشاً أفضل من غيره، وما هو الفرق بين هذين الفريقين؟ من خلال قصة شاب يسعى إلى الامتياز، ويدله على طريق الامتياز رجلٌ حكيم يبيِّن له المسار الذي يجب أن يتبعه للوصول إلى الامتياز، وهنا سوف نختصر لكم هذا الطريق، تابعوا معنا.

بدايةً إنَّ البشر كلهم على وجه هذه الأرض منذ أن خلق الله عزَّ وجل سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام متَّحدون في أربعة أشياء، وهي:

  1. الخامات: أي الحواس.
  2. الوقت: 1440 دقيقة في اليوم؛ أي 24 ساعة في اليوم.
  3. الفكر: كل الناس متَّحدون في الفكر؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى قد أعطانا العقل البشري والمنطق والقدرة على التفكير والتحليل.
  4. الطاقة: التي تخرج بسبب هذا الفكر والمنطق والتحليل.

والشخص المتميز هو الذي يستخدم خاماته، ووقته، وقوة تفكيره، وطاقته كي يكون متميزاً؛ حيث يستخدم هذه الأشياء كلها في مواجهة أيَّة مشكلة تصادفه ويفكر مباشرةً في طريقةٍ مناسبةٍ لحلها، ويواجه أي تحدٍّ يتعرض له، ويتوكل على الله سبحانه وتعالى، ويرضى دائماً بما وهبه الله عزَّ وجل، بينما الشخص الذي يريد أن يكون متميزاً ولا يستطيع ذلك؛ لأنَّه لا يُدرك أنَّ الذي يفعله لا يصل به إلى ما يريد، فهو يقوم بأعمال، ويظن أنَّ هذه الأعمال هي التي تصل به إلى السعادة؛ لذا فإنَّنا نجد هذا الشخص حقوداً باستمرار، وينكر الذي يملكه، ولا يرضى دائماً بما وهبه الله سبحانه وتعالى.

الطريق إلى الامتياز كما يقول الحكيم يبدأ بالأسباب، ولكن هنا يجب أن نميِّز بين الرؤية والهدف، فالكثير من الناس يعتقدون أنَّ الرؤية هي الهدف، وفي الواقع هما ليس كذلك، فالرؤية: هي نهاية الطريق، والهدف: هو جزيئات الرؤية، ومعظم الناس ينظرون إلى نهاية الطريق على أنَّه هو الهدف، ثمَّ إذا به يُصاب بالإحباط؛ لأنَّه يُقارن ما هو عليه الآن، وبين ما يريد أن يكون، وما ذاك إلا لأنَّ الطريق طويل، وفي الواقع هذا هو الطريق الصحيح.

فالكثير من الناس يأخذون بالأسباب دون الرجوع إلى مسبِّب الأسباب، فتكون النتيجة الهلاك بالأسباب؛ لأنَّهم يعتقدون أنَّ الأسباب هي التي تنفعهم بذاتها، ونسوا أنَّ مسبِّب الأسباب سبحانه وتعالى هو الذي ينفعهم، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [سورة: آل عمران، الآية: 159].

وفي الحقيقة، لا تكفي معرفة الأسباب للسير في الطريق إلى الامتياز، فأول خطوة في هذا الطريق هي جذور الامتياز، وأول جذور الامتياز هو الارتباط بالله سبحانه وتعالى.

أولاً- الارتباط بالله عزَّ وجل:

إنَّ الارتباط بالله سبحانه وتعالى والتمسك بأوامره ونواهيه في كل حركةٍ من حركات الإنسان، وكل سكنةٍ من سكناته، يجعل ذلك الإنسان في مقام القدوة على صعيد الأسرة والمجتمع، وعندئذٍ يتذوق الإنسان هذه اللذة التي ما بعدها لذة، لذة الإيمان، والركائز التي يشتمل عليها الارتباط بالله سبحانه وتعالى هي:

1. التسامح:

إن لم تسامح الناس جميعاً، فسوف تحمل في قلبك وصدرك الغل والغضب والشك، وسوف تجد نفسك تحمل طاقةً سلبية ليس لها أي داعٍ إطلاقاً؛ لذا حاول أن تسامح الناس جميعاً لتنظف طاقتك، وتكون أكثر قرباً من الله سبحانه وتعالى.

2. الحب في الله:

عليك بالحب في الله والحب لله، والله عزَّ وجل وعدَ المتحابين في الله بمحبته، فعن “معاذ بن جبل” أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تبارك وتعالى: وَجَبَت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ).

3. العطاء:

العطاء بغير شروط، فابدأ بالعطاء دون أن تشترط، وطالما أعطيتَ، فإنَّ الله سبحانه وتعالى يستقبل منك، وإذا شكوتَ، انقطع عنك ذلك الاستقبال من الله العظيم عزَّ وجل، والله سبحانه وتعالى سوف يعطيهم عن طريقٍ آخر، ولذلك لن تشعر بلذة العطاء إذا شكوتَ أنَّك تعطي ولا تستقبل، ويجب عليك أن تعلم أنَّك طالما تعطي لله سبحانه وتعالى لا للإنسان، فإنَّ الله سبحانه وتعالى قد جعلك مصدراً من مصادر العطاء، ومعنى ذلك أنَّ الله سبحانه وتعالى قد جعلك كريماً محسِناً، والله عزَّ وجل يحب المحسنين.

4. الإيمان بالله سبحانه وتعالى:

من علامات الإيمان أن يشعر المرء بحلاوته، ومن الشعور بحلاوته أن يؤتمن على نفسه وعلى صحته، وعلى الناس جميعاً، وأموالهم وأعراضهم، فالمؤمن لا يسرق الناس، ولا يكذب عليهم، ولا يخونهم، والمؤمن أخلاقه طيبة رائعة، لذلك فالارتباط بالله يجعل المرء يؤمن، وهذا الإيمان يقربه أكثر من الله عزَّ وجل، والمؤمن يؤتمن على أموال الناس وأسرارهم، ويبتعد عن الغيبة والنميمة.

5. الطاعة:

إنَّ طاعة الله سبحانه وتعالى تُقسَم إلى قسمين:

  • فعل المأمور: أي فعل كل ما أمر الله سبحانه وتعالى به من صلاةٍ، وصيامٍ، وصدقة، وحج، وغير ذلك من الطاعات.
  • ترك المحذور: أي الابتعاد تماماً عن كل ما نهى الله عز وجل عنه؛ فقد نهانا أن نبتعد عن السرقة، والزنا، وشرب الخمر، ونهانا عن كل مساوئ الحياة بما فيها التدخين، والله سبحانه وتعالى سيسأل المرء عن كل شيء، فعن “أبي برزة الأسلمي” قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ، وعن عِلمِهِ فيمَ فعلَ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ). ومن ترك معصيةً من معاصي الله، عوَّضه الله سبحانه وتعالى خيراً منها.

6. الصلاة:

الصلاة على وقتها من الطاعة التي تحدَّثنا عنها، فلا بُدَّ من اتصال الصلة مع الله سبحانه وتعالى، وعندما يقول المرء: “الله أكبر” لا بُدَّ وأن يعرف أنَّ الله أكبر من أي شيء، ولا ينبغي له أن يُصلي قبل أن يكون مدركاً فعلاً ماذا سيفعل، وعندما يصلي، يجب أن يصلي صلاةً صحيحة، وعندما ينفق من وقته في أي شيء، فيجب أن يكون في شيءٍ صحيح.

7. الإخلاص:

إنَّ الإيمان بالله يأخذ المرء إلى الطاعة، والطاعة تأخذه إلى الإخلاص، فلا يمكن للمرء أن يؤمن بالله وأن تكون طاعته متكاملةً إلا إذا كانت خالصةً لله سبحانه وتعالى، فالإخلاص يكون لله عزَّ وجل، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [سورة، غافر، الآية: 14].

وعن “أبي هريرة” رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، هذا هو الإخلاص، فعندما يكون المرء مخلصاً لله، يجد أنَّه أخذ هذا الإخلاص صفةً وسمةً.

8. الوفاء:

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [سورة: الإسراء، الآية: 34]، ستغضب كثيراً لو أنَّ شخصاً عاهدك ثمَّ لم يوفِ معك بذلك العهد، ولن تثق فيه بعد ذلك مطلقاً، ولله المثل الأعلى، فمن الممكن أن تكون طائعاً، ومؤمناً، ومخلصاً، ولكنَّك لا توفي بالعهد مع الله عزَّ وجل، ومن ثمَّ لن توفي بعهدك مع الناس، وعدم الوفاء بالعهد يُضيِّع منك كل شيء من الإيمان والطاعة، والإخلاص، فالإيمان بالله سبحانه وتعالى يجعلك تشعر بروعة الطاعة، ولكي تشعر بروعة الطاعة، لا بُدَّ وأن يكون عندك إخلاصٌ تام لله عزَّ وجل، وحتى يكون عندك إخلاص لله عزَّ وجل بهذه الطاعة، فلا بُدَّ وأن تكون وفياً لله سبحانه وتعالى بهذا الإخلاص، وطالما أنَّك وفيٌ للمولى عزَّ وجل، فأنت تتحلى بهذه الصفات.

9. التوكل على الله:

إنَّ الله عزَّ وجل أمرنا بالأخذ بكل الأسباب والتوكل على الله؛ ومعنى ذلك، أن نضع العزم أولاً، ولكن لكي نضع العزم ونتوكل على الله، لا بُدَّ وأن ننوي؛ لأنَّنا بمجرد أن نرغب فقد تولَّدَت لدينا النية، وحين نقرر تحقيق هدفٍ تتولد النية؛ لذا ينبغي علينا التعرُّف إلى النية؛ لأنَّ النية هي أعماق أفكارنا، والنية تُسبِّب ضميرنا، وضميرنا يسبِّب أحاسيسنا وسلوكنا، فالله سبحانه وتعالى ينظر إلى النيات، وينظر إلى النية في القلوب، وينظر إلى ضمائر الناس؛ لذا يجب على كل فردٍ منا قبل أن يبدأ بأي عملٍ يجب عليه أن يقول: “نويتُ أن آخذ بالأسباب وأتوكل عليك يا رب العالمين، ونويتُ الإيمان التام يا رب العالمين، ونويتُ طاعةً تامة، وإخلاصاً تاماً ووفاءً تاماً يا رب العالمين، ونويتُ أن آخذ بالأسباب كلها يا رب العالمين، ونويتُ التوكل عليك يا رب العرش العظيم”، ثمَّ يبدأ بالطريق إلى الامتياز، فالنية تسبق كل شيء.

10. التفاؤل:

لا يمكن للمؤمن أن يكون مؤمناً إلا إذا كان متفائلاً بأنَّ الله سيمنحه الخير؛ لأنَّ ربنا سبحانه وتعالى لا يُضيع أجرَ مَن أحسنَ عملاً، والمؤمن حين يضع نفسه في حيز الفعل، ويأخذ بكل الأسباب ويتوكل على الله عزَّ وجل في طاعةٍ تامة، ويحب في الله ولله، ويخلص لله، ويفي لله، بعد كل ذلك سيكون المرء على يقينٍ تامٍ أنَّ الله سبحانه وتعالى سوف يمنحه ما يريد.

11. الدعاء والذِّكر:

إنَّ الدعاء من أفضل العبادات التي يتقرب بها المؤمن من الله عزَّ وجل؛ بل لقد أخبر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام أنَّ الدعاء هو العبادة نفسها، فعن “النعمان بن بشير” رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة)، وكذلك الذِّكر، فالذِّكر هو زاد المؤمن في طريقه إلى الله سبحانه وتعالى، وأفضل الذِّكر عند الله عزَّ وجل قول: (لا إله إلا الله)، وقول: (الحمد لله في السراء والضراء)، فكلما وجدنا وقتاً علينا أن نملأه بذِكر الله عزَّ وجل، وشكره، وحمده، ودعائه، والثناء عليه، فيستمر بذلك الربط بيننا وبين الله سبحانه وتعالى.

شاهد بالفيديو: ما هي شروط وآداب الدعاء؟

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/Ph8o-WR8Yc4?rel=0&hd=0″]

ثانياً- الأخلاق:

إنَّ الأخلاق من أهم صفات المؤمن المطيع لله عزَّ وجل، والمخلص، والمُحب له، وبالأخلاق يستطيع المؤمن أن يتمكَّن من قلوب الناس، وأن يقنعهم بما يريد، وبالأخلاق يرى مصالح الناس قبل أن يرى مصلحة نفسه، وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى لرسوله العظيم عليه الصلاة والسلام: {وإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْم} [سورة: القلم، الآية، 4]، فلم يذكر الخُلُق فقط، وإنَّما ذكر الخُلُقَ العظيم، وأكَّد ذلك قول رسوله الكريم، حين قال: (إنَّما بُعِثتُ لأُتمِّم مكارم الأخلاق).

فيجب على المؤمن أن ينتبه دائماً لأخلاقه، وطريقة كلامه مع الناس، وأول درس في فن الاتصال مع الآخرين هو “عدم التعامل مع الناس بسلوكاتهم”؛ أي يجب الحرص دائماً على الفصل بين الشخص وبين سلوكه؛ لأنَّ هذا الشخص هو أفضل مخلوق عند الله سبحانه وتعالى، ونفخ فيه من روحه، وجعله خليفةً له في الأرض، وعندما يركز المؤمن على شخص، فيجب عليه أن يركز على الشخص نفسه، وأن يحاول تغيير سلوكه، ولتغيير سلوكه، يجب أن يبدأ المؤمن دائماً من نقطة الاتفاق وهي أعلى نقاط الاتصال التي نبنيها، وهي التوافق مع الآخرين، وفي حال اختلف مع شخصٍ ما، عليه بالتعاطف.

1. التعاطف:

عندما نتعاطف نصبح أنا وأنت في المكان نفسه، ولكن إذا لم يكن هناك تعاطف، لأصبح أحدنا ضد الآخر، فالتعاطف يجعل المرء متواصلاً مع الشخص، وبالتفكير والتركيز تُحَلُّ المشكلة، ومن الهام جداً في الأخلاق الاستماع والإنصات الجيد للشخص، ولعلَّ هذا هو السبب أنَّ الله سبحانه وتعالى وهبنا فماً واحداً وأذنين، لكي نسمع أكثر مما نتكلم “خير الكلام ما قلَّ ودلَّ”، فكلما كان المرء يستمع وينصت جيداً، يفهم مَن يستمع إليه أكثر، ويُقيِّمه بشكلٍ أفضل، ومن الجدير بالذكر هنا أنَّه يوجد فرق بين الاستماع والإنصات، فالسمع بالأذن، والإنصات بالقلب، والإنصات يولِّد الاهتمام، والاهتمام يولِّد الحب، وطالما ولَّدَ الحب فالإنصات من القلوب.

2. التبسم:

عن “أبي ذر” رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تبسُّمك في وجه أخيك صدقة)، عندما يبتسم المرء يرتاح الوجه ويسترخي، ومن ثمَّ يسترخي المخ، فتزداد كمية الأدرينالين -المادة التي تزيد من قوة جهاز المناعة- كما أنَّ الابتسامة معدية، فالشخص الآخر عندما يرى وجهك يبتسم ويرتاح ويسترخي فيبتسم هو الآخر.

3. العفو:

العفو عند المقدرة، فبمجرد أن يجد المرء نفسه قادراً على إنسان، إذن، فالله عزَّ وجل وضعه في اختبار، وطالما أنَّه مرتبط بالله سبحانه وتعالى، ويُحب في الله ولله، ويتعامل مع الناس بالخُلق الحسن، فهذا تحدٍّ، وإذا عفا، فسيجد أنَّ الله سبحانه وتعالى يعطيه أكثر مما يتخيل؛ لأنَّه وُضِعَ في اختبار، والناس جميعاً في امتحانٍ واختبارٍ وتحديات، وفي أثناء هذه التحديات تظهر أخلاق الإنسان، وهناك حكمة عربية تقول: (أعطِ الإنسان السلطة تعرف أخلاقه)، فبمجرد أن تضع الإنسان في موقف اختبارٍ، تُظهِر أخلاقه.

ثالثاً- وقل اعملوا:

إنَّ الله سبحانه وتعالى يريد منا أن نكتشف قدراتنا اللامحدودة التي بداخلنا، ويريد منا أن نكتشف هذا العقل البشري الذي وهبنا إياه بكل ما يحتويه من معجزات لا تخطر على بال بشر، ذلك العقل الذي أعطاه للإنسان لكي يُعظمه ويجعله فوق كثيرٍ من المخلوقات، كما توجد أربعة أسباب رئيسة من أجلها أعطانا الله نعمة العقل، وهذه الأسباب هي:

1. الاستدلال:

فبالعقل يستطيع الإنسان أن يستدل على الخالق عزَّ وجل بمعجزاته وخلقه، فعندما ينظر الإنسان إلى السماء، وعندما ينظر إلى الشمس ويفهم روعتها وقوَّتها والغرض من وجودها، ويرى النجوم، والطيور، والمطر، ويشعر بالرياح، ويرى ما في الأرض من مخلوقاتٍ ومعجزات، فيزداد إيماناً وحباً بالله سبحانه وتعالى.

2. المعرفة:

نحصل على المعرفة من المرسَلين والأنبياء، فنعرف أنَّ الخالق سبحانه وتعالى خلق كل شيء في هذا الكون من أجل الإنسان، وسخَّر له الشمس، والقمر، والرياح، والأمطار، والبحار، والنباتات، وأعطاه القدرة العقلية على البناء، والبقاء، والنمو، والتقدم، وبذلك أصبح الإنسان على معرفةٍ بالخالق وبما يريده الله عزَّ وجل من الإنسان، وهو العبادة، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَمَاْ خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّاْ لِيَعْبُدُوْن} [سورة: الذاريات، الآية: 56].

3. المهارة:

وهنا يصبح الإنسان ماهراً في استخدام العقل البشري، فينمو، ويتقدم، ويعرف من الأسباب والاختراعات وكيفية الدفاع عن النفس ما يؤمِّن له البقاء والمعيشة، فيزداد حباً وتعلُّقاً بالله عزَّ وجل.

4. الابتكار:

وهنا يصبح الإنسان قادراً على الابتكار الرائع، فكانت نتيجة هذا الابتكار هي صناعة الطائرات، والسفن، والصواريخ، وهذا التقدم العلمي والطبي، وهذا التقدم الهائل في المجالات كافةً، وهنا نجد المؤمنين يزدادون إيماناً، وحباً، وارتباطاً، وإخلاصاً للمولى عزَّ وجل، أما الآخرون فيزدادون فتنةً بالأسباب، فتصبح حياتهم ضنكاً ومليئة بالصعوبات والأمراض النفسية والعضوية، وكلما ازدادوا فتنةً بالأسباب، صعَّب الله عزَّ وجل عليهم الحياة.

للوصول إلى الحكمة، يجب أن يتعلم المرء كيف يستخدم هدية المولى عزَّ وجل في الحياة اليومية، وذلك من خلال ما يلي:

  • الرؤية الواضحة: هي شيء يريده الإنسان أكثر من أي شيءٍ آخر في حياته، ويرى نفسه بوضوح محقِّقاً لها ويعيش فوائدها، والشخص الذي عنده رؤيةٌ واضحة لا يريد أن يكون موضع هجوم أو حتى استهزاء من الآخرين؛ لأنَّه يرى رؤيته بوضوح، ويراها حقيقةً واقعةً، أما الآخرون فلا يرون ما يرى، ولا يدركون ما يدرك، ولا يعرفون ما يعرف، مثل كل الابتكارات والاختراعات التي نعيشها الآن في المجالات كافةً، سواء كان ذلك في الطب أو العمار، أو أي شيءٍ آخر. والرؤية هي الشعور والمعرفة واليقين بأنَّ أي شيء يريده الإنسان سيتحقق بإذن الله، وهذه هي نهاية المطاف، أما الأهداف فهي الخطوات المؤدية إلى الرؤية، وعموماً فالهدف ينتهي بمجرد تحقيقه.
  • الغاية: دون الغاية تصبح الرؤية ضائعةً، ولكي يكون الهدف مستمراً في الزمن، ولكي تكون الرؤية واضحةً تماماً، فلا بُدَّ أن يكون المرء مرتبطاً بغايةٍ ليكون نجاحه مستمراً في الدنيا والآخرة، ويجب أن تكون الغاية روحانيةً ومرتبطةً أساساً بالله عزَّ وجل، فالغاية هي القيمة العليا التي تجعل الرؤية أقوى وأوضح وأسهل في التركيز، والتقييم، والوصول إلى تحقيق الهدف.
  • الغرض: دون الغرض لا توجد رؤية، ودون الرؤية لا يوجد مورد للغاية، ودون الغاية لا يوجد الغرض، فيجب أن تكون الرؤية، ثمَّ الغاية، ثمَّ الغرض.
  • الأهداف: كما وضَّح الكاتب آنفاً، فالأهداف هي تجزئة الرؤية، فكل هدف يُبنَى عليه الهدف الذي يليه، وكل هدف يخدم الرؤية، ولكي يحقق المرء هدفاً متزناً يجب عليه في كل مرة تحقيق شيءٍ لا يضيع منه، لذلك يتوجب عليه المعرفة، ثمَّ أخذ هذه المعرفة ووضعها في حسبانه حتى تصبح مهارةً؛ حيث إنَّ المعرفة تعني أنَّ المرء يعرف المعلومات، بينما المهارة: هي معرفة المرء كيفية تسخير هذه المعلومات واستخدامها. ولكي يكون لدى أي شخص المعرفة والمهارة المتكاملة، يجب أن يُحقق أربعة أقسام أساسية:
    1. القراءة: وهنا قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {اقرَأ} [سورة: العلق، الآية: 1]، وكانت هذه أول آيةٍ نزلَت على الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي “جبريل عليه السلام”، وقال: {اقرَأ}، ولكن، ماذا نقرأ؟ الجواب بكل بساطة، تقرأ القرآن الكريم؛ لأنَّه يكون معك في الدنيا والآخرة إذا كنتَ من أهله، لذلك عليك أن تقرأه وتفهمه، وتكون ماهراً فيه، وتُعلِّمه للآخرين، وبذلك يكون التعليم والمعرفة مستمرين في الزمن إلى آخر يومٍ في هذه الحياة. فالمعرفة تبدأ بالقراءة، لذلك ابدأ بالقراءة واقرأ على الأقل 20 دقيقة يومياً، وبذلك تُنمِّي قوة ذهنك، وقوة تفكيرك، وقوة إدراكك، وقوة تركيزك، وقوة انتباهك، وقوة أحاسيسك، وتصبح عندك معرفة في منتهى الروعة.
    2. الاستماع: المهارة المتكاملة يجب أن تلمس بها الحواس الخمس؛ لذلك عندما تسمع بعض الأشرطة السمعية أو الأقراص الإلكترونية، فأنت تُقوِّي حاسة السمع، وعندما تسمع المعلومات أكثر من مرة تصبح ماهراً فيها، وعندما تتكلم عنها بطلاقةٍ تزداد مهارةً؛ لذا اسمع لو شريطاً واحداً أو قرصاً إلكترونياً واحداً يومياً.
    3. المشاهدة: لكي تطوِّر مهاراتك البصرية، يجب أن تشاهد بنفسك على شاشات العرض، وترى حركاته وتعبيرات وجهه، وتحرُّكات جسمه، وتنفُّسه وأسلوب إلقائه، ونبرة صوته، وحدَّته، وقوَّته؛ لأنَّ الإنسان يفكر في الصور.
    4. التحضير: وهناك شيء آخر هو أن تكون موجوداً وحاضراً على الأقل؛ لأنَّه عندما تحضر بنفسك، تكون مع مجموعاتٍ من الناس تريد أن تنمِّي مهارتها وتتقدم وتنمو في الحياة بطريقةٍ إيجابية، ومن الممكن أن تتعرَّف إلى بعض الناس الإيجابيين، وتكون لك طاقة إيجابية تساعدك على التقدم والنمو في تحقيق أهدافك، والوصول إلى الرؤية.
  • الفعل الاستراتيجي: الفعل هو الذي يفرق بين النجاح والفشل، وبين السعادة والتعاسة، وبين التقدم والوصول إلى القمة، أو القعود عن الوصول إليها. الفعل لا يفصل بين الكلام وبين الحقيقة، وبين الخيال والحلم الخيالي، وبين الخيال والحلم الذي يتحول إلى الواقع. والفعل الاستراتيجي يتألف من خطواتٍ عدَّة وهي:
    1. التخطيط.
    2. التقييم.
    3. التعديل.
    4. التعلم.

وهناك أناس لم يقوموا بهذه الخطوات التالية، مع أنَّهم يضعون أنفسهم في الفعل الاستراتيجي ويستمرون بكل قوةٍ وحماس، وعندما يصلون إلى نهاية الطريق يجدون أنَّهم لم يحققوا أي شيء؛ لأنَّهم لم يدركوا أنَّ الطريق التي يسلكونها ليست هي الطريق الصحيحة للوصول إلى القمة، فيبدؤون بالشكوى والشعور بالإحباط، وترك الرؤية بما فيها الغاية والغرض والهدف؛ لأنَّهم شعروا أنَّهم بعيدون عنها، وأنَّ ما يفعلونه يجعلهم يفشلون، وفي الحقيقة هذا الفشل لازمٌ للنجاح، وهو ليس فشلاً، ولكنَّه تجربةٌ وخبرة ومهارة.

وفي الطريق إلى الامتياز توجد عوائق أساسية تبعد المرء عن المضي قدماً في هذه الطريق، وهذه العوائق هي:

1. الشيطان الرجيم:

وهو من حلفَ بعزَّة المولى أن يُبعدنا عن الطريق المستقيم، وقال: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيْم} [سورة: الأعراف، الآية: 16]، واستراتيجية الشيطان تتكون من ثلاثة أجزاء رئيسة هي:

  • الجزء الأول: هي إيقاع المرء في الشرك بالله -لا قدر الله- ومن ضمن أنواع الشرك التي يقولها بعض الناس دون علم ودون أن يعرفوا ما يفعلون فيقولون: “توكَّلتُ على الله وعليك” وهذا شرك؛ لأنَّ المرء عطف بهذه الواو شخصاً فأصبح هذا الشخص في المستوى نفسه الذي تتوكل عليه سبحانه وتعالى، والشرك بالله يُبعِد المرء تماماً عن هذه الطاقة الروحانية؛ لأنَّه أصبح ضائعاً في المادة وفي الدنيا.
  • الجزء الثاني: إن لم يستطع الشيطان أن يوقِع المرء في الشرك، فإنَّه يجعله يبتعد عن الطاعة، فالشيطان قد يُلبس باطله ببعض الحق، فمثلاً: عندما يصلي المرء، من الممكن أن تأتي إليه أيَّة فكرة عن أهدافه، وعن أحلامه، وكيفية تحقيقها، فهذا تفكير إيجابي، ولكن ليس هذا وقته؛ لأنَّه في حضرة المولى عزَّ وجل، والشيطان يبعد المرء عن الطاقة الروحانية والارتباط بالله سبحانه وتعالى، ويجعله يركز في أهدافه وأحلامه، ونقوده، ويخيفه من الحياة، ويجعله يبتعد ويشعر بعدم الأمان.
  • الجزء الثالث: يُشتِّت الشيطان طاعة المرء ويجعله يشك بها، كما يمكن للمرء أن يكتسب من الشيطان بعض الصفات، كالغرور مثلاً، فقد يُصاب المرء بالغرور لأنَّه حقق شيئاً لم يحققه الآخرون، وبين الغرور والثقة فرقٌ بسيطٌ جداً، فالشخص المغرور لا يرى إلا نفسه فيقع في مطبات الذات السفلى، ويتكلم دائماً عن نفسه، وتكون كلمة أنا عنده عاليةً جداً، والإنسان المغرور يرى الناس أقل منه، أما الشخص الذي يثق بنفسه هو شخصٌ متواضع وشخصٌ بسيطٌ جداً، ويثق ويصل إلى كل البشر.

2. الاعتماد على التكنولوجيا:

الاعتماد على التكنولوجيا، والاعتقاد أنَّ هذا هو النجاح، أو أنَّ هذه الأسباب هي التي مكَّنت الإنسان من النجاح، ويجب على المرء أن يكون حريصاً جداً من هذا التقدم السريع أو الضياع فيه، فكلما وجد المرء اختراعاً يساعده على التقدم، يجب عليه أن يرجع في الحال إلى مسبب الأسباب الذي أعطاه القدرة على التفكير وعلى الابتكار فابتكر ذلك، وعندها وجَبَ عليه شكر المولى عزَّ وجل وحمده والتوكل عليه؛ لأنَّه سبحانه من سخَّر له الأسباب، وبذلك يكون المرء طائعاً للمولى عزَّ وجل.

3. الوعود الكاذبة:

يجب على المرء ألا يعطي وعداً لأي إنسان إن لم يستطع أن يوفي بوعده، فهذا مقتٌ وكذبٌ كبير عند الله عزَّ وجل، وعندما يَعِدُ المرء، لا بُدَّ أن ينفذ وعده.

4. الكذب:

يجب ألا يكذب المرء على أي شخصٍ في الحياة مهما كانت الظروف أو التحديات، وألا يقل إلا الصدق، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كانوا يسمونه: الصادق الأمين، فهو كان صادقاً فيما يقول، وأميناً في تعاملاته مع الناس.

5. عدم الصبر:

إن لم يصبر المرء، فلن ينال أي شيء، فالصبر خير ولكن بشرط الأخذ بكل الأسباب والالتزام والاستمرار في هذا الالتزام مهما كانت الظروف، ومهما كانت التحديات.

6. الالتزام:

الالتزام هو منتهى القوة فهو ما يجعل المرء:

  • يستيقظ عندما يريد أن ينام.
  • يهتم بصحته وهو لا يريد فعل أي شيء.
  • يقرأ وهو لا يشعر أنَّه يريد القراءة.

الالتزام هو أن يكون المرء ملتزماً لهذا الفكر، وأن يكون قوياً بهذا الفكر، ولا يتركه إطلاقاً مهما كانت الظروف.

7. الإصرار:

الإصرار هو الشيء الذي يجعل المرء مصراً على الالتزام، فلا يتركه مهما كانت الظروف.

8. الانضباط:

الانضباط هو الاستمرارية في الشيء، فالانضباط يزيد الإصرار قوةً، والإصرار يزيد الالتزام قوةً، وهؤلاء الإخوة الثلاثة، الالتزام، والإصرار، والانضباط يجعلون المرء لا يترك هدفه مهما كانت الظروف، ولا يترك رؤيته مهما كانت التحديات، ومهما كان الشيء فهو ملتزم ومصرٌ عليه، ومنضبطٌ فيه،

وفي الطريق إلى الامتياز يجب أن يتحلى المرء بالمرونة التامة، وهي أن يكون مرناً في الحياة، فمن الممكن أن يكون المرء ملتزماً بشيء ومصراً عليه، ومنضبطاً فيه، ولكنَّه يسير في الطريق الخطأ وينسى طريق الصواب.

في الختام:

الطريق إلى الامتياز هو الطريق إلى الله، والأسباب هي من مسبِّب الأسباب، والإمكانات من القدرات، فلا يُفتن الإنسان بإمكاناته، ولا يُفتَن الإنسان بأسبابه، ولكن يعرف أنَّ صاحب القدرات هو الذي أعطانا القدرات لكي نحصل بها على الإمكانات، والنصيحة الأخيرة لكلٍ فردٍ منا: “عش بالتطبع بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسل والأنبياء والصالحين، ثمَّ عش بالكفاح، وعش بالفعل، وعش بالالتزام، وعش بالصبر، وعش بالمرونة، وعش بالاستمرارية، وعش بالحب والأمل، وأخيراً قدِّر قيمة الحياة”.

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!