كثيرا ما نرى مواقف لأسر لديها أطفال و يقوم أحدهم بسلوك سئ أو يتلفظ بلفظ غير لائق فنجد إن الأسرة تستغرب جدا من هذا لأن الذي فعله طفلهم جديد عليهم و هم لا يعرفوا من أين أتى بمثل هذا السلوك أو اللفظ , و الإجابة ستكون واضحة و ربما أيضا صادمة لأن أطفالنا مثل الإسفنجة أينما توضع تمتص ما حولها فلو فكر الوالدين قليلا أين يتركوا طفلهم ستتضح لهم الصورة , فالطفل يتربي في الأسرة ثم ينطلق منها لأماكن أخرى يتلقى من خلالها سلوكيات و عادات و غيرها و هذه الأماكن و المصادر هي:
أولا: البيت:
أجمع علماء التربية و علم نفس الطفل أن البيت هو أقوى مؤثر في سلوك الطفل و منه يأخذ مبادئه و عاداته و ذلك بحكم إلتصاق الطفل به و قضائه وقتا طويلا فيه فهو أول من يتسلم خامة الطفل و يؤثر في تشكيلها , هذا و يساعد الترابط الأسري في بناء شخصية الطفل و إحترامه لذاته ففي دراسة نشرت مؤخرا وجد أن 60 % من الطلاب الذين يجلسون مع كامل أفراد الأسرة على الأقل 4 مرات أسبوعيا يصبحوا أفراد متمتعين بالقبول و الإحترام في مجتمعهم , و الأسرة كذلك تكون أقوى إرتباطا و تمسكا , فكما ينصح ا. كريم الشاذلي في كتابه الآن أنت أب : و يعينك في التأثير على ولدك أن تجعل العلاقة بينك و بينه قوية متينة عميقة فحين يكون الطفل محبا لوالديه متعلقا برضاهما عنه يكون وزن البيت في حسه أثقل من وزن الشارع فيستطيع البيت أن يصلح ما أفسده الشارع كله أو بعضه , وهذا يضع في أعناقنا كمربين أمانة مراقبة تصرفاتنا داخل البيت لأن محاكاة الطفل لما يراه و تعلقه به تكون أكبر مما نتوقعه بكثير و منا يستقي صفاته التي تلازمه وقتا غير هين من الزمن.
ثانيا: المدرسة:
و تأثير المدرسة لا يمكن تجاهله و قد تحتل المدرسة كذلك المرتبة الأولى في التأثير على الطفل إذا لم يقم البيت بدوره التربوي , و خطورة المدرسة تتأتى من أنها تحتوي على المدرسين و المدرسات الذين لا يقلون أهمية عن الآباء و الأمهات من الناحية التثقيفية و زرع القيم و الأخلاق , و أيضا لوجود الأصدقاء الذين يلعبون دورا بارزا في نفسية الطفل , و كذلك لأن الطفل يقضي بالمدرسة وقتا ليس بالقليل , و يجب على الأسر ألا تترك أطفالها للمدرسة تركا كاملا بل يجب أن يتابعوا حركتهم و يزوروا المدرسة و يجلسوا مع أساتذتهم و يناقشوهم في مستواهم التعليمي و يشاركوهم في مهمة تنشئتهم و تعريفهم بمهاراتهم و ما ينقصهم , و يحاول الوالدين أن يعدلوا للطفل بعض المغالطات التي سوف يتلاقها من المدرسة سواء من أصدقائه أو – للأسف – من بعض مدرسيه الذين لا يدركون عظم حجمهم التربوي و قيمتهم التثقيفية لدى النشء.
ثالثا: المجتمع:
و هو من المحاور التي لا يمكن تجاهلها في التأثير على الطفل , و إن كنا نستطيع أن نوفر مناخا نرضي عنه في بيوتنا إلا أن المجتمع و الشارع – كجزء هام منه – الذي نتعامل معهما بالتأكيد فيهما ما لا نرضى عنه , و نخشى على أبنائنا منه , فماذا عسانا أن نفعل؟ و هل الصواب أن نطلقه ينخرط في المجتمع بإشكالاته و أمراضه المعروفة لدى كل ذي عينين أم نغلق عليه الباب و نحيطه بحاجز لحمايته و المحافظة عليه؟
يجب ان نعرف إن حجز الطفل و حصاره خطأ كبير يحد من قدرته على التواصل الجيد مع الغير و يعمل على إعاقة نموه النفسي و الإجتماعي و الوجداني و ربما يصيبه بالعزلة و الخجل و يزعزع من ثقته بنفسه , و الحل هو أن ينخرط في المجتمع و يتواصل معه مهما بدا ذلك لكم صعبا أو مقلقا غير أنكم يجب أن تكونوا معه تسلحوه بما يحتاجه من مهارات و أخلاق يتعامل بها مع مجتمعه و تزيل عنه ما قد يعلق به من شوائب , بل تستطيعوا أن تستخدموا النماذج السيئة في تعزيز النماذج الحسنة , فتشرحوا له كيف أن الطفل الذي يسب و يشاغب لا يحبه أحد و ينفر منه الجميع و كيف أن فلانا المشهور بكذبه و غشه قد سجن أو تعرض لعقاب ما , بل و ستروا بأنفسكم أثر تعهدكم و تربيتكم لطفلكم إذ سوف ترونه يستقبح القبيح و يستحسن الحسن معتمدا على المعايير التي زرعتوها فيه و هذا سيقر عيونكم بالتأكيد.
و في النهاية نتمنى أن تكونوا إستفدتم من هذه النصائح التربوية و للمزيد تابعونا في قسم تربية الأبناء و أنصحكم بقراءة هذا المقال بعنوان: “لا تظلم طفلك الجزء الأول” , و انتظرونا في الجزء الثاني من المقال الذي يتحدث عن التلفاز و الشاشات وتأثيرها على أطفالنا و لا تنسوا أن تشركونا بتجاربكم وتعليقاتكم و أيضا أسئلتكم.