‘);
}

نشأة علم النحو العربي

سبقت مدينة البصرة المدن العراقيّة الأخرى بدراسة النحو والصرف؛ إذْ كانت تقع على الطريق التجاري الذي كان يربط بين الدول، وساعد موقعها هذا على جعلها مركزاً للكثير من القوميّات التي تتحدث لغات مختلفة، وعندما جاء الإسلام ودخلت تلك الشعوب به، أضحى تعلّم لغة القرآن الكريم حاجة ضرورية ليستطيع هؤلاء القدرة على قراءة آياته، وفهم مفرداته ومعانيه وأحكامه، فعكف المسلمون على تعليم هذه الشعوب اللغة العربيّة، واستعانوا على ذلك بالجلسات التي كانت تُعقد في المسجد الجامع، وسوق المربد التي كان يأتي إليه الشعراء والخطباء العرب القادمين من البادية من أصحاب اللغة الفصيحة؛ مما أعان العلماء على تفسير الآيات القرآنيّة، وتوضيح الغريب من ألفاظها ومعانيها، وكان لهذه المجالس الأثر الكبير في جمع اللغة العربية وإثراء مفرداتها ومعانيها، كما ساهمت في تتبّع الظواهر الصوتيّة والنحويّة والصرفيّة لهذه اللغة ومقارنتها بالقراءات التي جاء بها القرآن الكريم.[١]

نشأ علم النحو في بداية الأمر بسيطاً شأنه شأن العلوم الأخرى، وقد لاقى استحساناً لدى الناس، فأقبلوا على دراسته والاستفادة منه لتجنّب آفة اللحن التي أصابت ألسنتهم، لا سيما الشعوب الأعجميّة للأسباب التي ذُكرت سابقاً، إضافة إلى رغبتها في رفع شأنها بين العرب، فأخذت هذه الشعوب في دراسته والتزوّد من علمه حتى نبغ منهم الكثير من العلماء الذين عكفوا على دراسة اللغة والتدوين والتأليف، إلى الحدّ الذي أُطلق عليه في فترة من الزمن علم الموالي، وفي العصر الأموي كان هذا العلم يتطوّر ويتوسّع سريعاً حتى اكتمل ونضج، وما إن بدأ العصر العباسي حتى أصبح علماً مستقلاً يُدرّس على نطاق واسعٍ بين العراقيين في مدينتيّ البصرة والكوفة، وقد مرّ هذا العلم في نشأته كسائر العلوم الأخرى بأطوار عدّة ستُذكر بالتفصيل.[٢]