‘);
}

مَحْو التوبة النصوح ما قَبلها

تَجُبُّ التوبة النَّصوح ما قبلها من الذنوب والخطايا وتمحوها؛ لِما ورد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (الإسلامُ يَجُبُّ ما قبلَه والتوبةُ تَجُبُّ ما قبلَها)؛[١] أي أنّ التوبة النَّصوح تُكفِّر ما قد بَدَر من التائب مِن الذنوب والمعاصي، وغيرها من أسباب ترتُّب السيِّئات،[٢] وقد يكون حال المؤمن بعد التوبة أفضل من حاله قَبلها؛ لأنّ الله -تعالى- يُقابل توبتَه النَّصوح بالتكفير والغُفران، فإن انكسرَ بين يَدَي ربّه، وأظهرَ افتقاره إليه، ثمّ لَزِم العمل الصالح وداومَ عليه، كافأه الله بتبديل سيِّئاته حَسَناتٍ، وذلك أعظم ما يناله العبد؛ قال -تعالى-: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)،[٣] وقد يَصِل التائب إلى درجة السابقين إن داومَ على أداء الفرائض، وحَرِص على النوافل، وانتهى عن المَكاره والمُباحات،[٤] وقد جاء عن الحسن البصريّ أنّ التوبة الصادقة تَجُبُّ ما سبقَها من الخطايا والذنوب، وتتحقّق عندما يكره العاصي ذَنْبه كما أحبَّه يوماً، مع الاستغفار عند تذكُّره.[٥]

وتجدر الإشارة إلى أنّ التوبة النَّصوح تمحو الأثر السيّئ للذنوب أيضاً، وتُزيل ما عَلِقَ في القلوب؛ فيلقى العبد رَبَّه -عزَّ وجلَّ- يوم القيامة وقد غُفِرت ذنوبُه؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّـهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)،[٦] وقال عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- إنّ الله يُكرم عبدَه التائب بإلقاء النسيان في قلوب من شَهِدوا ذلك الذَّنب؛ فيُنسي الحَفَظَة من الملائكة ما سَجّلوه في صحيفة العبد من الذنوب، ويُنسي جوارحَه ما اقترفَته من الآثام حتى يأتيَ العبد التائب إلى رَبّه يوم القيامة دون شُهودٍ يشهدون على ذَنْبه وعِصيانه،[٧] وقد قال الله -تعالى- في آيةٍ أخرى: (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)،[٦] وفيها يُرتّب الله وعدَه بالمغفرة على التوبة النَّصوح، مِمّا يدلّ على تحقُّق ما وعد الله به التائبين عند إخلاص النيّة في التوبة، فقد قال رَبّ العزّة في آية أخرى: (وَإِنّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهتَدى)،[٨] وفي الآية دلالةٌ على تحقُّق موعود الله بالغُفران لِمَن تاب توبةً نَصوحةً، وآمنَ، ولزمَ العملَ الصالح.[٩]