بول إيدن* – (أحوال تركية) 1/3/2020

يُشير تصنيف القوة العسكرية للعام 2020 إلى أن مصر تملُك قوة عسكرية أكبر من التي تملكها تركيا. وهذا التصنيف العسكري الجديد مهم، لأنه يأتي في وقت يشهد خلافاً بين البلدين بسبب الاتفاق البحري التركي الليبي، وتنفيذ تركيا أنشطة تنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص، بينما يتواصل الصراع في ليبيا.
وفقاً للتصنيف الذي يتحدد بناء على 50 عاملاً لتقدير حجم القوة العسكرية لكل بلد، فقد تقدّمت مصر على تركيا بثلاثة مراكز منذ العام الماضي؛ حيث أصبحت تملك تاسع أقوى جيش، بينما تراجع تصنيف الجيش التركي من المركز التاسع إلى المركز الحادي عشر.
في الحقيقة، لدى مصر وتركيا جيشان قويّان جداً وفقاً للمعايير الإقليمية. وقال عوديد بركوفيتز، نائب مدير المعلومات الاستخباراتية لدى (ماكس سيكيوريتي)، وهي شركة معلومات استخباراتية تتخذ من إسرائيل مقرّاً لها، أن “القوة العسكرية نقطة مرجعية مهمة، لكنني شخصيّاً أعتقد أنه لا يجب أخذها على ظاهرها”.
وأضاف: “مثل أي مؤشر أو تقرير واسع النطاق، فإنه (التصنيف) بطبيعته لا يراعي الفروق الدقيقة… هذا لا يتعلق فقط بتركيا مقارنة مع مصر، ولكنه ينطبق على القائمة بالكامل”.
ويرى بركوفيتز أن من الصعب إعداد هذه التقييمات؛ حيث إن هناك عوامل عدّة يمكن أن تتغير من حالة إلى أخرى بناء على البلد محل التقييم، والموقف الجيوسياسي في ذلك الوقت، وغير ذلك من العوامل، وهكذا.
في هذا السياق، يرى بركوفيتز أن الوضع الحالي في ليبيا فريد من نوعه؛ حيث تدعم كل من مصر وتركيا طرفاً مختلفاً من طرفي الصراع. ففي ليبيا، تُقدّم تركيا الدعم العسكري المباشر لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، بينما مصر أحد الداعمين للجيش الوطني الليبي الذي يتّخذ من طبرق في شرقي ليبيا مقراً له.
وقال بركوفيتز: “ما تزال مصر وتركيا تدعمان في الخفاء -إلى حد ما- الطرفين المتناحرين في الصراع منذ أعوام، إلى أن أدركت أنقرة أن مصالحها والطرف الذي تدعمه باتا في خطر. ودفع هذا، إلى جانب عوامل أخرى، تركيا نحو التدخل العسكري المباشر”.
وأضاف أنه بالنظر إلى عدم وجود عوامل مشابهة في الصراع قد تضطر مصر إلى تبني إجراءات مباشرة على النحو الذي فعلته تركيا، “فإن المعادلة تمثّل تدخلاً عسكرياً مباشراً (من جانب تركيا) تقابله مساعدة عسكرية غير مباشرة وخفيّة (من جانب مصر)، وهو الأمر الذي يجعل هذه المعادلة غير متوازنة بطبيعتها”.
وأكد بركوفيتز أيضاً أن كل مسرح صراع بحاجة إلى تدقيق وتقييم في سياقه، إلى جانب الموقف الجيوسياسي الأوسع نطاقاً.
وقال: “على سبيل المثال، أصبحت تركيا الآن في حالة توسع عسكري إلى حد ما، حيث أنها متورّطة في صراعين خارج حدودها (في سورية وليبيا)، بالإضافة إلى حملتها الداخلية ضد القوات ذات الأغلبية الكردية”.
وبناء على هذا، فإن قدرة تركيا على إبراز قوتها العسكرية خارج حدودها تجعلها تعاني من الضغوط في الوقت الحالي.
وأشار بركوفيتز إلى أن “قدرة مصر على إبراز قدراتها خارج حدودها في الدول المجاورة محدودة أيضاً، لكن لديها، إلى حد ما، قدر أكبر من الحرية التي تمكّنها من فعل ذلك، نظراً لكون التزاماتها العسكرية الحالية أقل”.
أصبحت مصر وتركيا خصمين كبيرين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ تموز (يوليو) 2013، عندما أطاح انقلاب عسكري في مصر بالرئيس السابق محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، والذي كان مدعوماً من أنقرة والرئيس رجب طيب أردوغان.
وبعد الانقلاب، انتُخب عبد الفتاح السيسي -الذي كان قائداً للجيش ووزيراً للدفاع وقت الإطاحة بمرسي- رئيساً للجمهورية. وشن السيسي حملة على جماعة الإخوان المسلمين بدعم من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
تقول نيرفانا محمود، وهي معلّقة مستقلة متخصصة في قضايا الشرق الأوسط، “إن مصر تشعر بالتأكيد بأنها مهددة، ليس فقط بسبب الدعم التركي للإخوان المسلمين، ولكن أيضاً بسبب طموحات تركيا الإقليمية، خاصة في شرقي المتوسط وليبيا”.
وتضيف: “تشعر مصر بأن أيدي تركيا موجودة في كل مكان، بداية من دعم أردوغان لحركة حماس، ووصولاً إلى طموحاته التوسعية في أفريقيا ودعمه العلني لحكومة غربي ليبيا”.
وتقول إنه في ظل الأوضاع في المنطقة، حيث معظم الدول إما ضعيفة أو فاشلة، “ترى القيادة المصرية في قوتها العسكرية خط الدفاع الرئيس في مواجهة الطموحات الإقليمية للقوى الأخرى في الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص تركيا وإيران”.
وأشار ليفانت أوزغول، المحلل المقيم في أنقرة ومؤسس شركة “بلوميلانج” للاستشارات، إلى أن مصر وتركيا “بلدان قويّان عسكرياً، نظراً لتاريخ قواتهما المسلحة الممتد، وثقافتيهما العسكرية، وتعداد سكانهما الكبير”.
وقال إن الجيش التركي قائم إلى حد كبير على القوة البريّة ولديه قدرات نارية هائلة، وعدد من الطائرات المسيّرة، وأسطول ضخم من طائرات الهليكوبتر ومعايير لوجيستية عالية المستوى بوصف تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي -وهي ما تزال تمتلك ثاني أكبر جيش في الحلف من حيث الحجم. ولدى تركيا أيضاً أسطول من السفن الحربية المزودة بصواريخ فتّاكة مضادة للسفن، وغواصات، وقوة جوية تضم طائرات دعم مهمة، على الرغم من تهالك تلك القوة الجوية.
وأضاف أن الجيش التركي “يعتمد بشكل كبير على الحرب البريّة واستخدام العربات المدرّعة والدبابات القديمة المحدّثة، إلى جانب مدافع من طراز “فيرتينا 155/52″ والصواريخ المضادة للدبّابات”.
وفي المقابل، أجرت مصر تطويراً جوهرياً لقواتها الجوية وبحريتها “عبر جهود سريعة ومكثّفة للتحديث” خلال الأعوام الأخيرة، من خلال صفقات شراء الأسلحة من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا.
ولدى مصر سفينتان من طراز “ميسترال” الهجومية البرمائية اشترتهما من فرنسا، بينما لم تدشّن تركيا بعد أول سفينة هجومية برمائية من إنتاجها، وهي السفينة “تي. سي. جي أناضولو”.
وأشار أوزغول إلى أن تركيا واجهت صعوبات في تحديث أسطولها من السفن القتالية؛ حيث أضافت أربع سفن جديدة فقط إلى بحريّتها في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة.
غير أن أوزغول قال “برامج الغوّاصات مهمة جداً لتركيا. وقد حققت قفزات في قدرات غوّاضاتها في شرقي المتوسط”.
ولم تتسلم القوات الجوية التركية أيضاً أي طائرات مقاتلة جديدة في الأعوام الاثني عشر الماضية. ويقول محللون أيضاً إن القوات المسلحة التركية قد “عفا عليها الزمن”؛ حيث تستخدم دبابات أميركية الصنع من طراز “إم-60” وأخرى ألمانية الصنع من طراز “ليوبارد تو. ايه. فور. إس”.
وقال أوزغول إن مصر تمتلك في المقابل أكثر من ألف دبابة قتالية من طراز “إم-1 وإيه-1 أميركية الصنع، إلى جانب دبابات روسية الصنع من طراز “تي-90. إم. إس”، وإن الطرازين “أحدث كثيراً من أسطول الدبّابات التركية”. وتمتلك مصر طائرات الأباتشي أميركية الصنع، بينما لدى تركيا طائرات هليكوبتر هجومية أميركية الصنع من طراز “سوبر كوبرا” الأقل تقدماً، حتى مع أنها مُحَدّثة.
وخلال الأعوام القليلة الأخيرة، دعّمت مصر قوتها الجوية تدعيماً جوهرياً من خلال شراء طائرات “رافال” المتقدمة والمتعددة المهام من فرنسا، وطائرات “ميغ-29 فولكروم” المقاتلة من روسيا.
وقال أوزغول أن مصر تتمتع أيضاً “بميزة جيوسياسية كبيرة” مقارنة مع تركيا في البحر المتوسط. فالقوات الجوية التركية مقيّدة بشكل كبير وغير قادرة على إرسال دوريات جوية قتالية فوق الجزء الأكبر من هذا البحر، لا سيما فوق المياه الليبية، بالنظر إلى قدرتها المحدودة على تزويد الطائرات بالوقود في الجو.
وفيما يتعلق بقدرة تركيا على تحقيق التفوق الجوي خارج حدودها، فإنها تواجه أيضاً معوّقات كبيرة. وكان شراؤها صواريخ الدفاع الجوي الروسية طراز “إس-400” سبباً دفَع الولايات المتحدة إلى تعليق بيع الطائرات المقاتلة المتقدمة من طراز “إف-35” لأنقرة. ويعني هذا أنه قد لا يكون لديها أي طائرات مقاتلة تستطيع أن تستخدمها مع “تي. سي. جي أناضولو”، التي لا تناسبها سوى الطائرات القادرة على الإقلاع العمودي.
في الوقت نفسه، يقول محللون إن صوارخ “إس-400” التي اشترتها تركيا من المرجّح أن تُستخدم فقط للدفاع عن أنقرة.
وقال أوزغول: “ليست هناك فرصة لأن تُقْدِم تركيا على نشر صواريخ (إس-400) على ساحل شرقي المتوسط بسبب الاحتجاجات الشديدة من جانب حلف شمال الأطلسي”. وأضاف أن بطاريات أنقرة الأربع ليست عدداً يُذكر إذا كان الأمر يتعلق بالدفاع عن المجال الجوي التركي بالكامل.
على الجانب الآخر، لدى مصر عدد أكبر بكثير من الصواريخ الدفاعية، أبرزها صواريخ “إس-300” روسية الصنع وصواريخ “باتريوت” أميركية الصُنع.
في الوقت نفسه، يحتاج إنتاج أنظمة صاروخية محلية في تركيا إلى الوقت والتقنية والكثير من المال، وفقاً لما يراه أوزغول. وقال إن “شبكة الدفاع الجوي المصرية هي بذلك أكثر قدرة بفارق كبير من شبكة الدفاع الجوي التركية”.
كما أن غالبية الطائرات التركية من طراز “إف-16” ليست محدّثة. ويقول بعض المحللين إن تركيا تعاني أيضاً من نقص في الطيّارين القادرين على الطيران بجميع هذه الطائرات نتيجة لعمليات التطهير الكبيرة التي لحقت بصفوف الجيش في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز (يوليو) 2016. وأيضاً، من غير المرجح أن يرى مشروع طائرة الجيل الخامس المقاتلة (تي.إف-إكس) النور في المستقبل المنظور.
بينما يمتلك البلدان جيشين قويين جداً، فقد يثبُت قريباً أن الجيش المصري خصم ذو بأس شديد وعقبة كبيرة أمام الأهداف التركية في منطقة شرقي المتوسط وليبيا وغيرهما.

*صحفي مقيم في شمال العراق.