«أمم متعاقدة من الباطن» معرض جماعي في رام الله: تحجيم دور الدولة التقليدي وتقليص التزاماتها

رام الله ـ «القدس العربي» من وديع عواودة: بدأت مؤسسة عبد المحسن القطان باكورة نشاطاتها، في مقرها الجديد في مدينة رام الله، بمعرض فني جماعي تحت عنوان «أمم متعاقدة من الباطن». ويشمل المعرض نحو 53 عملا فنيا لأكثر من 60 مشاركا من الفلسطينيين والأجانب ويستمر حتى نهاية أيلول/سبتمبر.

Share your love

«أمم متعاقدة من الباطن» معرض جماعي في رام الله: تحجيم دور الدولة التقليدي وتقليص التزاماتها

[wpcc-script type=”a6be249850807966252992cf-text/javascript”]

رام الله ـ «القدس العربي» من وديع عواودة: بدأت مؤسسة عبد المحسن القطان باكورة نشاطاتها، في مقرها الجديد في مدينة رام الله، بمعرض فني جماعي تحت عنوان «أمم متعاقدة من الباطن». ويشمل المعرض نحو 53 عملا فنيا لأكثر من 60 مشاركا من الفلسطينيين والأجانب ويستمر حتى نهاية أيلول/سبتمبر.
يسعى المعرض، الذي تتنوع محتوياته بين الفنون الكلاسيكية والعصرية إلى إماطة اللثام عن أسئلة حول المفاهيم المختلفة للأمة، حيث نشهد في وقتنا الحالي تحولات كبيرة في هذه المفاهيم، ونتلمسها من خلال التغييرات في الخطاب السياسي المحلي والعالمي.
يقول القيّم على المعرض يزيد عناني إن المعرض يستمد عنوانه ومحتواه من خلال سبر غور موضوع الانتشار المتسارع لعمليات التعاقد بين الدول والقطاع الاستثماري الخاص سواء كان التعاقد للخدمات الصحية أم خصخصة الموارد العامة بما في ذلك التعليم. وينطلق المعرض من رصده تلاشي «دولة الرفاه» في عالمنا المعاصر وتشظي الخدمات العامة وتجزئتها وتحجيم دور الدولة التقليدي وتقليص التزاماتها.
ويتساءل عناني: وإذا كانت الدول تفقد سيطرتها اليومية على تسيير وإدارة ومراقبة أداء الخدمات العامة كالإسكان والرعاية الصحية والأمن الاجتماعي التي تتزايد خصخصتها يوميا فكيف بإمكان الهيكليات السياسية التقليدية والعمليات الديموقراطية أن تكون مجدية للحصول من خلالها على خدمات رفاه أفضل؟ وما الذي تعنيه المواطنة في ظل هذه الظروف؟ وفي ظل اختلاط الحابل السياسي بالنابل التجاري الربحي (تحالف رأس المال والسلطة) يطرح تساؤلا وجيها: ما الأهمية التي تكتسبها السياسة الديموقراطية إذا كانت الأحزاب السياسية تتطلع في نهاية المطاف إلى إقامة ائتلافات وشراكات ربحية مع الشركات متعددة الجنسيات؟ وما الذي تعنيه الأمة في هذا السياق؟ وكيف لنا تخيل مستقبل الأمة عند اختزال علاقتها بالدولة إلى سلسلة خدمية من خلال عمليات تعاقدية باطنية؟
يأتي المعرض الجماعي ليصور هذا الواقع الجديد وليد النيولبرالية المتوحشة التي ينعتها البعض بالخنزيرية، بالتعبير عن حنين لما سبق الفترة الراهنة هذه أو للسخرية من الراهن المعوج أو الإشارة لما هو آت بشره وخيره.

ثقافة القطيع

لكن المعرض يروي قصة «ثقافة القطيع» وانقياد الناس خلف الوعاظ والشيوخ فيتحول كل منهم إلى رقم تلغى حرياته في نطاق قفص الجماعة كما يعبر أحمد حامد في لوحة «خمسة طقوس» حول جمهور المصلين في مصر. ولا تعكس هذه اللوحة اصطفاف المصريين ضمن طقس عبادة واحد حسب بل يبدون بمظهر واحد وهم بأغلبيتهم يرتدون «الدشداشة».
ويثبت الفنان بشّار الحروب أن قوة التعبير تكمن في أحيان كثيرة في البساطة ففي منحوتته يروي قصة حلم تحول إلى وهم أو كابوس وذلك من خلال قطعة صخرية أساسها متجانس ثابت رمزا للوطن العربي الذي بدا واعدا كوطن للفلسطينيين ولكل العرب بعد فترة التحرر من الاستعمار، ونصفها العلوي مجزأ ومقسّما كمرآة لحالة التشظي، تشظي الحلم والواقع. هذه المنحوتة المعنونة بـ «بلاد العرب أوطاني» تروي ما أصبح يشبه النكتة السوداء أو تشير لتحول حلم الوطن العربي الواحد إلى رسم كاريكاتير ساخر. وهذا ما يعّبر عنه الفنان بيسان أبو عيشة بلوحة نظيفة من التعقيدات تستخدم التناقضات المبطنة كي تلقي الضوء الساخر على قفز الفلسطينيين من مرحلة التحرر لمرحلة الدولة أو الدويلة منقوصة السيادة بتشجيع من السياسات النيوليبرالية ومن جهات غربية تقتضي مصالحها اختزال فلسطين من نضال للتحرر الوطني إلى كيان سياسي مشوه أشبه بالوهم.
في هذه الحالة ينهمك معظم الفلسطينيين في البحث عن تحسين جودة المعيشة بالاستعانة بالبنوك وبمخرجات «السلام الاقتصادي» مما ساهم في تغيير وجههم من مناضلين ضد مشروع استعماري ضمن قضية وطنية واحدة جامعة إلى عبيد للبنوك كما يتجلى في تضخم عدد البنوك ليبلغ 17 مصرفا دون أي تبرير منطقي. يصور أبو عيشة هذه الحالة المعتلة بتصميم يجمع بين رمز «البنك الوطني» وبين رئيس فلسطين الأول ياسر عرفات وهو يبدو مهموما مضطربا حائرا. وعلى الوجه الآخر لتصميم «القيمة المعاصرة» يرد نص مقتطع من إعلان الاستقلال الذي ما زال هو الآخر على الورق ولجانبه بيت الثري من نابلس منيب المصري وهو الآخر يبدو منقطع عن الواقع فهو لا يشبه بيوت فلسطين التقليدية. هذا التصميم ينطبق عليه قول «المكتوب يقرأ من عنوانه» فهو يحيل إلى مصطلح «القيمة المضافة» مما يبرز طعم التناقض وضوء السخرية حينما يقول لنا أو يدفعنا للتأمل والتنبه إلى إننا قد استبدلنا القيمة المضافة باللهث وراء ما هو عصري بكل ثمن قافزين عن الطابق الأول فيبدو البيت الفلسطيني طابقا ثانيا معلقا بالهواء.

من الثورة إلى الثروة

ويرسم حالة ملتبسة أخرى بدائرتها العربية الأوسع الفنان تيسير بطنيجي ابن غزة المقيم في باريس عبر لوحة «عشاق غير مثاليين» وهي مضادة للوحة «عشاق مثاليين» لـ فيليكس غونزاليس تورس. بخلاف غونزاليس الذي تشمل لوحته ساعتين تشيران للوقت ذاته فإن لوحة بطنيجي تقوم على حرف واحد يتلاعب به عاكسين عالمين مختلفين يأتي الثاني أحيانا نتيجة انحراف الأول وهما الثورة والثروة وبالسياق العربي الراهن.
في هذا المعرض الذي يثير أسئلة محفزة على التفكير والتأمل أكثر مما يقدم أجوبة يشارك عدد من الفنانين الأجانب ممن يختزلون تناقضات العالم واختلال موازينه بأعمال فنية ظريفة، بعضهم يتناول قضايا الشرق والقضية الفلسطينية كما يفعل المحامي الفنان البلجيكي توم بوغارت الذي أقام سنوات في الأردن منذ 2009 جعل برهافة حسه حبة الخيار لرؤية سياسية متلاعبا هو الآخر كتيسير بطنيجي لا بالحرف هذه المرة بل بحركة واحدة كانت كافية حتى تحدد التناقض وترسم المفارقة وحالة التنافر بلون ساخر وبطعم حرّاق. ببساطة صبغ بوغارت حبة خيار بحالة ذبول متقدم جدا باللون الأردني مما يذكّر فورا بـ «الخيار الأردني» وهي خطة إسرائيلية فاشلة لتحويل الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين وبذلك تتم تسوية القضية الفلسطينية.
على المستوى الشخصي استوقفني عمل تلفزيوني بسيط لكنه معبر عن فكرة كبيرة وهو شريط فيديو للفنانة الفلسطينية جمانة عبود هو فيديو «الرمان» إذ تحاول الفنانة بيدها وبعناية وتصميم إعادة حبات رمان لمكانها بعد انتزاعها من حصنها الطبيعي، كوز الرمان. في هذا الفيديو رأى كاتب هذه السطور نفسه وهو يحاول منذ ثلاثة عقود على ترميم ذاكرة فلسطينية تشتت بفعل نكبة 1948. هل يمكن ترميم ذاكرة المدن والأرياف الفلسطينية وإتاحة سماع المتلقي للقصص والروايات والشهادات لإيقاع الحياة اليومية؟ أحيانا تنجح هذه الشهادات في إعادة ما تهتك في نسيج الذاكرة الجمعية وأحيانا لا تتوفر الفرصة تماما كما هو حال حبة الرمان « النازفة « وإعادتها لديارها الأولى ولكن تبقى التجربة بحد ذاتها مفيدة ومثيرة وإن كانت عسيرة.

الحل الطبيعي!

فلسطينيا تستوحي الفنانة الفلسطينية سماح حجاوي في لوحة ساخر وسريالي هزات الشق السوري الافريقي وتبعاتها الكارثية وكأنها تتساءل هل تتدخل أمنا الطبيعة لتحل القضية الفلسطينية على طريقتها ؟ هذا العمل المبتكر خارج المألوف، تركيبي على هيئة كولاج رقمي يبدو فيه الحرم القدسي الشريف غارق في جوف البحر نتيجة الهزة وربما يؤدي تزامن المعرض في رام الله مع هزات أرضية متتالية مركزها بحيرة طبريا هذه الأيام لاختزال المسافة بين الواقع وبين الخيال من هذه الناحية.
هذا الجمع بين الواقع والخيال أو بين الدنيا والآخرة يكمن في «منصة غطس» لوحة لنداء سنقرط الفنان المقدسي المتميز بأعمال تركيبية تفاجئ المتلقي وتدفعه لبحث عن أكثر من معنى. في «منصة غطس» يظهر منبر أبيض مذهّب جميل منه يمكن للخطيب الإمام أن يقفز عبر خشبة قفز معدة للسباحة. ربما تحيل للانشغال المفرط للأئمة في الموت حتى بدا وكأن الخطيب سيقفز لموته من منبره. وربما توحي بإمكانية التحليق الروحي والجسدي أيضا. المنابر مفتوحة طبعا على أكثر من معنى ودلالة لهذا التركيب الهجين.

 

«أمم متعاقدة من الباطن» معرض جماعي في رام الله: تحجيم دور الدولة التقليدي وتقليص التزاماتها

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!