حياة المثّال… محمود مختار الروح الفرعونية للنحت المصري

القاهرة ـ «القدس العربي»: لم يكن محمود مختار (1891 ــ 1934) مثّالاً عادياً أو لافتاً فقط، بل يعتبره الكثيرون آخر المثالين الذين تسلموا إزميل النحت من فنان فرعوني قبل آلاف السنين، ليُكمل مسيرة فن النحت المصري في أوج قوته وجماله. وربما هذه الفكرة هي التي دار حولها العرض المسرحي الراقص «حلم نحات»، الذي صممه وأخرجه الفنان وليد عوني، من خلال فرقة الرقص المصري الحديث، وعُرض على المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية.

حياة المثّال… محمود مختار الروح الفرعونية للنحت المصري

[wpcc-script type=”13e78e8af3eec2b44f7b013c-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: لم يكن محمود مختار (1891 ــ 1934) مثّالاً عادياً أو لافتاً فقط، بل يعتبره الكثيرون آخر المثالين الذين تسلموا إزميل النحت من فنان فرعوني قبل آلاف السنين، ليُكمل مسيرة فن النحت المصري في أوج قوته وجماله. وربما هذه الفكرة هي التي دار حولها العرض المسرحي الراقص «حلم نحات»، الذي صممه وأخرجه الفنان وليد عوني، من خلال فرقة الرقص المصري الحديث، وعُرض على المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية.
الروح الفرعونية التي انتقلت إلى مختار، وجسد من خلالها أعظم أعمال النحت في مسيرة الفن المصري الحديث، هذه الأعمال التي احتفظت بالنِسب الفنية لمنحوتات العصر الفرعوني، وأضافتها إلى الناس العاديين من المصريين، فأصبح التمثال لا يتغنى بتخليد ملك أو فرعون، بل بأبناء الشعب المصري … الباعة والفلاحات، رجال ونساء وأطفال القرى المصرية ــ ولد مختار في قرية من قرى الشمال في ريف مصر ــ فثبّت الزمن الفني وعاصر الزمن الاجتماعي والنفسي للمصريين، في وقت النهضة الفكرية في مصر، وهو أحد روادها الكبار، والمدافع عن القضايا الوطنية حينذاك، مُتخذاً من شخصية زعيم الأمة سعد زغلول، رمزاً لكل المصريين الحالمين بالاستقلال.
لم نسرد تاريخاً ولكن وفق رؤية الرجل ورومانسيته في تناول موضوعاته، وأعماله الشهيرة توحي بذلك وتؤكده، مثل .. تمثال نهضة مصر ــ الفلاحة التي تستأنس وتلتمس الأمان بأبي الهول القابع بجوارها ــ وكاتمة الأسرار، مناجاة الحبيب، حاملة الجرّة، وتمثاله الأشهر على الإطلاق الخماسين. قدّم عوني العرض من خلال رحلة محمود مختار منذ ميلاده وحتى لحظة صعود روحه، وما تخلل ذلك من أعماله الشهيرة، وكيفية التعامل مع الحجر وكأنه واقع رغماً عنه في فعل دائم .. فعل الحب.

الميلاد

يبدأ العرض بمثّال فرعوني في زيّه التقليدي وتكوينه الجسماني القوي، وكأنه مثال لما يُجسده من مخلوقات حجرية، وبكلتا يديه يُمسك بأدوات النحت، وعلى هذه الدقات وكأنه يُشكّل الحجر يتصاعد صوت طفل ولِد تواً، وكأن المثّال القديم بدقاته المتواترة يستنهض الحياة في هذا الطفل، ليتزامن صوته الباكي وصوت الدقات.
وبمصاحبة أغنيات من الجنوب المصري وما بين مختار الشاب والمثّال الفرعوني من حوار راقص يتم تسليم أدوات النحت إلى مختار، ليبدأ مسيرته الفنية ويستكمل مسيرة امتدت لآلاف السنين، تستكمل رسوخها من خلاله، وليصبح المثّال الفرعوني هو الروح المرشدة للموهبة المصرية الحديثة، التي يُجسدها محمود مختار.

الوعي

من أغنيات الريف المصري وخلق الجو العام الذي نشأ فيه مختار يبدأ في تخليق منحوتاته، عن طريق التجسيد الراقص لأشهر أعماله، وكيفية تفكيره في التمثال ومراحل تكوينه، وصولاً إلى شكله النهائي المعروف. يستعرض وليد عوني من خلال جسد الراقصات كيف يتشكّل ويتحوّر الحجر، ويتشخص في النهاية. وعن طريق الملابس البيضاء يكون الجسد في البداية ككتلة حجرية صمّاء، لتأتي لمسات الفنان في توسل إلى هذا الحجر وكأنه في صلاة، لتبدو تفاصيل الجسد أكثر وتتضح في النهاية في عمل معروف من أعمال مختار، مثل حاملة الجرّة، كاتمة الأسرار، ومناجاة الحبيب، وجاء خيال عوني في التجسيد الراقص لهذا العمل بوجه خاص ليوضح كيف عبّر مختار عن الحب بين الرجل والمرأة، من خلال الوضع الجسدي والإيماء واتجاه النظر، وكيف يستند الرجل بمرفقيه مُتطلعاً إلى وجه المرأة، التي تجلس في هدوء وثبات واستقرار، على العكس من تكوينه الذي يأمل في اليقين بوجوده من خلالها. وبينما معظم المنحوتات تأتي في لونها الأبيض، يحتفي عوني بتمثال (نهضة مصر) ويقدمه بداية من حيرة مختار، ونظرات المثّال القديم إليه لتمنحه المزيد من الثقة ــ هذا التمثال الذي شارك المصريون في تكلفته بالاكتتاب العام ــ وترتدي الشخصية التي تجسد الفلاحة المصرية ألوان العلم المصري الحالي.
أغفل عوني مرحلة مهمة من مراحل مختار، وهي أعماله التي تجسد نضال سعد زغلول، وربما أراد عوني أن ينتصر للمصريين والشعب المصري، بدون تسليط ضوء على أي شخصية لها صفة الزعامة، حتى لو كانت مثل سعد زغلول!

إحساس الحجر

لا يخلو مشهد من مشاهد العرض من التأكيد على رسم العلاقة بين مختار والكتلة الحجرية ــ المقصود بالكُتل في العرض الراقصين والراقصات الذين يجسدون المنحوتات ــ وكيف يتوقف أمام الحجر ويتخلق العمل الفني من هذه الروح المشتعلة. ليأتي مشهد تشكيل الكتلة وتحويرها بينه وبين المثّال الفرعوني، الذي يواصل حل مشكلات مختار الفنية أثناء عملية الخلق الفني، فالعلاقة بينهما لم تنفصم لحظة. وما بين مختار والأحجار تتداخل العلاقة، فأي منهما يُشكّل الآخر، وكيف أن كلا منهما يوجد من خلال الآخر.

الخلود

يسقط مختار كجسد، ويدق المثّال الفرعوني دقاته المعهودة الأشبه بميلاد جديد، وقد اكتمل العمل في النهاية، ومسّه الخلود. لتتحلق المنحوتات حول ربّها، محاولة بدورها أن تجسد جلسته في الحقيقة ــ جلسات مُستمدة من الصور الفوتوغرافية لمختار ــ فهو وإن وهبها الخلود، فهي بدورها ــ المنحوتات ــ لم تبخل عليه بخلود لم ينله أحد في تاريخ الفن المصري الحديث.

العرض أداء.. محمد مصطفى، كريم عزت، محمود مصطفى، محمد عبد العزيز، عمرو البطريق، أحمد محمد، نور حمدي، باهر أمجد، رشا الوكيل، منت محمود، سماح مبارك، دينا ترزاكي، مي إبراهيم، رضوى صبري، جاسمين أحمد وبسنت أحمد. إضاءة .. ياسر شعلان، صوت.. محمود عبد اللطيف، ديكور وملابس، محمد الغرباوي، أكسسوار.. فهمي نجيب.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!