«عين ثالثة» و«مش بس فوتوغرافيا» في القاهرة: معارض جماعية ترصد هموم البشر والمكان

القاهرة ـ «القدس العربي»: اللقطة الفوتوغرافية تحاول دوماً أن تصف نفسها بالصدق، وأنها تسجل الواقع بدقة، وهي في ذلك تجد نفسها جديرة ــ حسب حرفية الفنان ــ أن تنقل في صدق أكثر إحساس الموضوع محل العمل الفني.

Share your love

«عين ثالثة» و«مش بس فوتوغرافيا» في القاهرة: معارض جماعية ترصد هموم البشر والمكان

[wpcc-script type=”cf0035a4900b5ddae2451f8a-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: اللقطة الفوتوغرافية تحاول دوماً أن تصف نفسها بالصدق، وأنها تسجل الواقع بدقة، وهي في ذلك تجد نفسها جديرة ــ حسب حرفية الفنان ــ أن تنقل في صدق أكثر إحساس الموضوع محل العمل الفني.
والحديث عن صدق العمل الفني يختلف عن الموضوعية، فلا توجد صورة موضوعية، حتى إن لم تحرّف الواقع، فهناك وجهة نظر الفنان التي دوماً هي السبب، بداية من اختياره الموضوع وكيفية رؤيته ومعالجته فنياً، ومدى قربه أو ابتعاده النفسي عنه. هذه الرؤية هي اللافتة للنظر عند مطالعة المعرضين الجماعيين للتصوير الفوتوغرافي، وقد أقيما في القاهرة مُصادفة بالتزامن. وفنانو المعرضين كلهم من الشباب، وتوحي تجاربهم بحس انفعالي وجمالي متميز.
جاء المعرض الجماعي الأول الذي أقيم في جاليري «مشربية» بعنوان «عين ثالثة»، والآخر بعنوان «مش بس فوتوغرافيا» وهو نتاج ورش التصوير الفوتوغرافي التي تنظمها مؤسسة «كيان»، وأقيم في «مركز سعد زغلول الثقافي».
ومن هؤلاء الفنانين نذكر كلا من رنا عماد، عمرو عادل، تسنيم عبد الرحمن، شريفة حامد، نادية منير، وزياد طارق. وما بين احترافية المعرض الأول وتلقائية الثاني في معالجة اللقطة الفوتوغرافية، نجد الكثير من الأفكار والحكايات وراء كل صورة، خاصة أن الملمح الرئيس للمعرضين هو الاهتمام بالبشر والمكان على حد سواء.

حال المكان

ما آل إليه المكان هو محور اللقطات التي قد تصوّر شارعاً خالياً، أو أحد الأرصفة الذي احتلته القطط في رحلاتها الليلية، وقد أفسح لها البشر طريقاً لخطواتها، أمكنة كانت تمتلك حيواتها وصخبها، كالإنسان تماماً، لكنها الآن في وحدة وشيخوخة.
هذه هي ملامح الأماكن التي تم التقاطها عبر عدسة العديد من الفنانين، وهناك حِس مرهف كمحاولة لالتقاط روح المكان وتفاصيله، إضافة إلى خلق لقطات صامتة ــ إذا جاز التعبير ــ تذكّر بلقطات الطبيعة الصامتة، التي تعتمد على الإيقاع ما بين الجسم المُصوّر وفراغ المكان الذي يُحيطه، وهو ما يخلق عُمقاً في اللقطة، ويوحي بإيقاع ناتج عن التكرار، كما في لقطة الكراسي الخالية في المقهى، سواء المُرتكنة إلى الحائط، أو التي تعلو الطاولات، وكأنها في لحظات الراحة، بالضبط كعُمال يسترخون وقت راحتهم.
الشيء الأخير اللافت هو محاولة أنسنة هذه الأماكن، وهذه المفردات الصماء، كرصيف شارع أو جدار، أو حتى نوافذ حديدية يُمسِك بها الأطفال.
لم يقتصر الأمر على الأماكن الخالية، بل يبدو في الأماكن المُزدحمة التي تتلاحم فيها الأجساد، لتُشكل كُلاً يختلف عن مفردات اللقطة، كما في النساء المُحتشدات في عربة المترو المُخصصة لهن.
هنا نجد كتلة بشرية ناتجة عن الزحام، بينما وجوههن تحكي الكثير من تفاصيل البيئة والفئة الاجتماعية التي ينتمين إليها… كسيطرة ارتداء الحجاب الشعبي مثلاً، بخلاف سيدات وفتيات مفردات يظهر شعرهن، لكنه مُقيّد أيضاً، وغير طليق.
حالة من الإجهاد تعلو وجوه الجميع، واستخدام عدسة واسعة إلى حدٍ ما ــ قصيرة البُعد البؤري ــ خلق مساحة شاسعة لتبدو أجساد النساء ككتلة واحدة كبيرة لا يحتويها المكان رغم اتساعه الوهمي، وهو ما له من دلالات نفسية توضحها تفاصيل اللقطة بوضوح شديد.

حال البشر

لا يوجد الإنسان في فراغ، لا بد من حدود تحيطه حتى تتضح معالمه، اللقطات التي تناولت البشر لم تعزلهم عن مكانهم بالتبعية، القليل جداً من اللقطات جاء في شكل لقطات قريبة لوجه، إلا أن معظمها جاء لتوضيح علاقة البشر بالمكان، هناك بالطبع اللعب في اللقطة من خلال إمكانات الكاميرا، كالتحكُم في فتحة الديافراجم، وبالتالي درجة الإضاءة، أو تعديل سرعة الشاتر، للفصل بين الجسم المتحرك في مُقدمة الكادر، وبين الخلفية الساكنة في الصورة… كما في لقطة المرأة الهابطة سلالم المترو على سبيل المثال، وسائق الدراجة العجوز الذي يتصدر يمين الكادر، وخلفية اللقطة تبدو ضبابية تماماً، وكأنه في عالم آخر مُنفصل، يؤكد ذلك تفاصيل وجه الرجل، التي توحي بالكثير من الحكايات التي يُمكن تخمينها عن حياته وبيئته، ونظرته التي تحمل الكثير من هموم ومشكلات الحياة، كغيره من جموع المصريين.
هناك أيضاً اللقطات التي تعتمد الحركة أساساً لها، كاصطدام الشاب ودراجته بسيارة وكأنه يقوم بحركة بهلوانية، وليصبح إطار الدراجة الخلفي والمرتفع عن الأرض إطاراً مُغلقاً لبعض الشباب في الخلفية، ويبدو أن المُصادفة خلقت هذه اللقطة المتميزة.
الحركة نجدها أيضاً في لقطة يلعب فيها طفلان لعبة البلياردو، التي أصبحت من ألعاب الشارع الشعبي الشهيرة، وأمامهما تمر طفلة في اتجاه آخر، ويشبه الكادر تكوين المثلث الشهير، حيث الطفلان قاعدته، والطفلة تكوّن رأس المثلث، وهو من التكوينات المتزنة التي توحي بثقة وثبات شديدين، وكان كل أطرافه يدركون أهدافهم تماماً.
هذه بعض الانطباعات على المعرضين، ويبدو بهما الحِس الفني والمحاولة لخلق حالة من خلال كل لقطة، حالة توحي أكثر مما توضح، سواء على مستوى الشارع والمكان أو على مستوى مخلوقات الله في سعيهم الدؤوب.

محمد عبد الرحيم

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!