في كتاب رصد أثره على السينما المصرية: استعراض التجربة الفكرية والجمالية في أعمال توفيق صالح

القاهرة ـ «القدس العربي»: المخرج توفيق صالح (1926 ــ 2013) من أكبر المؤثرين في الفن السينمائي المصري والعربي، رغم عدد الأفلام القليلة التي قدمها للسينما، وعددها أربعة عشر فيلماً، مُقسمة بالتساوي بين الروائي والوثائقي.

Share your love

في كتاب رصد أثره على السينما المصرية: استعراض التجربة الفكرية والجمالية في أعمال توفيق صالح

[wpcc-script type=”a50faac7452aa6a959fe984e-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: المخرج توفيق صالح (1926 ــ 2013) من أكبر المؤثرين في الفن السينمائي المصري والعربي، رغم عدد الأفلام القليلة التي قدمها للسينما، وعددها أربعة عشر فيلماً، مُقسمة بالتساوي بين الروائي والوثائقي.
كان النقد الاجتماعي هو هاجس صالح الأول، وصولاً إلى أسباب ما يحدث من موبقات، تتمثل في السُلطة وفسادها، ليس في مصر فقط، بل مساحة من الجغرافيا والمعتقدات والأعراف، يُطلق عليها الدول العربية. هذه التجربة القيمة على مستوى الفكر والفن يحاول الباحث أسامة عبد الظاهر استعراضها في مؤلفه الصادر مؤخراً تحت عنوان «توفيق صالح .. المتمرد»، ضمن سلسلة آفاق السينما، الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، في 107 صفحات من القطع الكبير.

النقد الاجتماعي والسياسي

يُشير المؤلف من خلال أفلام توفيق صالح الروائية، التي بدأت بفيلم «درب المهابيل» (1955) وانتهت بفيلم «الأيام الطويلة» (1981) إلى الحِس النقدي والوعي بطبيعة تغيير المجتمع، خاصة أن صالح بدأ العمل في السينما في ظِل نظام يوليو/تموز، الذي رآه عبر أفلامه ــ حسب الرأي الشائع في تحليل هذه الأعمال ــ مجرد انقلاب عسكري أو تمرد لا يقف على أرض منهجية ثورية، ويفتقد إلى النظرية والوعي الكافي.
يأتي «درب المهابيل» ساخراً من الحلول السحرية، من خلال أحد المجاذيب الذي يكسب ورقة يانصيب، فيبدأ مَن حوله، والذين من المفترض أنهم عُقلاء، في الحلم بما حدث للرجل. هذا المبلغ الذي تأكله (العنزات) في النهاية.
وإن كانت السخرية اجتماعية هنا، إلا أن تفاقم المشكلات يأتي مع أعماله الأخرى، التي بدأت تواجه السُلطة والنظام الحاكم، رغم لعبة الترميز الفنية، كما في فيلم «المتمردون» (1968)، الذي تدور أحداثه عن نزلاء إحدى المصحات، في مكان منعزل، ويبدو التفاوت بين المرضى، حيث يُعالج بعضهم بالمجان، بينما الفئة العليا تتم معاملتها بطريقة أخرى، والجميع يعانون سوء الإدارة، وعند حدوث حالة من التمرد بينهم، يتم القضاء عليها في النهاية. وفي هذا العمل يبدو توفيق صالح شديد الاختلاف، بل والإدانة
للثورة ونظامها، موضحاً عجزها عن العمل لصالح الشعب، ويحاول أن يدعو إلى ثورة جديدة على الثورة، وهو الأمر الذي جعل الرقابة وقتها تحذف حوالي 25 دقيقة من الفيلم، وأن تجبره بإضافة نهاية أخرى، تتمثل في أن ثورة يوليو 1952 هي الحل الأمثل في أن يمتلك الشعب مستقبله، ويخلق بنفسه سُلطته الشعبية. فيوليو من وجهة نظر توفيق صالح، ليست إلا مجرد تمرد لا يمتلك مقومات الاستمرار.
ويُشير المؤلف ــ وهو مُحق تماماً ــ في أن هذا الفيلم وغيره من الأعمال التي تقترب من حالة النقد ــ الاجتماعي بالأساس، دون السياسي مباشرة ــ أنها لعبة معرفة في الأنظمة القمعية، لتصبح هذه الأعمال مجرد حالة لتفريغ انفعالات الغضب والسخط الجماهيري، فقط داخل قاعات العرض. واستشهد بالعديد من الأعمال، التي كانت تقوم الدولة بإنتاجها، مثل .. «القضية 68»، «شيء من الخوف»، و«ميرامار».
المخدوعون

يبدو فيلم «المخدوعون» منذ وقت إنتاجه وحتى الآن من أفضل الأفلام التي عبّرت وناقشت القضية الفلسطينية ووضعها القلِق. الفيلم الذي أنجزه توفيق صالح عن رواية غسان كنفاني الشهيرة «رجال في الشمس». جاء الفيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا، والذي لم يسلم صالح من المضايقات والتضييق على عمله.
ويورد الباحث بعضا منها على لسان توفيق صالح من خلال أحد حواراته الصحافية، فيقول «يحكي الفيلم عن هروب ثلاثة فلسطينيين إلى الكويت بحثاً عن المال والاستقرار، وكأنهم على موعد مع الموت في غياب الحل العربي لقضيتهم. لكن الفيلم مُنع من العرض، وخرج قرار اللجنة بأن الفيلم دون المستوى.
وقال أحدهم: أي مساعد مخرج من سوريا كان قادراً على إخراج هذا الفيلم أفضل من ذلك… المفاجأة جاءت بعد ثلاثين سنة بتكريمي في مهرجان دمشق، باعتبار فيلم «المخدوعون» من أهم إنجازات السينما السورية»!
وفي نهاية الدراسة يستخلص الباحث أهم السمات التي تميز فكر المخرج توفيق صالح، والتي حاول تطبيقها من خلال أعماله، بأنه ينتسب إلى مدرسة الواقعية الاشتراكية، رغم أن الرجل نفسه لا يحب تصنيفه وفق منهج نقدي مُحدد. كما تعد أفلامه.. «درب المهابيل، يوميات نائب في الأرياف، والمخدوعون» من أهم أفلام السينما المصرية والعربية طوال تاريخها.
وما السينما عند توفيق صالح إلا أداة للإدراك المعرفي للمتناقضات الاجتماعية والسياسية، من دون الاقتصار على البحث عن الشكل الجمالي، فالدلالة الوظيفية للصورة تسبق دلالتها الجمالية.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!