قراءات وإضاءات حول سيرته ومسيرته… العراقي مؤيد الراوي: رحيل شاعر في المنفى

لندن ـ «القدس العربي»: يبدو أن الإقامة في المنفى والموت في المنفى قدر وجودي يلائم بعض شعراء العربية منذ عقود، حيث باتت مفردة «المنفى» أكثر حضورا في شعر الشاعر من مفردة «الوطن»، وهي تتخلل ثنايا قصائده وتسكن صورها ومشاهدها الكثيفة، تتخذ لها جرسا صائتا في صميم معمارها الموسيقي، مفردة «الموت» تتبادل معها لعب الأدوار في براعة وإتقان، والمنفى كابده شعراء العالم كافة، حتى أولئك الذين لم يغادروا أوطانهم أبدا للعيش في سواها.

Share your love

قراءات وإضاءات حول سيرته ومسيرته… العراقي مؤيد الراوي: رحيل شاعر في المنفى

[wpcc-script type=”e02e7cd91a8322132725ec47-text/javascript”]

لندن ـ «القدس العربي»: يبدو أن الإقامة في المنفى والموت في المنفى قدر وجودي يلائم بعض شعراء العربية منذ عقود، حيث باتت مفردة «المنفى» أكثر حضورا في شعر الشاعر من مفردة «الوطن»، وهي تتخلل ثنايا قصائده وتسكن صورها ومشاهدها الكثيفة، تتخذ لها جرسا صائتا في صميم معمارها الموسيقي، مفردة «الموت» تتبادل معها لعب الأدوار في براعة وإتقان، والمنفى كابده شعراء العالم كافة، حتى أولئك الذين لم يغادروا أوطانهم أبدا للعيش في سواها.
في مطلع شتاء هذا العام منيت سوح الشعر العربية، العراقية على وجه الخصوص برحيل ثلاث شعراء من واسطة عقد جيل الستينيات، هم كل من رياض قاسم في بغداد و الشاعر وليد جمعة في الدنمارك، ولحق بهم في غضون أسبوع الشاعر والرسام مؤيد الراوي في برلين، حيث كابد المنفى نحو ربع قرن من الزمان.
في لندن، على ضوء خافت وفي خلفية المشهد صورة الشاعر العراقي مؤيد الراوي، وباقة من الزهور وشموع موقدة، جلس شعراء من جيله وشاعرات، أصدقاء ومحبون للكلمة يقرأون شعرا من كتابه «ممالك» وبعض قصائدهم الخاصة في حضرة غيابه المباغت، وبعض نثر مما جاد به يراعه قبل الرحيل؛ الكاتبة والناقدة فاطمة المحسن صاحبة «تمثّلات النهضة في ثقافة العراق الحديث» و»تمثّلات الحداثة في ثقافة العراق»، افتتحت المشهد بالحديث عن جيل الستينيات الشعري، الذي ينتمي إليه صاحب «الممالك»، وكان هناك عبدالكريم كاصد، صادق الصائغ، هاشم شفيق، عواد ناصر، فوزي كريم، يوسف الناصر، زهير الجزائري، تبادلوا قراءة قصائد الشاعر الراحل، وقرأ الشاعر عبدالكريم كاصد مرثية مؤثرة، وكذلك قرأ فوزي كريم قصيدة من إبداعه في حق الشاعر الراحل، الأمسية حفلت بصور الراوي الشعرية، وطوفت بالحضور عبر مسيرته الإبداعية والجمالية بلا حدود:
«وجه حملٍ مُهَدَد بسكين،
ومخلب صقرٍ مضموم.
قاتلٌ يتخفّى، ثمّ يتململُ داخلَ سياج الحديقة،
لا يعبأ بالوقتِ المؤجّلِ، لأنّ الوقتَ رصيدهُ.
يراقبُ الضحيَّةَ،
يداعبها بالتخفّي،
يناجيها،
ويُخوِّفها
في الغسق الذي تعكّرُ صفوهُ الطيور.
يجثو أحياناً كضبعٍ مجروحٍ، وفي مراتٍ يتحفَّز.
يعرفُ مَن يراقبهُ في الغرفةِ سيبللُ العَرَقُ خوفاً عانته.
يراهُ مِن خلف الستارةِ طيفاً حرجاً
فيستمرئ اللعبةَ ويقلّبُ الأهواءَ،
يستذكرُ التجاربَ فيها ويعرفُ خفايا التوجسْ .
وجههٌ مشبوهٌ كحضنِ شجرةٍ مقصوفةٍ..»
من قصيدة (تماثل الصورة)
الشاعر عواد ناصر جاء صوته من خارج الغرفة التي يجلس فيها الجميع وهو يقرأ بصوت جهوري قصيدة «ممالك»، أضفى أداؤه الدرامي بعدا إضافيا للقصيدة وحيوية على طابع الأمسية، جاء صوته أولا قبل أن يدخل الغرفة صاعدا السلالم المؤدية إلى باحتها وأكمل قراءة القصيدة وقوفا وهو يتوسط الحلقة.
«عن أحداثِ أمس
يقرأ العجوزُ في المقهى
وأنا، الجالسُ في الركنِ القصيِّ، مرآتهُ العكرة،
أدخلُ دخانَ رأسهِ؛ كغيمةٍ
فوقَ أكواخ القريةِ، من نار الحطب.
لا أعنيهِ ولا تعنيهِ اليقظةُ في الظهيرة»
من قصيدة (شخصان).
الحديث عن جماعة كركوك التي يعتبر مؤيد الراوي من مؤسسيها وعن جيل الستينيات الشعري الذي ينتمي إليه، تسيد الجزء الأخير من الأمسية، حيث تبادل الحضور إلقاء الضوء على تلك المرحلة من حياة الشاعر، وعلى المرحلة نفسها وما تمثله من أهمية بالنسبة للساحة الفكرية والثقافية والفنية في العراق آنذاك، وبالضرورة جرى الحديث عن الراحلين من أبناء جيله مثل جليل القيسي وسركون بولس، ووليد جمعة، وكانت شهادات حية وحميمة تناولت المسألة الثقافية والإبداعية في إطارها العام وكشفت جوانب شخصية للراحل طيلة مسيرته الإبداعية والفنية، وانتمائه الفكري وعمله النضالي إثر خروجه من بغداد، حتى وصوله إلى منفاه الأخير.
«رأيتَ
ما لم نرَ:
(في عينيكَ الدامِعَتينِ حيرة المعرفة)
الدمُ يوغِلُ في المدينةِ
يغسلونَ بهِ الأمواتَ
ويرتدونَ الكفنَ، بُردَة مُهَلهَلة من بياض .
البِلادُ مُسَوّرَة
والروحُ فاسِدَةٌ،
وأنتَ، في وليمَتكَ المستمرةِ ساحِرٌ
وحارس للمدينةِ
تُحضِرُنا في غفلةٍ من المحاصرينَ
تحكي لنا عَنِ الخَطايا
وعَنِ العِقابِ،
ماثلٌ كفأس
مكتوبٌ على الجبينِ
منذ الأزلْ»
من قصيدة (جليل القيسي .. حارس المدينة)
بين صدور المجموعة الشعرية الأولى للشاعر مؤيد الراوي «احتمالات الوضوح»- 1974 والمجموعة الشعرية الثانية «ممالك»- 2011 (35) عاماً، بينما لم تصدر مجموعته الثالثة والأخيرة «سرد المفرد» إلا قبل يومين من رحيله الفاجع.

الصادق الرضي

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!