7 مستويات للوعي المهني والشخصي

نحن نشهد مرحلةً مفصليَّةً في تاريخ الإنسانية؛ ففي حين يتخبَّط العالم باحثاً عن أجوبة وسط عدم اليقين المحيط بكلِّ شيء، لكن قد تكون هذه الظروف فرصةً غير مسبوقة للنمو إن كنَّا مستعدين لاستثمارها. ندعوك إذاً إلى دمج مفهومَي "هرم الحاجات" و"مستويات الوعي السبعة" لاستكشاف مستويات الوعي.

Share your love

يتزايد الحديث عن الوعي (consciousness)، بعيداً عن الصعوبات والأزمات؛ وهو وفقاً لتعاريف المعاجم: “قدرة الإنسان على إدراك الواقع المحيط به، وإدراك ذاته تبعاً لمحيطه، إضافةً إلى إدراك المرء الفوري والعفوي لذاته وأفعاله وأفكاره”، أما من وجهة نظر نفسية؛ فالوعي هو حالة أرقى من الوجود، حيث يمكِننا خلالها الوصول إلى إجابات عن مغزى الحياة، على سبيل المثال: إدراك مشاعرك، واتخاذ القرارات مستفيداً من جميع المصادر الداخلية والخارجية المتاحة لك، والتأمل بعمق داخل نفسك بحثاً عن الحكمة والأجوبة.

ندعوك إذاً إلى دمج مفهومَي “هرم الحاجات” (pyramid of needs) لعالِم النفس “أبراهام ماسلو” (Abraham Maslow) و”مستويات الوعي السبعة” (7 levels of consciousness) لخبير الأعمال والتحوُّل الاجتماعي والثقافي “ريتشارد باريت” (Richard Barrett) لاستكشاف مستويات الوعي.

الحاجات الإنسانية وفقاً لـ “ماسلو”:

هرم “ماسلو”، أو تدرُّج الحاجات الإنسانية هي نظرية في علم النفس اقترحها عالِم النفس “أبراهام ماسلو” (Abraham Maslow) في بحث نُشِر عام 1943 بعنوان: “نظرية الدافع البشري” (A Theory of Human Motivation) التي توسع فيها لاحقاً؛ إذ تُركِّز هذه النظرية على خمسة مستويات للحاجات الإنسانية على شكل هرم، وهي مرتَّبة تصاعدياً كالتالي:

  1. المستوى الأول: الحاجات الفيزيولوجية التي تشكل قاعدة الهرم، وهي الحاجات الأساسية من أجل البقاء والحفاظ على حالة الاستتباب (homeostasis)؛ كالحاجة إلى الهواء، والطعام، والشراب، والراحة، وتجنُّب الألم، والحفاظ على درجة حرارة الجسم ثابتة.
  2. المستوى الثاني: الحاجة إلى الشعور بالأمان والحماية الجسدية والصحية، إضافة إلى تأمين المصادر مثل: المسكن، والغذاء، والعمل.
  3. المستوى الثالث: الحاجات الاجتماعية، والتي يُقصَد بها التطور العاطفي، والاجتماعي، والتواصل، والألفة مع الآخرين، ومشاعر الحب والحميمية.
  4. المستوى الرابع: الحاجة إلى التقدير، ويقسمها “ماسلو” إلى جزأين: يتضمن الأول احترام الذات، والبراعة، والإنجاز، والاستقلال، والحرية، وشطر ثانٍ يُقدِّمه الآخرون مثل: الانتباه، والتقدير، والاعتراف، والسُمعة، والمكانة الاجتماعية، والاحترام، والنجاح، وحتى الشهرة، وينعكس عدم إشباع هذه الحاجات على تدنِّي تقدير الذات وظهور المشاعر الدونية.
  5. المستوى الخامس: الحاجة إلى تحقيق الذات، والتي يضعها “ماسلو” في قمة الهرم، وتُركِّز على تطوير الإمكانات والولوج إلى القدرات الكامنة مثل: الإبداع، والابتكار، وتطبيق الأفكار والمشاريع على أرض الواقع، ويدعو “ماسلو” هذه الحاجات بدوافع النمو والوجود، ويؤكِّد أنَّها أعلى الحاجات النفسية للإنسان، لأنَّها تسمح لنا بفهم معنى الحياة، ولا يمكِن الوصول إليها قبل إشباع الحاجات السابقة جميعها، أو إشباعها إلى حد معيَّن على الأقل.

مستويات الوعي وفقاً لِـ “ريتشارد باريت”:

وضع المؤلف البريطاني “ريتشارد باريت” (Richard Barrett) نظرية مراحل التطور العالمية ومفهوم “التحول الشخصي والثقافي” (personal and cultural entropy) منطلقاً من بحث “ماسلو”، وفي الوقت ذاته، أسَّسَ طريقةً جديدة لقياس مستويات القِيَم لدى الناس والشركات والمجتمعات، وشمل ذلك مستويات الوعي السبعة؛ حيث حدَّد “باريت” – بالتوافق مع هرم “ماسلو” – سبع حالات من الوعي تختلف بشكل طفيف بين الناس، والشركات، والمجتمعات، وصولاً إلى الوعي القيادي.

مستويات الوعي وفقاً لـ “ريتشارد باريت” هي:

1. المستوى الأول “البقاء” (تقابلها الحاجات الفيزيولوجية وحاجات الأمان في هرم “ماسلو”):

فالتركيز هنا على ضمان البقاء، ويشمل الحاجات الفيزيولوجية مثل: الصحة، والغذاء، والنوم، إضافة إلى الأمان مثل: الدَّخل، والمسكن، وهي جميعها حاجات مادية ملموسة، ويدعو “باريت” المستويات الثلاثة الأولى للوعي بـ “المصلحة الشخصية”.

يعني ذلك في إطار الشركات إدراك السلامة والصحة المهنية، وامتلاك البنى المناسبة للعمل والحصول على الفوائد والربح، وفي الوقت نفسه تحقيق وقياس التوازن بين رضا العاملين وضمان استدامة الشركة، بحيث يستمر سير العمل دون إهمال الهدف الأساسي.

2. المستوى الثاني “العلاقات” (وتقابلها الحاجات الاجتماعية والاندماج في هرم “ماسلو”):

فهي تُركِّز على العواطف والانتماء إلى جماعة (سواء فريق، أم قبيلة، أم غيرها). يعكسها في الشركات الولاء، والمناخ الداخلي في الشركة، وسلسلة القيمة (value chain)، والتفاعل مع أشخاص يتشاركون الاهتمامات والعلاقات الاجتماعية والروابط مع موظفين آخرين في القسم نفسه من الشركة، وتعزيز الاتفاق والتعاضد والعمل المشترك.

3. المستوى الثالث “تقدير الذات” (يقابله حاجات التقدير في هرم “ماسلو”):

حيث يتعلق بالمودة، والمكانة، والاحترام، واعتراف الآخرين بالشخص، والإنجازات، والتميُّز، وتعزيز الثقة بالنفس، والاستقلالية.

يعني هذا المستوى بالنسبة إلى الشركات التأكيد على تقدير الذات والقدرة على تحقيق إنجازات عظيمة عند العمل كفريق، وكذلك إثارة الدوافع الخارجية لأفراد الفريق من خلال تهنئتهم والاعتراف بجهودهم والإصغاء إليهم، ويمكِن أن تُعزِّز التغذية الراجعة الفعَّالة عند استخدامها استخداماً صحيحاً مستوى تقدير الذات في الشركة، إضافةً إلى تحسين العمليات، وجودة العمل، والممارسات، والأخلاقيات، والقِيَم المشتركة باستمرار.

4. المستوى الرابع “التحول” (يقابله الحاجة إلى تحقيق الذات في هرم “ماسلو”):

وهنا يفصل “باريت” بين مستويات الوعي السابقة التي تهدف إلى المصلحة الشخصية، ومستويات الوعي الأسمى التي تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة؛ حيث تشمل النمو الشخصي، والتطور، والتعلم مدى الحياة، وتحقيق الإمكانات؛ أي إنَّه مرحلة التطور والتعلم عبر الرغبة الدائمة بالتساؤل والبحث والاستكشاف الواعي.

يعني ذلك في الشركات الحاجة إلى التطور المستمر والابتكار وإعادة الابتكار؛ لذا يمكِن القول: إنَّ التغييرات الثقافية في الشركات تبدأ عند مستوى الوعي هذا، وللوصول إليه يجب عليهم تعزيز العمل الجماعي في الفِرَق، وإجراء تحسينات، وتحويل التغيرات إلى فرص للتعلم الجماعي.

5. المستوى الخامس “التماسك الداخلي” (يقابله الحاجة إلى تحقيق الذات في هرم “ماسلو”):

حيث يصبح الهدف عند الوصول إلى هذا المستوى هو التخلي عن عقلية الـ “أنا” واستبدالها بـ “نحن” على الصعيد الشخصي والمؤسساتي، وهنا يظهر الوعي لرؤية مشتركة، حيث نجدُ القيم التي تُوحِّد الفريق مثل: الثقة، والصدق، والتواصل، والنزاهة، والمصداقية. ويمكِن أن تدعم الشركات هذه الجوانب عبر خلق فرص للقاء، وتعزيز روح الفريق، وجذب المهارات، وتكوين مجتمع ذي ثقافة قوية وثابتة ومستدامة، كما يُحقِّق العمل نحو هدف مشترك هذا التماسك غالباً.

6. المستوى السادس “المساهمة” (يقابله الحاجة إلى تحقيق الذات في هرم “ماسلو” أيضاً):

ويُركِّز هذا المستوى على القيمة التي نضفيها نحن كأفراد على المجتمع، وهو البصمة التي يتركها الناس على العالم.

يمكِن التركيز في الشركات على هذه المساهمات الثمينة الموجهة نحو العملاء، أو المورِّدين والموزِّعين في الخارج، أو الموظفين في جميع المستويات في الداخل، على سبيل المثال: تقديم فرص عادلة للمورِّدين؛ فَعَدُّهُم شركاء استراتيجيين هو جزء من مفهوم المساهمة هذا، كما أنَّه يرتقي بمستوى الوعي، ويرتبط بإرث أثمن لأنَّه يتعدى الصفقات المادية، والنتيجة هي أنَّ الشركة ستترك بصمتها على مجال السوق حيث تعمل.

7. المستوى السابع “الخدمة” (يقابله الحاجة إلى تحقيق الذات في هرم “ماسلو”):

وهنا يصل الشخص إلى الهدف الأسمى، مثل العثور على أجوبة عن الأسئلة الوجودية، مثل: “لِمَ أتينا إلى هذا العالم؟ وما هو دوري في الحياة؟ وما الإرث الذي سأتركه خلفي؟”.

هذا هو مستوى الوعي الذي يجب السعي إليه على الأمد الطويل في عالم الأعمال، عبر الأخلاقيات، والتفكير في الأجيال القادمة، والإسهامات الثمينة للبشرية جمعاء، من خلال تحمُّل المسؤولية المؤسساتية والاجتماعية، والتعامل الصحيح مع بيئة العمل، وتبنِّي سياسات الشمول بجميع أشكالها؛ فهو التفكير بالمصلحة العامة وليس المصلحة الشخصية فقط.

 في الختام:

 مستويات الوعي هي قيمٌ، والقيم تصبح ثقافات سواء شخصية أم مؤسساتية، والارتقاء بها عملية تدريجية تحتاج ركائز قوية؛ لذلك نقترح أن تسمح للعملية بأخذ وقتها وألَّا تستعجل تحقيق النضج الشخصي أو الجماعي، حيث ستضمن بهذه الطريقة تماسكاً أقوى، وتعزيز العافية، والالتزام، وتحمُّل المسؤولية بصورة أكبر، لأنَّه لا يمكِن التراجع بعد الوصول إلى مستوىً مُحدَّد من الوعي، وحين تضلُّ الطريق يمكِنك أن تتبع الوعي دوماً ليعيدك إلى المسار الصحيح.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!