أبو بكر الصديق رضى الله عنه
١٥:٢٥ ، ٢٦ مارس ٢٠٢٠
}
أبو بكر الصديق
اسمه الكامل عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وقد ولد في مكة المكرمة بعد عام الفيل بسنتين وعدد من الأشهر، وكان الصدّيق ذا بشرة بيضاء، وجسد نحيف، وعيون غائرة، وجبهة بارزة، وشعر مجعد، وقد كان ذا سيرة حسنة قبل الإسلام، فعُرف بأخلاقه الرفيعة، وبعشرته الطيبة، وكان يمتنع عن شُرب الخمر، وعالمًا بأخبار العرب وأنسابهم، وعند قدوم الإسلام كان من أوائل مَن اعتنقوه، وكان مُجتهدًا في دعوته، فقد تسبب بدخول العديد من الصحابة إلى الإسلام، منهم الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان رضوان الله عليهم، ولقّبه نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم بـ “الصدّيق”، بعد حادثة الإسراء والمعراج، فقد صدّقه عندما كذّبه المشركون[١].
كان أبو بكر الصديق تاجرًا قبل الإسلام، إذ تاجر بالملابس، ووصلت أمواله عندما أسلم لأربعين ألف درهم، وقد صرف تلك الأموال على الدعوة الإسلامية، فكان يُعتق رقاب العبيد من المسلمين الذين تعرضوا للتعذيب، وأخذ ما تبقى من أمواله معه عندما هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، ووضعها تحت تصرفه، وبُشّر أبو بكر بالجنة من قِبَل رسول الله، وكان صلى الله عليه وسلّم يُشاوره في كل أمر، وقد تزوّج نبينا بابنته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وكان يروي الأحاديث عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وعندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ظهرت قوته وحكمته بإدارة شؤون البلاد، فقد ظهر المرتدون، وتغلب عليهم، وأعاد توحيد المسلمين، ووجههم للجهاد في سبيل الله تعالى، وفتح بلاد الشام والعراق، وكان يستشير الصحابة دائمًا، وكان رحيمًا، وحازمًا في الوقت ذاته[١]، لأبي بكر الصديق أربع زوجات، وستة أبناء؛ ثلاثة من الذكور، وثلاث من الإناث، وزوجاته هنّ حبيبة بنت خارجة، وأسماء بنت عميس، وقتيلة بنت عبد العزى، وأم رومان بنت عامر بن عويمر[٢].
‘);
}
أما وفاته فقد توفي الصحابي والخليفة العظيم أبو بكر الصديق بعد رحلة طويلة مليئة بالإنجازات بإعلاء كلمة الحق، ونشر الدين الإسلامي، وكان يوم وفاته يومًا حزينًا على المسلمين، وهو الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة في السنة الثالثة عشر هجريًّا، وكان قد مرض قبل وفاته بخمسة عشر يومًا، أما عمره عند وفاته فكان ثلاثًا وستين سنةً[٣].
[wpcc-script async src=”https://cdn.wickplayer.pro/player/thewickfirm.js”]
الصفات الخُلقية لأبي بكر
تميز أبو بكر الصديق بمجموعة من الصفات الخُلقية، وأهمها ما يلي[٤]:
- الرحمة والرقة: تتجلى رقة أبي بكر الصديق في صلاته وبكائه الشديد لدرجة أنّ قريشًا خافت على أطفالها ونسائها من الافتتان بذلك الأمر، ومن المواقف الأخرى الخاصة برحمة ورقة قلب أبي بكر هو موقفه مع أسرى بدر، وقد شبّه النبي صلى الله عليه وسلم قوله في الأسرى بقول نبيَّيْن ورسولَيْن من أولي العزم، وهما إبراهيم وعيسى عليهما السلام.
- رباطة الجأش والحزم والقوة: بدا هذا الأمر عند موت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إذ أدّى موته إلى اضطراب المسلمين، فمنهم من اعتقل لسانه ولم ينطق الكلام، وبعضهم أنكر الموت، ومنهم من دُهِش للغاية، وما كان لأبي بكر سوى استقبال الموقف برباطة جأش وثبات كبيرين، كما ظهر حزمه في حروب الردة التي خاضها ضد المرتدين، وظهر موقفه العظيم في اختيار خلافة عمر بن الخطاب، وكان ذلك عندما مرض مرضًا شديدًا أدّى إلى موته، إذ تشاور قبلها مع كبار الصحابة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأشار عليه أكثرهم بسداد الرأي.
هجرة أبي بكر الصديق
هاجر أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وبقي نبي الله ينتظر في مكة إلى أن نزل جبريل عليه السلام، وأعلمه بضرورة هجرته فورًا، وألا يبيت ليلته في مكة، فقد كان المشركون ينوون قتله، فخرج النبي من بيته، وكان مُحاطًا بفتيان من قريش يترقبونه عند خروجه لقتله، غير أن الله عز وجل أغشى أبصارهم فلم يروه، ونثر نبي الله حفنةً من التراب على رؤوسهم دون شعورهم به، وقصد منزل أبي بكر، فأيقظه من نومه ليهاجر معه، وخرجا من مكة، واختبأ الرسول وأبو بكر في غار ثور ثلاثة أيام، وأثناء هجرتهما لحق بهما سراقة بن مالك، فقد وضع المشركون مكافأةً لمن يقتل نبي الله، وخاف أبو بكر على النبي عندما اقترب سراقة منهم، وأنقذهما الله تعالى فوقع سراقة عن فرسه، وأنقذه رسول الله بطلب منه، ودعاه للدخول في الإسلام، فأسلم سراقة وقتها، وعندما وصلا إلى المدينة استقبلهما الناس بالفرح والإنشاد[٥].
أبو بكر وأسرى معركة بدر
استشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في أمر أسرى معركة بدر الذين ألحقوا الأذى بالمسلمين، ونهبوهم، وطردوهم من ديارهم، فتكلم عنهم أبو بكر كأنهم أصحابه وليسوا أسرى، فقال بأنهم أبناء عمومة وعشيرة، فاقترح بأخذ فدية منهم، والاستفادة منها في الدعوة، ودعا لهم بالهداية، واستشار أيضًا عمر بن الخطاب فكان رأيه قتلهم كي لا يستخف بهم المشركون، لكن رسول الله كان مع رأي أبي بكر، فأخذ الفدية منهم، وكان الصاحبان متشابهَيْن في الرأي، وقد اتّسم أبو بكر برقة القلب[٦].
جمع المصحف في عهد أبي بكر
بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ارتد العديد عن الإسلام، وحدثت حروب عدة بهدف تثبيت الدين الإسلامي، وإقامة الدولة، وأسفر عنها استشهاد العديد ممن يحفظون القرآن الكريم في صدورهم، فخاف المسلمون من ضياعه، فاقترح الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه جمع القرآن، فقد كان الناس آنذاك يعتمدون على الحفظ أكثر من التدوين، وقد كان القرآن الكريم مُدوّنًا على سعف النخيل، والعظام، والجلد، فأمر أبو بكر زيد بن ثابت مع عدد من الصحابة بأن يجمعوا القرآن، ويكتبوه في مصحف، وأن يحرصوا بذلك على الدقة، والترتيب كما أمر نبينا الكريم[٣].
المواقف العظيمة لأبي بكر الصدّيق
كانت لأبي بكر الصديق الكثير من المواقف العظيمة مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبدأت تلك المواقف منذ بعثة النبي حتى توفي، إذ ناصره ودعا إلى ما دعا إليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما لازمه وواساه بنفسه وماله، وتقدَّم معه في فعل جميع أمور الخير، وتولى أمر الأمة الإسلامية بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، واجتمع شمل العرب من خلاله بعد شتاتهم، وقمع أي عدو للديانة الإسلامية، بالإضافة لذلك فإنّ تاريخ الإسلام يزخر بالمواقف النبيلة الخاصة بأبي بكر الصديق، ومنها أنه عندما ارتد عامة العرب عند وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم باستثناء أهل مكة المكرمة والبحرين، ومنع عدد قليل منهم الزكاة، بدأ أبو بكر الصديق يُقاتلهم رغبةً منه في الحفاظ على الديانة الإسلامية من الضياع، ونجح في ذلك بعد أن خاض قتالًا معهم[٧].
فضائل أبي بكر الصدّيق
توجد الكثير من الفضائل الخاصة بأبي بكر الصديق، وأهمها ما يلي[٨]:
- يُعد أبو بكر الصديق الأفضل في هذه الأمة بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهو السابق للإيمان بالله عز وجل، وهو الذي صحب النبي وصدقه في كثير من الأمور، واستمر معه في مكة المكرمة طوال فترة إقامته رغم الأذى والضرر الذي تعرض له، كما رافقه خلال الهجرة النبوية.
- يُعرف أنَّ أبي بكر الصديق ثاني الاثنين في الغار مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ الرسول عندما أراد الدخول إلى الغار دخل قبله حتى ينظر في الغار ولا يُصيب النبي مكروه في شيء، ولما سار في طريق الهجرة كان يمشي حينًا أمام النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثمَّ يمشي حينًا خلفه ويمشي يمينه وشماله أيضًا.
- يُذكر أنه أعطى ماله كله في سبيل الله، إذ كان ذلك عندما هاجر مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أول الخلفاء الراشدين، لذا أُمرنا بالاقتداء به، كما كان يُطلق عليه اسم خليفة رسول الله، وخلافته منصوص عليها، وأمره النبي عند مرضه أن يُصلّي بالناس، وكان ممن يُفتي على عهد النبي، لهذا أرسله النبي أميرًا على الحج في الحجة التي كانت قبل حجة الوداع، وهو الذي حمل راية النبي محمد يوم تبوك.
- يُذكر أنه أنفق جميع ماله لما حثّ عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم من النفقة، وهو كان أحب الناس للرسول، واتخذه النبي أخ له، كما زكاه الله، وزكاه النبي، ومن فضائله أنّه يُدعى من أبواب الجنة جميعها، وقد جمع خصال الخير في يوم واحد.
إجراءات أبي بكر الصديق لاستخلاف عمر بن الخطاب
فيما يأتي إجراءات أبي بكر الصديق لاستخلاف عمر بن الخطاب[٩]:
- استشارة أبي بكر الصحابة من المهاجرين والأنصار: استشار أبو بكر الصديق الكثير من الصحابة حول الشخص الذي سيستخلفه بعده، فكان كل منهم يُزيل عنه المهمة لثقلها، وعمِدَ لسؤالهم على حدة حول عمر بن الخطاب، فأجمع الجميع على أحقّيّته، وجدارته بهذا المنصب.
- كتابته عهدًا: كتب أبو بكر الصديق عهدًا، وقرأه على الناس، وتكلم به عن قُرب دنو أجله، وباستخلافه عليهم عمر بن الخطاب، وحثهم على طاعته، والاستماع إليه، فهو عادل رؤوف بالناس، ويقول كلمة الحق، فلا يوجد أحق منه بالخلافة، وبرعاية شؤون الناس، وشؤون الإسلام.
- إخبار عمر: أخبر أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب فيما عزم عليه، فرفض عمر ذلك، فعمد الصديق لتهديده بالسيف فقبل عمر.
- مناجاة الله: ناجى أبو بكر الصديق الله تعالى بالدعاء مُقرًّا باجتهاده في الرأي والمشورة، وباستخلافه للأفضل بينهم.
- البيعة لعمر قبل وفاة أبي بكر: بعد قراءة عثمان بن عفان للعهد الذي كتبه أبو بكر، بايع الناس عمر بن الخطاب فورًا، فقد استلم عمر العمل كخليفة على المسلمين عندما توفي أبو بكر مباشرةً، فيُلاحظ بأن ابن الخطاب أصبح خليفةً بإجماع الكل، بالمشاورة دون إرغام، فقد استعملت أصح الطرق، وأعدلها في تخليفه، ولم يحدث أي خلاف حول خلافته بعدها، ولم يظهر أحد لمنازعته عليها، فالجميع أجمع عليها، فكان المسلمون وحدةً مترابطةً لا فتن، ولا مؤامرات.
علم أبي بكر ووفاته
أنجز أبو بكر الصديق مشروعًا عظيمًا في جمع القرآن الكريم للمرة الأولى حتى لا يحصل فيه أي نوع من الاختلافات، كما أنه حقق الوحدة الدينية والثقافية للمسلمين، وكان واسع العلم بالقرآن الكريم والسنة النبوية، كما تميز بالفهم الثاقب للمقاصد الشرعية والأحكام وإصدار الفتاوى، بالإضافة لذلك فإنه كان كثير الاستشارة للصحابة رضي الله عنهم، وكانت الرحمة تغلب على الآراء الخاصة به، ووقف وقفة حزم وجد عند وفاة النبي، وكان يرعى الآخرين خاصةً إذا كانوا من الفقراء والمرضى، وفيما يتعلق بوفاته فإنه توفي في جمادى الآخرة عام 13 للهجرة، وكان عمره آنذاك 63 عامًا، كما كانت مدة ولايته حوالي عامين ونصف[١٠].
المراجع
- ^أبد.أكرم ضياء العمري (2014-10-15)، “أبو بكر الصديق”، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-9. بتصرّف.
- ↑ياسمين ياسين، “معلومات عن أبي بكر الصديق”، edarabia، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-9. بتصرّف.
- ^أبإيمان عادل (2019-1-6)، “بحث حول أبي بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين محارب المرتدين وجامع القرآن الكريم”، بحوث، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-9. بتصرّف.
- ↑“التوازن في شخصية أبي بكر الصديق”، اسلام أون لاين، 11-9-2019، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2019. بتصرّف.
- ↑“أبو بكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره”، yabeyrouth، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-9. بتصرّف.
- ↑“أبو بكر الصديق ورقة القلب”، قصة الإسلام، 2008-7-21، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-9. بتصرّف.
- ↑“فضل أبي بكر الصديق”، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2019. بتصرّف.
- ↑“سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه”، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2019. بتصرّف.
- ↑“أبو بكر الصديق واستخلاف عمر بن الخطاب”، قصة الإسلام، 2015-12-27، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-9. بتصرّف.
- ↑ د.أكرم ضياء العمري (15-10-2014)، “أبو بكر الصديق”، islamstory، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2019. بتصرّف.