هآرتس

تسفي برئيل

نظرية الثورات تتحدث عن اربع مراحل تمر فيها كل ثورة، حتى نجاحها أو فشلها. المرحلة الاولى هي خلق تجمع ضائقة يتجاوز حدود التشغيل، الجنس، الطبقة والدين. هذه هي المرحلة التي فيها الناس الذين لا ينتمون الى بيئة معينة يتحولون بفضل الضائقة الى حلفاء، يتحالفون تلقائيا من اجل انقاذ انفسهم منها. الحديث لا يدور بالضبط عن ابناء الطبقات الفقيرة “التقليدية”، المتماهية مع الفقر والعوز،فقد نجد بينهم اصحاب محلات، محامين، معلمين، طلابا، مزارعين، سائقي سيارات اجرة، مثقفين وذوي تعليم محدود، من الذين في اوقات عادية لا يلتقون، وحتى انهم يتنافسون فيما بينهم.
في المرحلة الثانية مجتمع الضائقة يراكم كتلة حاسمة، تخلق وعيا بالمصير المشترك وايمانا داخليا بالهدف. في المرحلة الثالثة هذه الكتلة تقوم بالاحتجاج. هذا الاحتجاج يمكن أن يظهر في المظاهرات، المنشورات، المقالات وظهور في وسائل الاعلام، حتى اللحظة التي فيها هذا الاحباط يقودها الى عصيان مدني، الذي من شأنه أن يتطور الى مواجهة عنيفة بين المواطنين والسلطة. الضائقة في اسرائيل اجتازت مرحلة تأسيس طبقة الضائقة التي تستند الى ركيزتين قويتين وهما المطالبة باقصاء بنيامين نتنياهو عن الحكم والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الحكومة في اطار مكافحة الكورونا. الاحتجاج في المقابل، ما زال في مراحله الاولى.
صحيح أن المظاهرات تخلق صورة لعرض اصلي وجديد في طبيعته، لكنها ليست ظاهرة جماهيرية. هي تقلق السلطة، لكنها لا تهددها، بالاساس لأنها تجد صعوبة في ايجاد بديل للحكم.
المظاهرات لا يوجد فيها قادة بارزون. والنشطاء والمشاركون يحذرون من التماهي السياسي، وادعاءاتهم موجهة تجاه السياسة وليس تجاه الاشخاص الذين يحددونها، الى جانب الدعوة الى ازاحة نتنياهو. السلطة كرزمة واحدة ما زالت تعتبر شرعية، وباعتبارها الجسم الوحيد الذي يمكنه ويجب عليه أن يعالج الضائقة الجماعية. إن زيادة قوة نفتالي بينيت ويئير لبيد تتغذى على هذه الرؤية التي بحسبها يكفي استبدال رئيس الحكومة، والضائقة ستختفي. صحيح أن هذا سيكون انجازا هاما، لكنه لن يكون كافيا من اجل اصلاح الضرر الشديد الذي حدث.
بالنسبة للاصوليين توجد رؤية مختلفة، من جهتهم هي اكثر نجاحا، وهي لا ترى في الحكم سلطة شرعية يمكنها أن تملي عليهم نمط حياتهم، وتقيد صلاتهم وزواجهم، وأن تفرض عليهم أن يكونوا شركاء متساوين في الواجبات تجاه المجتمع. مشاركتهم في الحكم لا تناقض أسس هذه المقاربة. فهم هناك من اجل الاشراف على نظام الحكم ممثلين لسلطات عليا وأقوى بكثير من السلطة التي انتخبها اشخاص من لحم ودم. في الايام العادية قوتهم السياسية تعفيهم من الحاجة الى الاحتجاج أو التمرد، وتمكنهم من جني انجازات اقتصادية وثقافية مقابل دعمهم لنظام الحكم، الذي يعتبر بالنسبة لهم مثل قشرة الثوم.
خلافا للعصيان المدني، للاصوليين ثمة قيادة مدمجة. فتجندهم لا يحتاج الى شبكات اجتماعية. هي هرمية، مبنية من هيئات قيادية، مستويات متوسطة وجنود. ضائقتهم الاقتصادية والصحية ليست نتيجة سياسة حكومية، هي اساس ثابت، نتاج لنمط حياة، عقيدة وفهم غير قابلين للتغيير. أو مثلما قال نتنياهو، هذا مجتمع فوضوي مع امتيازات. طائفة تتمرد ضد انظمة السلطة، لكنها شريكة فيها ايضا. السخرية هي أن هذه الطائفة تخاف من الثورة لأنها يمكن أن تزعج استمرار فوضويتها. هي بحاجة الى النظام القائم الذي يحمي تمردها، بل ويرعاه.
هذا هو الدرس المهم في ادارة التمرد الذي يمكن للاصوليين أن يعلموه لحركة الاحتجاج المدنية. في المقام الاول يجب عليهم تبني المبدأ الذي يقول إن السلطة غير شرعية بالضرورة، حتى لو كانت منتخبة وفقا للقانون. اضافة الى ذلك، يجب عليها انبات قيادة وزعماء من داخلها وعدم الخوف من بناء قوة سياسية محددة ومميزة، تزدهر من داخل الضائقة. ما ينجح لدى الاصوليين يمكن أن ينجح لدى الحركات المدنية ولدى المواطنين بشكل عام.