ألوان سورية تأخذنا إلى عوالم المحبة والدهشة والحبور

نظم غاليري Litehouse في لندن معرضا جماعيا لـ12 فنانا تشكيليا سوريا، إضافة إلى الفنان العراقي المغترب جبر علوان المقيم في روما حاليا. يضم المعرض الذي انضوى تحت عنوان «ألوان سورية» 56 لوحة فنية جمعت بين الرسم، والتصوير، والخط، والكولاج، وقد نُفذت بوسائط مختلفة على الورق والكانفاس، كما تفاوتت أحجامها بحسب الموضوعات التي تعاطى معها الفنانون […]

ألوان سورية تأخذنا إلى عوالم المحبة والدهشة والحبور

[wpcc-script type=”966c258e72cb26b3d2fe022f-text/javascript”]

نظم غاليري Litehouse في لندن معرضا جماعيا لـ12 فنانا تشكيليا سوريا، إضافة إلى الفنان العراقي المغترب جبر علوان المقيم في روما حاليا. يضم المعرض الذي انضوى تحت عنوان «ألوان سورية» 56 لوحة فنية جمعت بين الرسم، والتصوير، والخط، والكولاج، وقد نُفذت بوسائط مختلفة على الورق والكانفاس، كما تفاوتت أحجامها بحسب الموضوعات التي تعاطى معها الفنانون الثلاثة عشر.
وعلى الرغم من تداخل الثيمات وتشابكها، إلا أن وهج الألوان السورية وما تنطوي عليه من رموز وإشارات وتعبيرات هي الثيمة الأبرز التي تهيمن على فضاء المعرض برمته. يُفاجأ المتلقي الذي يلج الغاليري بلوحة «شجرة الصفصاف» للفنان السوري الكردي عمر حمدي، أو «مالفا» كما يُكنى، وهي عمل انطباعي كبير الحجم يُذكرنا ببعض اللوحات الانطباعية لكلود مونيه، وأوغست رينوار، وألفرد سيسلي وغيرهم من رواد المذهب الانطباعي، الذين ينقلون العمل الفني من الطبيعة مباشرة، من دون بهرجة أو تزويق. عُرف «مالفا» كفنان غرافيكي عمل في الصحافة، لكن الرسم كان هاجسه الأول والأخير. وفضلا عن نزعته الانطباعية في الرسم إلا أنه فنان تعبيري تجريدي، ويُعتبر من أبرز الملونين في المشهد التشكيلي السوري.


لا يخفى شغف عقيل أحمد بالخط العربي منذ طفولته، وحين تمكن من هذا الفن أقام بعض المعارض الشخصية مثل «مقامات» و«في حضرة الحرف» في بيروت. ويمكن تلخيص منحاه الأسلوبي بتحويل الأشكال السمعية إلى أشكال بصَرية. يقول عقيل في هذا الصدد: «عندما أسمع صوتا ما بداخلي أحاول أن أمسك لحظات النشوة كلها وأحولها إلى حرف، أو كلمة أو لغة بصرية».
تطورت الفنانة هبة العقاد عن معارضها الكولاجية السابقة التي كانت تستعمل فيها أنواعا محددة من الأقمشة التي تُسفر في خاتمة المطاف عن لوحات فنية مثيرة رغم أنها لا تبتعد كثيرا عن رسومات الأطفال السهلة الممتنعة. وفي هذا المعرض هناك عملان منفذان بالأكرليلك على الورق يشكلان امتدادا لتجربتها الفنية المبكرة لكن جرأتها واضحة في المعالجة الفنية، وضربات الفرشاة الناعمة التي أوصلت هذين العملين إلى هذه الدقة والنعومة والشفافية.
تحتاج غالبية لوحات الفنان محمد شحادة لبش الثماني إلى جهد كبير للولوج إليها أولا، ثم فك شيفراتها الصعبة التي تستدعي من المتلقي طاقة هائلة للوصول إلى التأويلات المقبولة في أقل تقدير، وهذا لا يتم ما لم نفرك الصدأ الذي يغطي الوجوه خاصة، والأبدان المطلية بالألوان الثقيلة التي تخبئ وراءها ملامح الشخصيات التي رسمها الفنان بهذة الخشونة التي تؤذي عين المتلقي في بعض الأحيان.
لا يخرج الفنان عادل داوود في لوحاته الثلاث عن إطاره التعبيري التجريدي المدروس بعناية فائقة، فهو يرصد هم الإنسان السوري المعاصر الذي مزقته الحروب، وأرهقته الهجرات الداخلية والخارجية. ومَنْ يُدقق في هذه الأعمال المنفذة بوسائط مختلفة على الورق سيكتشف من دون عناء تناغمها اللوني، الذي يراهن على الموسقة الكامنة في الأشكال البصرية التي أنجزتها أنامله المرهفة التي تنم عن مخيلة مشتعلة تتأجج كلما انغمر في خلق عمل فني جديد لا يشبه الذي سبقه أو الذي يليه.

تُحيلنا لوحتا غيلان الصفدي إلى أعمال الفنان الألماني أوتو ديكس مباشرة والروسي شاغال وربما إلى غيرهما إن دققنا في لوحاته الأخرى التي نفذها بالحبر على الورق.

تبْرع الفنانة فرح أزرق بأعمالها الكولاجية الثمانية التي صنعت منها موضوعات مختلفة لا يجد المتلقي صعوبة في تأويلها أو الاندماج في تفاصيلها، فثمة مساحة واسعة للتوافق والاختلاف مع مبدعة هذه النصوص البصرية التي تُبهج المتلقي، وتبهره في كثير من الأحيان.
ينجح الفنان شادي أبو سعدة في لوحاته الصغيرة الست، التي اشترك بها في هذا المعرض، فقد عرفناه سابقا في تركيزه على الظلال، والأجزاء المهملة من الكائن البشري. وعلى الرغم من تنويعاته إلا أنه يظل مهموما بالإنسان والإنسانية.
تعود لوحتا الفنان فادي الحموي إلى معرض سابق عنوانه «مجتمع ناقص 180 درجة» تصدى فيه للخرافات والأساطير التي تُثقل كاهل المجتمع السوري، كما أدان النزعة العدوانية مهما كان مصدرها محليا أو خارجيا. وقد استعمل في هذين العملين اللذين يُذكران بأعمال فرانسيس بيكون، شخصيات متنوعة تمارس حياتها اليومية مثل تقديم الهدايا أو استلامها أو الرد على المكالمات الهاتفية في ظل أجواء الحرب التي يعيشها المواطن السوري المغلوب على أمره.
قد لا نستغرب من هيمنة المَشاهِد المقدسية على لوحات الفنان السوري أديب فتال، حين نعرف أن أمه فلسطينية، وفي هذه اللوحات السبع الأقرب إلى المنمنمات لا يرسم أديب حاضر فلسطين الدامي، وإنما يعود إلى ماضيها تارة، ويذهب إلى مستقبلها تارة أخرى كي يصورها بعين فرحة جميلة مبهرة.
تُحيلنا لوحتا غيلان الصفدي إلى أعمال الفنان الألماني أوتو ديكس مباشرة والروسي شاغال وربما إلى غيرهما إن دققنا في لوحاته الأخرى التي نفذها بالحبر على الورق. ثمة شخصيات عديدة في اللوحة الواحدة التي لا تخرج عن إطار اللونين الأسود والأبيض ودرجاتهما، وقد يحتاج المتلقي العادي إلى بعض المعلومات التي تؤازره لفهم التعالقات التي أحدثها الفنان مع شخصيات ورموز عالمية.
اشترك المصور الفوتوغرافي عاصم حمشو بتسع صور معبرة تنتمي إلى الواقعية الفوتوغرافية لكنها تتفوق في قوة الرصد، والالتقاط، والمفارقة في بعض الأحيان. أما الفنان العراقي جبر علوان فقد جاءت مشاركته بثلاث لوحات غير معنونة كنوع من المؤازرة للفنانين السوريين الاثني عشر، فهو مثل غالبية الفنانين العرب يمحض الشعب السوري حُبا من نوع خاص فلا غرابة أن يشترك في هذا المعرض، ويمنحه جرعة من الحيوية والتفاؤل بغدٍ أجمل يغمر أشقاءنا السوريين بوهجٍ من الدوائر الضوئية الملونة التي تأخذهم إلى عوالم المحبة والدهشة والحبور.

٭ كاتب عراقي

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!