المغربي يوسف الكهفعي يرسم هشاشة الكائن

يمكننا القول بأن التشكيلي المغربي يوسف الكهفعي، يحفر جماليا على تخوم المعنى، متأرجحا بقصدية واعية وواثقة بين التعبيرية والتصويرية، في محاولة للقبض على المنفلت من قلق الكائن وضجره وبنوع من الشطح الصوفي. يمزج يوسف الكهفعي الأنماط والتقنيات، للوصول إلى أقاصي التعبير التشكيلي الحر والمنفلت من التجسيد الفلكلوري للجسد والأشياء.. على فضاء لوحة تصر على معاصرتها […]

المغربي يوسف الكهفعي يرسم هشاشة الكائن

[wpcc-script type=”feff8e74debbb49a7ef182b8-text/javascript”]

يمكننا القول بأن التشكيلي المغربي يوسف الكهفعي، يحفر جماليا على تخوم المعنى، متأرجحا بقصدية واعية وواثقة بين التعبيرية والتصويرية، في محاولة للقبض على المنفلت من قلق الكائن وضجره وبنوع من الشطح الصوفي.
يمزج يوسف الكهفعي الأنماط والتقنيات، للوصول إلى أقاصي التعبير التشكيلي الحر والمنفلت من التجسيد الفلكلوري للجسد والأشياء.. على فضاء لوحة تصر على معاصرتها وحفرها في الأسئلة الجمالية الراهنة، والمرتبطة بالواقع وتناقضاته، خارج المقاييس الأخلاقية لجمال مثالي ومتعال.
الفنان لا يخفي ندوب الروح المعذبة والقلقة والحائرة، بل يفجر تناسق الشكل وتناغم اللون، ليكشف عن جانب القبح في هذا العالم وتجلياته النفسية، فالقبح هو ما يهدد الفكرة الفنية على طريق التحرر من قساوة الواقع وتناقضاته وهو ما يمنحها تمظهرها الحسي والأستيطيقي.

يرسم يوسف الكهفعي كائناته وأشياءه لتكتسب وجودهاالأصيل داخل العمل الفني، وباندراجها هذا، تكتسب صبغة إنسانية وتصير موضوعا معبرا عن وحدة الجمالي والوجودي، أو حسب زكرياء إبراهيم في كتابه «مشكلة الفن» «الفن هو هذا الذي لولاه لبقيت الأشياء على ماهي عليه».
ولد الكهفعي في مراكش، حيث يعيش ويشتغل على مشروعه الفني، الذي يحفر في الدواخل الإنسانية ويعريها بقسوة، بحيث تعتبر ثيمة الألم مادة خام لجل أعماله، الألم الذي لا يمكن فصله عن عمق التجربة الإنسانية في صيرورتها وتشكلها، فهو مولد للدافعية والمقاومة، بحثا عن الجميل والممتع والأفضل، هذه الرحلة السيزيفية التي تناولتها الأساطير والأديان والفلسفات في عالم تشتد تناقضاته. يحاول الفنان عبر الرسم والحفر أن يتجاوز المادة لإبراز فكرة أو مزاج أو عاطفة، مجربا كل الأنماط خارج القوانين التقليدية للرسم. أليس الإبداع ألما يحتاج الكثير من الحرية والشجاعة لكي يوصل للمتعة الحقيقية؟


وإذا كان السؤال الجمالي عند فرنسيس بيكون قد تعلق بـ«الكيفية التي ينجح فيها التصوير أو الرسم المعاصرمن التخلص من التشخيص والاتجاه لا نحو التجريد وإنما نحو أشكال ووجوه وملامح جديدة، أبعد ما تكون عن محاكاة الواقع أو حتى تمثله… الجسد بدون أعضاء والوجه بلا ملامح والأمكنة بدون الأبعاد المعهودة للأمكنة.. من التشخيص إلى المشخص».
فإن يوسف الكهفعي يجتهد عبر مسار تجربته الطويل، في تفكيك بـــل تفجـــير المعايير الكلاسيكية للرسم، رافضا كل محاكاة شكلية وسائرا على درب التعبيريين الألمان، الذين حولوا اللوحة إلى فضاء لتدفق العواطف وتحرير أفكار الفنان، فهو لا يرسم الواقع كما يراه ولكن كما يفكر فيه مثل أدوار مانش وفان غوغ هذين اللذين ساقهما حدسهما وثوريتهما التجريبية إلى التجديد والابتكار.
أعمال الكهفعي تحركها الأسئلة الوجودية والمعرفية وهي تجترح أفقا مغايرا للتعبير الفني، عبر تشويه عناصر الواقع بواسطة الشكل واللون، في فضاء لوحته تتمدد الضربة اللونية العفوية والأشكال البسيطة والألوان السائلة، محاولا إثارة الحس الجمالي في عنفوانه وقوته التعبيرية.. كائناته اللونية تفجر شحنة القلق والصراعات النفسية الدفينة، التي تتمظهر على شكل رموز وأجساد منهكة ومتكسرة، لذلك نلحظ أن ضربة الريشة عنيفة ووحشية. العلاقة التي قد تربطنا بأعماله لم تعد علاقة تأملية استمتاعية، بل إنها علاقة في جوهرها تفاعلية، وذلك يبين قدرة اللوحة على إحداث التأثير وحمل العديد من التفسيرات والتأويلات، فالفنان لم يعد همه – هنا – هو إنتاج الجميل، لأن الجمال امتزج بالمسخ والتشويه، وفقا للتناقضات الموضوعية والواقعية.. أصبحت قيمة العمل الفني، تظهر في الموضوع والأسلوب والعلاقة مع المتلقي لأن مفهوم الجمال متغير ومتحرك.
يوسف الكهفعي يرسم هشاشة الكائن ويفضح قبح الواقع باللعب الحرعلى فضاء اللوحة.

٭ فنان وكاتب مغربي

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!