‘);
}

مكانة السيرة النبوية في الإسلام

أقامت السيرة النبوية مباني الإسلام جميعها على قواعده الإيمانية، وجعلت من تعاليم الإسلام أمراً واقعاً من خلال ما فيها من معاني التضحية والبذل والفداء والسلوك والتعامل، كما كانت سبباً في إقامة المجتمع الفاضل والحياة الإنسانية الكريمة بطريقةٍ جمعت بين المثالية والواقعية، وهكذا بقيت دليلاً ومنهاجاً للإنسانية جمعاء في السير نحو تحقيق الحياة التي يرضاها الله سبحانه لعباده، والسيرة النبوية في حقيقتها تطبيقٌ عمليٌ واقعيٌ لنصوص الوحي، وهي مشتملةٌ على توضيحها وبيانها وتفصيلها، وجعلها سلوكاً أيضاً، وذلك في كلّ مجالٍ وكلّ إطارٍ، كما اعتمدت في إقامتها لمنهجٍ بشريٍ متكاملٍ في كلّ الجوانب على منهجٍ ربانيٍ حائزٍ على مقام العصمة والكمال في مصدره ومرجعيته، وكذلك في تطبيقاته وتأويلاته، فمصدره المشرّع هو الله الحكيم العليم سبحانه، الذي تكاملت حكم أحكامه، والذي أحاط بكلّ شيءٍ علماً، أمّا مطبّقه والقائم على تنفيذه فهو المعصوم عن الزلّل والخلل الظاهر والباطن، والناطق بالوحي قولاً وعملاً.[١]

وهكذا فقد أراد الله تعالى أن تكون السيرة النبوية نموذجاً تطبيقياً، اكتمل تطبيق الدين من خلالها بكلّ شمولٍ وكمالٍ، واشتمل ذلك على كلّ الأعمار والمراحل والأشخاص رجالاً كانوا أو نساءً أو أطفالاً، وسواءً أكانوا فراداً أم جماعاتٍ، كما أراد الله سبحانه للسيرة النبوية أن تشمل في تطبيقها ميدان المجتمع والدولة، سواءً صغرت الدولة أم كبرت، وسواءً أكانت في حالة حربٍ أم سلمٍ، وهكذا يجد المسلمون في السيرة النبوية ما يرتوون منه في كلّ ظروفهم، ويبحثون فيها عن العلاج والغذاء والارتقاء، ويعدّونها مستودعاً شاملاً وجاهزاً ليكون القدوة للناس في كلّ جيلٍ من أجيالهم وفي كلّ شيءٍ من حاجاتهم، وقد قال ابن القيم -رحمه الله- عنها: إنّ الواجب على كلّ من يحرص على نفسه ويحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من سيرة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- وهديه ما يخرج به عن طريق الجاهلين، ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه، والناس في ذلك بين مقلٍّ ومستكثرٍ ومحرومٍ.[١]