‘);
}

بُغض النبي للأصنام وعبادتها

كان العرب في الجاهلية يؤمنون بأنّ للكون خالقاً يُعبد، حتى إنّهم لم يقولوا يوماً أنّ اللات والعزّى أنّهم خلقوا السماوات والأرض، ولكنّهم كانوا يشركون الخالق في العبادة، معتقدين بأنّهم شفعاءٌ عند الله سبحانه، ووسيلةٌ للتقرب منه، حيث قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)،[١] والنبي -صلّى الله عليه وسلّم- كان يُدرك كلّ تلك الأمور، ويعلم أيضاً أنّ اللات والعزى أصناماً لا تضرّ ولا تنفع، وأنّها ليست الطريقة السليمة للوصول الى الله تعالى، فأنكرهما أيضاً، ولم يتقرّب إليهما، وكان ذلك واضحاً ظاهراً أمام الناس، فلم يُخفِه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقد كان يطوف مرةً بالكعبة، وقد وضع في صحنها صنمان؛ هما إساف ونائلةٌ، فيقول زيدٌ مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (وقد طُفنا: لأَمَسَّنَّهما حتى أنظرَ ما يقول، فمَسَسْتُهما، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ألم تنْهَه؟ فلا والذي أكرمَه ما مسَسْتُهما حتى أنزل اللهُ عليه الكتابَ).[٢][٣]

موقع غار حِراء

ترك النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وسط عبادة الأوثان التي كانت منتشرةً ميسرةً، وبعض العادات السيئة التي سادت المجتمع الجاهليّ، واختار أن يختلي بنفسه، ويبتعد عن انشغالات البشر، وضوضائهم، وينفرد بالتعبّد والتحنث، وقد كان حنيفاً على دين إبراهيم عليه السلام، وقد وقع اختيار النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على غار حراءٍ؛ وهو غارٌ يقع على يسار قمة جبل النور؛ وجبل النور يقع في جهة الشمال الشرقي لمكة، وبالرغم من أنّ الجبل كان وعراً جدّاً، وصعوده ونزوله فيه شيءٌ من الخطر، وطوله يبلغ 642 متراً، إلّا أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ظلّ يتردّد إليه باستمرارٍ، فتقول عائشةٌ رضي الله عنها: (ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ؛ وَهُوَ التَّعَبُّدُ، اللَّيَالِيَ أُولاَتِ الْعَدَدِ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا)،[٤] وأمّا تفاصيل الغار: فهو يشبه سنام الجمل، أو القبة الملساء، طوله أربعة أذرعٍ، وعرضه ذراعٌ وثلاثة أرباع الذراع تقريباً، ويتّسع لبضعة رجالٍ يصلّون فيه، ويجلسون، ويوجد في مدخله صخورٌ كبيرةٌ متراصّةٌ بعضها فوق بعضٍ، وفيها فجوةٌ صغيرةٌ طويلةٌ يحتاج من يدخل الغار أن يمرّ منها، لكنّها تطلب كثير الحذر والانتباه لوعورة المكان.[٥][٦][٧]