استضاف الأردن خلال العقدين الأخيرين العديد من المناسبات العالمية، وحضرت شخصيات مؤثرة عالمياً أنشطة مختلفة في الأردن، خاصة في دورات المنتدى الاقتصادي العالمي، وتسنى لي الحضور في بعض المؤتمرات، ويمكن القول بكثير من الارتياح إن وقائع هذه المناسبات في تفاصيلها الإدارية كانت مدعاة للفخر، فكنت ألمح الإعجاب لدى الضيوف القادمين من خارج الأردن، وكان الأمر يبث داخلي شيئاً من الاعتزاز لأنني في النهاية أنسب الإتقان إلى بلدي، وهو ما ينعكس إيجابياً على معنوياتي وتقديري لنفسي في أي حوار، وأعتقد أن ذلك شعور جميع المشاركين الأردنيين الذين كنت أتابع طريقة حديثهم مع الضيوف واستلهامهم للأجواء المواتية والأداء اللافت، لينعكس ذلك على مؤشر ثقتهم الذاتية.
وأنا أستحضر تلك المشاركات، وجدت كل المبررات للغضب والاستياء من المشاركة الأردنية في معرض إكسبو- دبي، الفرصة التي تجمع العالم لتستعرض كل دولة منجزاتها والفرص التي تقدمها للزوار والمستثمرين، فليس بهذه الطريقة المخيبة يمكن تقديم الأردن، وبعد فضيحة اللقاءات التلفزيونية مع المتواجدين في المعرض والمفترض بهم أن يتفاعلوا مع الجمهور من شتى دول العالم وثقافاته، وما تبين من ارتجال في التخطيط والتنفيذ، يمكن أن نضع على الطاولة سؤالاً كبيراً حول مدى أهلية العديد من الجهات لتقديم الأردن.
من تخير أن يقدم الأردن على هذه الشاكلة، أين القيمة المضافة فيما نقدمه، عمان والعقبة كوجهتين سياحيتين، ورام الله بالمناسبة، وحسب معلومات فريق المعرض، هذه أمور لا تشكل قيمة مضافة على الإطلاق، فمثلاً لا يمكن أن تعد بحيرة جنيف إنجازاً للشعب والدولة في سويسرا، ولكن ما يعد إنجازاً هو الحفاظ على نظافة البحيرة وتنوعها الحيوي ونظام النقل داخلها، أي كيف نتعامل مع الطبيعة، ما الذي يعنيه تقديم الثورة العربية الكبرى، هي حدث تاريخي لا يهمنا وقائعه بقدر ما نهتم بنتائجه، وهي تحقيق الاستقلال العربي وتعزيز الذات العربية على خريطة العالم، ألم يكن أفضل أن نقدم مبادرة ضاد للحفاظ على اللغة العربية التي كانت مهددة قبل الثورة تحت وطأة سياسة التتريك.
أين ذهبت المواقع والتطبيقات الأردنية على شبكة الإنترنت؟ ألا نحاول تقديم الأردن في المنافسة على استقطاب وتوطين التكنولوجيا؟ أين اختفت الصناعات الدوائية والمنجزات الطبية؟
الأخطاء ليست فردية ولا يمكن أن تنحصر في المرشدين، فهم لا يتبعون لمؤامرة كونية لتشويه الأردن، الخلل مؤسسي في جذوره، والحديث عن الجناح الأردني يتفاعل منذ أسابيع ولا حياة لمن تنادي، الجميع مهتمون بإرضاء المسؤولين الذين يمكن أن يقضوا بضع دقائق في المعرض، أما سمعة الأردن والتواجد الذي يستحقه بين دول العالم، فأمر لا يعني أحداً، ويبدو أن المشاركة علقت في منطق التنفيعات والعلاقات، خاصة أن الأردن تمكن من تنظيم العديد من المؤتمرات والمهرجانات الدولية، ولكن هذه الفئة من الشباب التي نجحت في عمان والبحر الميت والعقبة لا تصلح للتصدير.
كما أن النجاح يثير الاعتزاز، فإن الفشل يلحق ضرراً (معنوياً ونفسياً) بالمواطن الذي يتعلق بقدرة بلاده على الإنجاز، ولعله يتوجب التساؤل حول تجاهل هيئة شباب كلنا الأردن الذين شاركوا بفاعلية في إنجاح برنامج التلقيح الوطني، وبقية خريجي برامج صندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية الذين تواجدوا دائماً في البحر الميت وغيره من المواقع، ألم يكن بينهم من يستطيع أن يمثل الأردن بصورة مشرفة في مناسبة عالمية تقدم بهدف بناء الصورة الذهنية للدول المشاركة.
تشرفت بتدريب عشرات الشباب في مقتبل العمر في أنشطة منتدى شومان، ومواقع أخرى، وكنت أخرج في كل مرة ممتلئاً بالأمل في المستقبل لأن جيلاً صاعداً يمكنه أن يفرض نفسه وأن يجد مكانه تحت الشمس، ولذلك أنا غير مقتنع بأن من شاهدناهم في دبي يمثلون الأردن، ويبقى مطلوباً معرفة الملابسات كاملة في هذه الخيبة المعلنة التي أتت بنتائج عكسية تماماً لما قصدناه وتطلعنا له من المشاركة في إكسبو 2020.