استدعاءات أمنية و”دوريات إلكترونية”.. تقرير مهني يتحدث عن إعلام أردني “مكبل”

وثق التقرير جملة من الضغوط التي تعرّض لها العاملون في وسائل الإعلام خلال العام الماضي، وأظهرت مؤشراته أن حالة الإعلام “مقيدة”، لكنه رصد تراجعا للانتهاكات الجسيمة.
جانب من عرض التقرير يوم أمس (الجزيرة)

عمّان- “إعلام مكبّل باستدعاءات أمنية لعاملين بوسائل الإعلام، ودوريات إلكترونية تجوب وسائل التواصل الاجتماعي، وتشريعات تمس الحقوق الدستورية، وأوامر دفاع، وقرارات قضائية بحظر النشر”، حالة تشخيصية لمشهد حرية الإعلام الأردني خلال عام 2021، وفق تقرير لمركز حماية وحرية الصحفيين الأردنيين.

ووثق التقرير جملة من الضغوط تعرض لها العاملون في وسائل الإعلام خلال العام الماضي، وأظهرت مؤشراته أن حالة الإعلام “مقيدة” بفعل جائحة كورونا، وأوامر الدفاع، وتراجع إيرادات المؤسسات الإعلامية.

وفي المقابل، فقد رصد التقرير تراجعا للانتهاكات الجسيمة التي تعرّض لها العاملون في وسائل الإعلام المستطلعة آراؤها، خاصة الاعتداءات الجسدية وتوقيف الصحفيين والحبس.

تراجع الانتهاكات الجسيمة

ووفق نتائج التقرير المعلن عنها في مؤتمر صحفي عقد ظهر أمس الاثنين، فإن الجسم الصحفي بات يدرك أن “فضاء عملهم وهوامشه ومساحاته تضيق كل يوم، وأن الانتهاكات غير الجسيمة تعُمّ وتتوسع، فالوصول للمعلومات صعب ومتعذر، وعدم الإجابة عن أسئلة الصحفيين وحجب المعلومات عنهم أمر شائع في المؤسسات العامة”.

ويرى مؤسس وعضو مجلس إدارة المركز نضال منصور أن “أوامر منع النشر حاصرت وسائل الإعلام ومنعتها من القيام بواجبها في مناقشة القضايا العامة المهمة، وتتكفل الاستدعاءات الأمنية بتهذيب وإسكات من تبقى من الإعلاميين الذين يستمرون بمحاولات كسر الخطوط الحمراء”.

وحول دلالات عنوان التقرير، قال منصور للجزيرة نت عقب المؤتمر إن عنوان التقرير “إعلام مكبّل” بات واقع الحال الحقيقي لوسائل الإعلام، ولم تعد تلك الوسائل سلطة رقابية في المجتمع، خاصة أنها تعيش تضييقا يوميا لهوامش الحرية التي تتحرك بها، وباتت منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي كان يُلجأ لها هربا من القيود في طور السيطرة عليها.

وكلاء التضييق

نتائج التقرير أظهرت أن 14% من العينة المستجيبة ترى أن البيئة السياسية “غير حرة”، و56% يرون أنها “مقيدة”، بينما يرى 25% أنها مقيدة جزئيا، في حين يرى 4% أنها “حرة”. ولا تتعلق البيئة السياسية بالتشريعات الناظمة لحرية الرأي والتعبير والإعلام، بل تتعدى ذلك لاستمرار التدخلات الحكومية وحتى الأمنية في عمل الإعلام.

وبحسب التقرير، فقد تراجعت التدخلات السافرة والمباشرة في توجيه الإعلام من قبل الأجهزة الحكومية والأمنية، في حين باتت تقوم بدور “التدخلات وتوجيه المشهد الإعلامي القيادات الإعلامية في المؤسسات المختلفة”.

ويصف التقرير العلاقة بين مؤسسة البرلمان ووسائل الإعلام، بأن البرلمان يظهر كـ”سلطة معادية للإعلام، ولا يذهب لمراجعة التشريعات المقيّدة، ولا يلاحق السلطات على انتهاكاتها، بل يضيق على ممارسة الصحفيين عملهم تحت قبة البرلمان”.

ويتزامن إصدار التقرير مع ضغوطات اقتصادية وأزمات مالية تمر بها غالبية وسائل الإعلام الأردنية، خاصة الصحف الورقية، مما دفع بصحفيين وعاملين في صحف يومية لتنظيم اعتصامات احتجاجية بعد تأخر أجورهم عدة أشهر.

خطوة للأمام وخطوتان للخلف

ويصف مدير هيئة الإعلام الأردني الأسبق محمد قطيشات حالة الحريات الإعلامية في الأردن بأنها “تتقدم خطوة، لكنها بذات الوقت تتراجع خطوتين للوراء”.

وتابع “لدينا تشريعات تتعلق بوسائل الإعلام ما زالت غامضة وفضفاضة، مما يخلق حالة من التضييق على الحريات، والتوسع في دائرة التجريم”، إضافة للشروط والموافقات والتراخيص الصادرة عن رئاسة الوزراء التي يجب أن تحصل عليها وسائل الإعلام، “لكنها تشكل حالة من الإرهاق لتلك المؤسسات وتدفع بعضها للإغلاق”.

وبخصوص قرارات حظر النشر، أوضح قطيشات أنها “سلطة بيد القضاء منحت له بحكم القانون، ويتم استخدامها لمصلحتين: توفير محاكمة عادلة للمتهمين بحيث لا يمارس الرأي العام ضغطا على القضاء، وبين مصلحة حق الجمهور بمعرفة التحقيقات المباحة”.

ولا يرى قطيشات أن قرارات حظر النشر “ضيقت بشكل مطلق من حرية الإعلام، لكنها تدخل في باب القيود غير المرهقة”.

تكميم للإنترنت

واستعرض التقرير عددا من التشريعات المقيدة لحرية الإعلام والصحافة، ابتداء من قانون الجرائم الإلكترونية، وقانون العقوبات، وقانون المطبوعات والنشر، ومنع الإرهاب، وقانون أسرار ووثائق الدولة، ومنع الجرائم.

وأضيف لتلك التشريعات محاولة السلطات في عام 2021 تكميم أفواه الصحفيين والصحفيات ومستخدمي الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، من خلال تقديم مقترح لتعديل أنظمة الإعلام، لكن تلك التعديلات توقفت، بحسب التقرير.

ورصد المركز اختراق شركة التجسس الإسرائيلي هواتف 200 رقم أردني، وشملت عملية الاختراق هواتف تعود ملكيتها للديوان الملكي، واللجنة الأولمبية، وأعيان وناشطين.

وكرر التقرير جملة من التوصيات التي “لم تجد آذانا صاغية للتقارير السابقة”، بحسب منصور، أبرزها:

  • العمل على إقرار قانون مستعجل لمجلس الشكاوى، ينصف المجتمع من أخطاء وسائل الإعلام.
  • إيلاء السلطة القضائية اهتماما بضرورة مباشرة التحقيق المستقل في الانتهاكات التي تقع على الصحفيين والصحفيات ووسائل الإعلام بمجرد العلم بها، أو النشر في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
  • تأسيس مرصد للانتهاكات الواقعة على حرية التعبير، وخاصة ما يحدث في فضاء منصات التواصل الاجتماعي.

ويبدو المشهد الإعلامي في الأردن منفتحا ومتصالحا مع البيئة السياسية والتشريعية، لكن خلف شاشات التلفزة وأوراق الصحف، حرية مكمّمة ومفصّلة على مقاييس السلطات، بحسب التقرير.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!