تونس – “القدس العربي”:

أحيا عدد من الحقوقيين والنشطاء التونسيين الذكرى السابعة والثلاثين لثورة الخبز، مطالبين السلطات التونسية بالكشف عن أسماء الضحايا الذين سقطوا برصاص قوات الجيش والأمن.
وانطلقت أحداث انتفاضة الخبز عام 1984 من مدينة دوز في الجنوب التونسي بمناسبة السوق الأسبوعية في 29 كانون الأول/ديسمبر 1983، حيث عبر المحتجون حينها عن رفضهم زيادة أسعار الخبز، في شكل مظاهرات أدت إلى المواجهة بين المتظاهرين وقوات النظام، وفي يوم 3 كانون الثاني/يناير، بلغت الانتفاضة أوج أحداثها وباتت المواجهة مفتوحة بين المتظاهرين من ناحية وقوات النظام العام والجيش من ناحية أخرى، واعترف النظام بسقوط عشرات الضحايا برصاص قوات الأمن والجيش، قبل أن يعلن الحبيب بورقيبة التراجع عن الزيادة، مردداً عبارته المشهورة “نرجعو كيما كنا قبل” (نعود إلى ما كنا عليه قبل الاحتجاجات).
وكتب الباحث والمحلل السياسي نور الدين العلوي: “ثورة الخبز: الدولة لم تقدم لنا أبدا -ولا أظنها تفعل- عدد الشهداء وأسماءهم فردا فردا (علما بأن بعضهم مات في عراك النهب في المساحات الكبرى بفعل الناهبين)، فبعد الساعة الرابعة غلب الأمن على أمره وتفشى النهب، حتى الساعة السابعة وكان الوقت ليلا”.
وأضاف: “في كل ذكرى يعود لنا اسم شهيد واحد، فيمجد كشهيد وحيد وليس أظلم لبقية الشهداء من هذا الغبن السياسي. لم يظهر مؤرخ واحد يربط بين كواليس القصر ومعركة وسيلة مع مزالي (الصدام بين زوجة بورقيبة ورئيس الوزراء حينها) وكيدها له ولحكومته المنعوتة بحكومة الساحل، وهي نفس المكائد التي وجدت عليها أدلة في عملية قفصة، وللأسف لم أصل إلى أدلة ملموسة دامغة، لكن شبهات لا تأتي تحت حصر انتهت بطلاق وسيلة لكن بعد فوات الأوان”.

وكتب جمال المقدمي (أحد المشاركين بالتظاهرات): “انطلقت انتفاضة الخبز عشية 28 ديسمبر 1983 بقبلي، نقل الخبر الرفيق المرحوم سمير بوعجيلة. تبنى اليسار الطلابي وعلى رأسهم الطلبة الوطد المطالب الشعبية وبدأت التحركات التي توجت يوم 3 يناير بمظاهرة شعبية عظمى انطلقت من كلية الحقوق مرورا بجبل الأحمر بعد معركة شرسة مع مليشيات سيئ الذكر الهاشمي الحامدي. سقط فتحي الفالح شهيدا بباب العسل أين كان يقود مسيرة مع جمع من الرفاق أذكر منهم كلثوم كنو وصابر ضاحي، تبعه الطالب كمال السبعي بالملاسين. استشهد الفاضل ساسي في شارع باريس وهو يحاول اقتحام شارع بورقيبة مع ثلة من المتظاهرين”.

وأضاف في تدوينة أخرى: “في مثل هذا اليوم سنة 84 التقت مجموعة من الطلبة التقدميين من مختلف التيارات السياسية اليسارية في اجتماع سري بإحدى غرف المبيت الجامعي هارون الرشيد في “ميتوال فيل” وضعت خرائط العاصمة فوق الطاولة وبعد التداول والمشاورات تقرر الرد على نظام بورقيبة الذي بدأ منذ يوم 28 ديسمبر بدوز في قمع التحركات الشعبية المناهضة للزيادة في سعر الخبز، رسمت الخطة لمباغتة البوليس الذي كانت تقاريره تفيد بعدم قدرة الطلبة على التحرك قبل مرور أسبوع على العودة للدراسة”.
وتابع بقوله: “وقع الاتفاق على التحرك يوم 3 يناير بتسيير ثلاث مظاهرات من أماكن وتوقيت مختلف لتلتقي أخيرا بشارع باريس واقتحام شارع بورقيبة، تنطلق المسيرة الأولى من كلية الحقوق في اتجاه الجبل الأحمر فتونس على الساعة العاشرة وتقع مسؤولية تسييرها على عاتق شبيبة المركب الجامعي وكانت كلمة سر انطلاقها بحوزة العربي البحري. تنطلق المسيرة الثانية من باب سعدون على الساعة الحادية عشرة ويتكلف بتسييرها شباب منوبة و9 أبريل، أما المسيرة الثالثة فتنطلق من حديقة البساج في الساعة الواحدة وأغلب الظن أنها المسيرة التي قادها الشهيد الفاضل ساسي في اتجاه اقتحام شارع بورقيبة”.

ونشرت القاضية السابقة كلثوم كنو (إحدى المشاركات بالتظاهرات) شريط فيديو للقيادي اليساري الراحل، شكري بلعيد، وهو يرثي الفاضل ساسي، وعلقت بقولها: “الفاضل فينا حي. شكري فينا حي. شهداؤنا فينا أحياء”.

فيما نظم عدد من ضحايا انتهاكات أحداث الخبز وقفة احتجاجية في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية، مطالبين السلطات بمحاسبة من ساهموا في الاعتداء على المتظاهرين خلال ثورة الخبز، كما طالبوا الرئيس قيس سعيد لتخصيص الثالث من كانون الثاني/يناير من كل عام كـ”يوم للعيش الكريم” كنوع من التكريم لضحايا أحداث ثورة الخبز.
يذكر أن هيئة الحقيقة والكرامة خصصت في وقت سابق جلسات استماع لضحايا أحداث ثورة الخبز، كما أعدت شريطا وثائقيا يرصد ما حدث خلال التظاهرات المطالبة بخفض سعر الخبز والتجاوزات التي ارتكبتها السلطات ضدهم.