كيف يؤثر الجسد في صحة القلب؟

يعتبر القلب محور الجسم، ومن دونه قد تتوقف حياة الانسان، وأي علة تصيب أعضاء الجسد تؤثر في القلب، والأعضاء الصحية السليمة تنعكس ايجاباً على الصحة العامة للمرء.هنا عرض لارتباطات القلب مع باقي اعضاء الجسم وانسجته.

القلب

يدق القلب 2.5 مليار دقة في المتوسط خلال فترة الحياة كلها، دافعاً الدم نحو كل جزء من الجسم. ويحمل دفق الدم معه الأوكسجين، والوقود، والهرمونات، وجملة من الجزئيات الحيوية الأخرى، كما أنه يتخلص من النواتج المتخلفة عن التمثيل الغذائي (الأيض). وعندما يتوقف القلب فإن الوظائف الحيوية ستتعطل، بعضها فوراً. ويتراسل القلب والشرايين دوماً مع كل أجزاء الجسم، وهو يستقبل مع الشرايين الإشارات الحيوية الراجعة من تلك الأجزاء.

الرئتان

تزود أنسجة الرئتين الإسفنجية الدم بالأكسجين، كما تبعد ثاني أوكسيد الكربون منه، وتقوم أيضا بترشيح الخثرات الدموية الصغيرة وشظاياها. وكما هي الحال في أمراض القلب، فإن أمراض الرئة مثل انتفاخ الرئة emphysema والربو، غالباً ما تؤدي إلى عواقب على كل الجسم، إذ انها قد تقود إلى توسيع البطين الأيمن للقلب، الأمر الذي يؤدي إلى عجز القلب. والأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات يعانون في الغالب من ارتفاع ضغط الدم واضطراب إيقاع القلب. كما أن المشكلات التنفسية في أثناء النوم خصوصاً انقطاع النفس، بمقدورها أيضا أن تسبب مشكلات في القلب.

الكليتان

الكليتان تعالجان نحو 200 كوارت (189.3 لتر) من الدم يومياً، وهي تلفظ نواتج النفايات والماء الزائد خارج الجسم. كما أنها تفرز الإريثروبويتن erythropoietin الذي يحفز نخاع العظم على إنتاج خلايا الدم الحمراء، وتفرز كذلك الرينين rennin الذي يساعد في تنظيم ضغط الدم، والكلسيتريول calcitriol الشكل النشيط من فيتامين د الذي تحتاجه العظام والقلب. ويرتبط القلب بالكليتين بشكل وثيق، فأي ضرر حتى وإن كان ضئيلاً في الكلية يؤدي إلى زيادة في خطر التعرض لنوبة قلبية أو سكتة دماغية، أو الوفاة بسببهما. كما أن أمراض القلب قد تكون إشارة تحذير من أن الكليتين تتعرضان للتلف.

العضلات

العضلات النشطة تساعد في الوقاية من مرض السكري (المرض الذي أصبح شائعاً ويضر بالقلب والشرايين) وذلك بالحفاظ على مستويات السكر والأنسولين في الدم، كما أن تشغيل العضلات وتمرينها يساعد على الحفاظ على مرونة الشرايين وصحة القلب وقوته.

الدماغ

الاتصالات بين الدماغ والقلب تؤثر في صحة كل منهما.

العينان

ارتفاع ضغط الدم والسكري قد يضران بالبصر، نتيجة تضيق الأوعية الدموية في العينين، وحدوث تمددات منتفخة صغيرة على طول جدران تلك الأوعية (أم الدم aneurysms)، ما يؤدي إلى انسداد شرايين الشبكية في العين، وتكوين أنسجة ميتة، أو في طريقها إلى الموت نتيجة انعدام تدفق الدم.

الأسنان واللثة

العدوى والالتهابات الحاصلة في الأسنان واللثة قد تشجع على ظهور أمراض القلب والأوعية الدموية. ومن المحتمل أن تكون أمراض اللثة وفقدان الأسنان ناجمةً عن اتباع نظام غذائي سيئ، الأمر الذي يسهم في زيادة خطر حدوث أمراض القلب. وقد تتسلل البكتريا من الفم أحياناً نحو الجدران الداخلية لحجيرات القلب slippery endocardium، ويمكن لهذه العدوى المسببة لالتهاب شغاف القلب endocarditis أن تحدث الإضرار في صمامات القلب، أو تدمرها.

الغدة الدرقية

القلب حساس جدا للإشارات القادمة من الغدة الدرقية، فقد يؤدي فرط نشاط الغدة الدرقية إلى حدوث إيقاع غير منتظم في دقات القلب، وإلى ارتفاع ضغط الدم، وفي بعض الأحيان إلى آلام في الصدر. أما نقص نشاط الغدة الدرقية فقد يتسبب في إيقاع شديد التباطؤ غير عادي للقلب ويسهم في حدوث تصلب الشرايين وعجز القلب، والأدوية المستخدمة لضبط إيقاع القلب غير المنتظم، خصوصاً دواء “أميودارون” amiodarone “كوردارون” Cordarone، قد تسبب عدم انتظام الغدة الدرقية.

الكبد

بوصفها أكبر أعضاء الجسم الداخلية فإن الكبد تنفّذ وظائف متعددة، وهي تتراوح من إنتاج وإفراز أحماض المرارة الضرورية للهضم، إلى تفكيك مركبات الأدوية والكحول والسموم. والكبد أيضا هي «الدار المركزية» لإنتاج وخزن ومعالجة الدهون والكولسترول، وهذا الدور الأخير له تأثيرات مباشرة في القلب.

الجلد

قد يعكس الجلد المشكلات التي يعاني منها القلب والشرايين، فالحالات الجلدية المرضية مثل الصدفية psoriasis ترتبط بمرض القلب.

البنكرياس

البنكرياس المنزوي خلف المعدة يصنع إنزيمات تساعد الأمعاء في هضم الطعام، كما أنه ينتج أيضا الأنسولين، الهرمون الذي يحتاج إليه الجسم لتمرير سكر الدم نحو خلايا العضلات، وكذلك الغلوكاغون glucagon الذي يأمر الكبد بتحرير كميات الغلوكوز المخزونة، عندما يقل مستوى سكر الدم كثيراً. والأشخاص الذين يعانون من مرض السكري النوع الأول لا يمكنهم إنتاج الأنسولين، أما الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري النوع الثاني فإن أنسجة الجسم لا تستجيب بشكل اعتيادي للأنسولين.

والنتيجة هي وجود مستوىً عال من سكر الدم الذي يلحق الضرر بالشرايين والأعصاب وجملة من الأنسجة. والسكري هو المرض الرئيسي الذي يسهم في حدوث أمراض القلب، ولذا فإن ضبط مستوى سكر الدم، وضغط الدم، مهم للأشخاص المصابين بالسكري.

شحوم البطن

الدهون المتراكمة على البطن وحولها، أكثر خطورة على القلب من الدهون المختزنة في أي موقع آخر من الجسم.

الأعضاء الجنسية

الهرمونات التي ينتجها المبيضان والخصيتان تؤثر بقوة في صحة القلب، فالإنتاج المتدني للهرمونات الجنسية مع تقدم العمر قد يسهم في حدوث أمراض القلب. وقد تشير المشكلات الجنسية لدى الرجال أيضاً، إلى وجود أمراض خفية في القلب والأوعية الدموية.

العظام

الأشخاص الذين يعانون من هشاشة العظام عليهم خطر أعلى في الإصابة بأمراض القلب، فيما تزيد أمراض القلب من فرص ظهور هشاشة العظام.

المفاصل

التهاب المفاصل الروماتويدي، والنقرس، وداء الذئبة الجلدي، واضطرابات المناعة الذاتية الأخرى هي مشكلات صحية مزمنة تنجم عن اضطراب وظيفة جهاز المناعة. وكما يبدو فإنها تزيد من خطر أمراض القلب (إلا أن هذا لا يشمل التهاب المفاصل العظمي الناجم عن تقدم العمر) ومن المحتمل أن تؤدي السيطرة على الالتهابات المصاحبة لمشكلات المفاصل هذه إلى تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب. إلا أن أفضل طريقة حتى الآن هي تخفيف الخطر على القلب باتباع نظام غذائي صحي ونقص الوزن وإجراء التمارين الرياضية، وضبط ضغط الدم والكولسترول.

إرتباطات غريبة بين القلب والأعضاء

  • تغضّن شحمة الأذن: الأشخاص الذين لديهم تغضّن على طول خط القطر، أو انبعاج على إحدى شحمتي الأذن أو كليهما، يكون لديهم خطر أعلى من المتوسط في الإصابة بأمراض القلب.
  • الصلع: أمراض القلب أكثر شيوعاً لدى الأشخاص الذين يصابون مبكراً بالصلع.
  • الشعر الأشيب: رُبط ظهور الشعر الأشيب قبل أوانه بأمراض القلب.
  • طول الرجلين: كلما ازداد طول الرجلين، كلما قل خطر الإصابة بأمراض القلب.
  • قصر القامة: الأشخاص البالغون الأقصر قامة أكثر عرضة لأمراض القلب، كما يزداد لديهم خطر الرجفان (الاختلاج) الأذيني atrial fibrillation.
  • الشقيقة (الصداع النصفي): أمراض القلب تزداد شيوعاً لدى المصابين بالشقيقة.

صحة القلب والوظائف الجنسية

اعتبر التستوستيرون في وقت ما سيئاً للقلب، والسبب الرئيسي وراء الظهور المبكر لأمراض القلب لدى الرجال أكثر من النساء. إلا أن عدداً متزايداً من الأبحاث يشير إلى أن انخفاض نسبة التيستوستيرون هو الذي يسبب المشكلات، خاصةً عند الرجال الأكبر سناً.

ويساعد التيستوستيرون الأوعية الدموية على الاسترخاء، والتوسع، وتمرير الدم عند الحاجة إليه عند الرجال. وهو يحسن من ضغط الدم ومستوى الكولسترول كما أنه يؤثر إيجابياً في كهربائية القلب، أما قلة التيستوستيرون فقد رُبطت بجملة من المشكلات الصحية، التي تتراوح بين ظهور مرض السكري من النوع الثاني وفقدان العظام، وكذلك انخفاض الرغبة الجنسية.

إن الشرايين المسدودة بمقدورها أيضاً العمل على اضطراب النشاط الجنسي بفعل تراكم الكوليسترول، فعندما تحفز اللمسة، أو النظرة، بل حتى الفكرة، الدماغ على إرسال إشارات التهيج الجنسي فإن شرايين العضو الذكري تسترخي وتتوسع. ويتدفق دم إضافي نحو القضيب الذكري، مضفياً صلابة أكثر على أنسجته، وضاغطا على الأوردة الصغيرة التي ترجع الدم من القضيب الذكري. إلا أن تراكم الترسبات الدهنية في داخل الأوعية الدموية في كل مناطق الجسم بمقدوره أن يتداخل مع هذه العملية، مؤديا إلى ضعف الانتصاب أًو منعه تماماً. وترسل مشكلات الانتصاب تحذيرات بضرورة إجراء فحص لعلامات على وجود أمراض في القلب.

ويشمل هذا الفحص فحوصات لمستوى الكولسترول العالي، وارتفاع ضغط الدم السكري، إضافة إلى أعراض لتصلب الشرايين في مواقع أخرى من الجسم، مثل وجود ضغط في الصدر، والمرور بفترات من صعوبة التنفس، أو وجود آلام في إربة الساق عند المشي. والتركيز على النظام الغذائي الصحي والتمارين الرياضية والامتناع عن التدخين يساعد في تحسين صحة القلب والوظائف الجنسية.

المبيضان وصحة الأوعية الدموية

المبيضان هما معملان صغيران جداً لإنتاج الهرمونات، لهما دور مهم في صحة القلب والأوعية الدموية لدى النساء، فقبل وصول المرأة إلى سن اليأس من المحيض، يرسل المبيضان دفقاً متواصلاً من هرمون الأستروجين وهرمونات أخرى. وتساعد هذه الهرمونات على الحفاظ على مرونة الشرايين، وهي أحد الأسباب التي تؤخر ظهور أمراض القلب لدى النساء لمدة عشر سنوات في المتوسط مقارنة بالرجال.

أما الأستروجين والبروجيستيرون المضافان، والهرمونات المضافة الأخرى المسماة نسائية، فلها شأن آخر. فتناول حبوب منع الحمل تزيد من فرص حدوث جلطات الأوردة العميقة أو حالة الانسداد الوعائي الرئوي pulmonary embolism. كما يزيد استخدام الأستروجين والبروجيستيرون بعد سن اليأس من فرص حدوث النوبة القلبية، والسكتة الدماغية، وتخثر الدم. أما الجرعات الصغيرة من الأستروجين التي قد يمكن حقنها عبر الجلد، فقد تساعد في درء أمراض القلب، غير أن هذا الأمر لا يزال قيد البحث والتنقيب.

وتمثل متلازمة التكيس المتعدد في المبيض إعصاراً هرمونيا يتمتع بخصائص وجود مستويات عالية من الأندروجينات androgens (الهرمونات الذكرية)، واضطراب الدورة الشهرية أو اختفائها، وزيادة ظهور شعر الوجه أو الجسم، وتوسع المبيضين الممتلئين بأكياس صغيرة. والنساء المصابات بهذه المتلازمة تكون لهن شرايين متصلبة أكثر، إضافة إلى ازدياد مستوى الكولسترول، وارتفاع ضغط الدم لديهن، وكذلك زيادة مقاومتهن للأنسولين، وهذه كلها عوامل خطر للإصابة بأمراض القلب. ولهذا السبب يجب على النساء اللاتي يعانين من هذه المشكلة استشارة الطبيب بهدف درء أمراض القلب.

الهيكل العظمي والقلب

مع تقدمنا في العمر فإن الكالسيوم يشرع في التسرب من العظام. وفي نفس الوقت، يبدأ الكالسيوم بالظهور على جدران الشرايين وصمامات القلب. وهذا الانتقال ضار في كل الأحوال، ففقدان الكالسيوم يؤدي إلى ضعف العظام وإلى احتمالات تكسرها، أي إلى الحالة التي تعرف باسم هشاشة العظام، أما إضافة الكالسيوم إلى الشرايين وصمامات القلب، فإنها تجعلها أكثر صلابة وأقل مرونة، الأمر الذي يدفع القلب إلى العمل أكثر.

ولدى النساء اللاتي يعانين من هشاشة العظام يزداد احتمال وجود شرايين متضيقة بسبب تراكم الكولسترول بـ6 مرات عن النساء غير المصابات بمرض ضعف العظام. ويتعرض الرجال الذين يفقدون أكثر من بوصة (2.5 سم تقريبا) من طولهم لدى تقدمهم في العمر (نتيجة شائعة لمرض هشاشة العظام) للوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية مقارنة بالرجال الذين لا يتقلص طول قامتهم. وينطبق هذا الأمر على الجنس الآخر أيضا، فالرجال المسنون الذين يعانون من أمراض الشرايين المحيطية (تصلب الشرايين في الذراعين، والرجلين، ووسط الجسم) معرضون بنسبة 50 في المائة أكثر في الغالب لكسر عظمهم مقارنة بالذين لديهم شرايين صحية.

والوقاية هي الأساس، إذ إن الكثير من الأمور التي تحافظ على صحة القلب هي جيدة أيضاً للعظام. والتمارين الرياضية تتصدر القائمة، يتبعها الامتناع عن التدخين، وتناول الكثير من الفواكه والخضراوات. كما أن تناول الكالسيوم يومياً أمر مهم، لكن ينبغي تجنب الإفراط في تناوله، والكمية الموصى بها هي 1200 مليغرام يومياً للبالغين من أعمار تزيد عن 50 سنة.