الأكثر دموية منذ إجراءات البرهان.. لماذا صعدت قوات الأمن قمعها لمظاهرات 17 نوفمبر؟

يقول مراقبون إن الاحتقان السياسي وزيادة الضغوط الدولية والداخلية لعودة السلطة المدنية برئاسة حمدوك، أديا للقمع المفرط للمحتجين السلميين من أجل قطع الطريق أمام احتمالات الرجوع إلى ما قبل “25 أكتوبر”.
متظاهرون مناهضون لاستيلاء العسكر على السلطة يفرّون من الغاز المدمع الذي أطلقه الأمن السوداني اتجاههم بمدينة أم درمان (الفرنسية)

الخرطوم- بعد أيام قليلة من تصريحات رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان لقناة الجزيرة بتشكيل لجنة تحقيق في سقوط قتلى بمظاهرات 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ومظاهرة 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، قُتل أمس الأربعاء 15 متظاهرا وأصيب العشرات، بحسب بيان للجنة الأطباء المركزية، جرّاء العنف المفرط الذي واجهت به الأجهزة الأمنية الاحتجاجات.

واستبقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية الاحتجاجات التي أعلنها تجمع المهنيين ولجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، بالطلب من السلطات القائمة عدم مواجهتها بالعنف، والسماح بحرية التظاهر. وأكد البرهان في تصريحات عدة عدم التعرض للمظاهرات طالما التزمت بالسلمية.

وبحسب بيانات للجنة الأطباء المركزية، سقط 8 قتلى في مظاهرة 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عقب إعلان قائد الجيش البرهان حالة الطوارئ واعتقال عدد من الوزراء.

كما سقط 8 آخرون يومي 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي و13 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، ليرتفع عدد الضحايا إلى 31 من المحتجين منذ إعلان البرهان إجراءاته التي استبعدت المكون المدني من السلطة، إلى جانب 15 شخصا أكدت وزارة الصحة مقتلهم في مظاهرة أمس الأربعاء.

وقد قال المدير العام لقوات الشرطة السودانية الفريق أول خالد مهدي إن الشرطة تحقق في ملابسات وقوع قتلى في المظاهرات بالخرطوم، وشكك في الإحصاءات التي قدمتها لجنة أطباء السودان المركزية، وأكد مهدي في مؤتمر صحفي مساء اليوم الخميس أن الشرطة لا تستخدم السلاح الناري في المظاهرات، في حين أوضح مدير شرطة ولاية الخرطوم الفريق زين العابدين عثمان أن الشرطة تعاني في الحصول على معلومات بشأن ضحايا المظاهرات، وذكر أن للشرطة لجانا تتحرى الآن بشأن القتلى وليس في سجلاتها حتى اللحظة سوى بلاغ بقتيل واحد في قسم الصافية بالخرطوم بحري.

مظاهرات بالسودان أمس الأربعاء وُصف قمعها بالأعنف منذ إجراءات البرهان يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي (الجزيرة)

المظاهرة الأعنف

وكانت مواجهات الأجهزة الأمنية لمظاهرات أمس الأربعاء الأعنف، إذ استخدمت قنابل الغاز المدمع بكثافة غير معتادة. وقال نائب رئيس حزب الأمة القومي إبراهيم الأمين، في تصريحات صحفية، إن القوات الأمنية استخدمت المدرعات والرصاص الحي والمطاطي.

وفي الوقت ذاته، تقول الشرطة السودانية إن عددا من أفرادها تعرّضوا لإصابات مختلفة بسبب العنف الذي اتسمت به المظاهرات في بعض المواقع، والذي استهدف منتسبيها ومركباتها.

ويقول مراقبون إن الاحتقان السياسي وزيادة الضغوط الدولية والداخلية لعودة السلطة المدنية برئاسة حمدوك، أديا إلى هذا القمع المفرط للمحتجين السلميين من أجل قطع الطريق أمام احتمالات الرجوع إلى ما قبل “25 أكتوبر”.

تثبيت أركان الحكم

لكن الخبير القانوني حاتم الياس يرى أن السلطة القائمة لا تسعى لتأزيم الموقف السياسي هربا من الضغوط الدولية.

وقال الياس للجزيرة نت إن الرسالة التي تبعثها السلطة هي أن العنف والقمع المفرط هو الطريق للاستقرار وتثبيت أركان الحكم وفقا للإجراءات الجديدة.

ويرى الياس أن السلطة تحاول كسر شوكة المقاومة الواسعة والمستمرة بالعنف والقتل سعيا وراء استتباب الأمن وفقا لسياساتها. وحذّر من هذا النهج “الذي سيقود إلى حالة من اليأس ويحول المقاومة السلمية إلى عنيفة”. وقال إن هذه الخطوة ستؤدي إلى تأزم الوضع السياسي.

وتبعا للخبير القانوني، فإن القوى العسكرية لا تؤمن بوسائل المقاومة السلمية للحراك المدني الديمقراطي، وهذا ما يدفعها إلى توسيع دائرة العنف بشكل كبير، وهو الميدان الذي تجيد فيه القوى العسكرية استخدام أدواتها.

سياسيون سودانيون: السواد الأعظم من الشعب يريد “إسقاط الانقلاب” والعودة إلى المسار الديمقراطي (فيديو)متظاهر يحمل لافتة بها عبارة رافضة للتفاوض مع العسكر (غيتي)

تطور الأدوات

ويختلف السياسي والنشاط في مجال العدالة الانتقالية محمد فاروق في رؤيته لمآلات المقاومة السلمية. ويقول للجزيرة نت إنها طورت أدواتها النضالية منذ مظاهرات سبتمبر/أيلول 2013، التي سقط فيها أكثر من مئتي قتيل من المدنيين.

ويعتقد فاروق أن قيادة الجيش ماضية في بسط نفوذها بالقبضة الأمنية، مشيرا إلى استباقها أي مواجهة بين الأجهزة الأمنية والحراك بالعنف. وقال إن الخيار الوحيد المتاح “للانقلابيين” الآن هو الاستمرار في القمع، الذي سيمنحهم بعض الوقت.

لكنه أكد على تطوير الحركة الجماهيرية أدواتها في المقاومة السلمية، مشيرا إلى استقلالها عن الحركة السياسية التقليدية في فعلها وقدرتها على المواجهة والاستمرار في التزامها بالسلمية، وهو ما يقلق أي نظام يحكم السودان بعد تجربة الإنقاذ.

وإزاء العنف المفرط الذي واجهت به الأجهزة الأمنية المتظاهرين السلميين خلال الأيام الماضية، عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف جلسة خاصة بالسودان، وعيّن مبعوثا له لحقوق الإنسان هناك.

في السياق ذاته، أبدى المقرر الأممي الخاص بحرية التجمع السلمي كليمان نياليتسوسي قلقه مما يجري في السودان، وحثّ في تغريدة على موقع تويتر المجتمع الدولي على الضغط على الجيش لوقف العنف ضد المدنيين.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!