التشتت الذهني: أسبابه، وأعراضه، وتشخيصه، وطرق علاجه

تؤثر صعوبات ومشكلات الحياة اليومية تأثيراً سيئاً جداً في التفكير عند الكثير من الناس، وهذه المشكلة التي سنقوم بالحديث عنها في هذا المقال تسمى بالتشتت الذهني، فهي تخلِّف وراءها الكثير من المشاعر السلبية عند الفرد وتجعله غير واعٍ بشكل كامل لأنسب الأساليب في التعامل مع مواقف الحياة اليومية.

ما هو التشتت الذهني؟

إنَّ التشتت الذهني يكافئ ضعف مقدرتنا في الحفاظ على التركيز، ووجود مشكلات وصعوبات في التفكير بصفاء، وكذلك صعوبة استمرارية الانتباه، كما أنَّ التشتت الذهني يعني اضطراب عقل وتفكير الإنسان وتركيزه من موضوع هام إلى موضوع قليل الأهمية في فترة زمنية محددة.

على سبيل المثال: موظف يقود سيارته متجهاً نحو مكان عمله، ويجب عليه الانتباه إلى الشارع والسيارات الموجودة حوله، وذلك لكي يؤمن سلامته الشخصية وسلامة الناس من حوله على الشارع نفسه، وفجأةً يرن هاتفه الجوال مخبراً إياه باستلام رسالة نصية قصيرة، فأخذ الموظف جواله، وركز ذهنه في الرسالة عوضاً عن الانتباه إلى الطريق، وخلال استغراقه بالرد على الرسالة التي استلمها، تصطدم سيارته بسيارة أخرى بجانبه، وبذلك فإنَّه قد قام بتعريض سلامته وسلامة الشخص الآخر للخطر، بالإضافة إلى المشاة الأبرياء.

ليس بالضرورة أن يكون موضوع التشتت أمراً حقيقياً؛ بل هي عادةً ما تكون أفكاراً أو عواطف تهاجم ذهن الإنسان بقوة في زمن محدد، وتصيبه بالحيرة والانشغال عن الموضوعات الهامة، وتسلبه قدرته على التركيز والانتباه، ويمكن أن نعرِّف باختصار موضوع التشتت الذهني بأنَّه موضوعاً آخر يستولي على انتباهك عوضاً عن الموضوع المطلوب أن تركز عليه في هذا الوقت بالذات.

ما هي أسباب التشتت الذهني؟

تتباين وتختلف أسباب التشتت الذهني من شخص إلى آخر، ما بين أسباب بسيطة لا تثير الريبة، وأسباب جدية تحتم على صاحبها مراجعة الطبيب المختص، كذلك فمن الممكن أن يكون التشتت الذهني أثراً جانبياً لمجموعة الأدوية التي يواظب المريض على تناولها.

يعدُّ اضطراب النوم والتوتر الزائد من أهم الأسباب التي تؤدي إلى فقدان الذاكرة قصيرة الأمد، والطبيعي أنَّ القلق مرتبط بقلة النوم، فإذا أُصيب الشخص بالقلق، فإنَّه سيجد صعوبةً في النوم، ومن هنا سيصبح عمل الدماغ في حالة سيئة، وكل ما عليك هنا هو منح عطلة لدماغك من أجل التخلص من قلة النوم، أو القيام بتمرينات الاسترخاء مثل اليوغا والامتناع عن التفكير لفترة بسيطة من أجل منح الدماغ فترة من الراحة، حتى يستطيع أن يرجع إلى عمله بكفاءة وقدرة مرةً جديدة.

تُعَدُّ أمراض الدماغ من أخطر الأمراض؛ لذا لا يمكن التهاون معه أو التقليل من خطورته بأي حال من الأحوال، ويجب عليك التوجه لاستشارة الطبيب المختص إذا أحسستَ بوجود أي اضطراب متعلق بالدماغ أو الذاكرة، ولا تقم أبداً بتشخيص مرضك بنفسك، فقد يوجد بعض الأعراض التي لن تلاحظها، مما يؤدي إلى تدهور المرض أكثر، وإنَّ وجود مشكلات تشغل بالك، كالمشكلات العائلية والمالية والمعيشية والاجتماعية والعاطفية أو توقُّع حصول أمر سيئ والانشغال بالتفكير به هو من أهم أسباب التشتت الذهني وأكثرها شيوعاً على الإطلاق.

سنستعرض بعض الأسباب الجدية للتشتت:

  • مرض فرط الحركة وانخفاض الانتباه (ADHD).
  • ارتجاج الدماغ.
  • الزهايمر.
  • قلة النوم.
  • الاضطراب الاكتئابي الشديد.
  • متلازمة التعب المزمن.
  • مرض الصرع.
  • داء تململ القدمين.
  • الإدمان بجميع أنواعه.

أما فيما يخص الأسباب الاعتيادية الناجمة عن تغيُّر أسلوب العيش:

  • القلق والتوتر الشديدين.
  • قلة مدة النوم واضطراب مواعيده.
  • قلة الأكل.

كيف نشخص التشتت الذهني؟

يُعَدُّ تشخيص التشتت الذهني أمراً معقداً، ويتطلب المزيد من الوقت ومراجعة الطبيب المعالج وإعادة الفحص في كل فترة، نظراً لتعدد الأسباب، وطبعاً فيما يتعلق بالتشتت الذهني الشديد المؤثر في حياة المريض، يستهل الطبيب المعالج المعاينة، بالسؤال عن القصة المَرَضية بالتفصيل الممل، ومتى بدأ حصول التشتت، والأوقات التي يشتد فيها التشتت أو يخف، وكذلك يسأل الطبيب عن أي مشكلات كبيرة أو أحداث صعبة محيطة ببيئة المصاب ومكان عمله وحياته.

يسأل الطبيب المعالج حول الأدوية والعقاقير التي يأخذها المصاب، وكذلك يجب إخبار الطبيب عن أي داعمات غذائية أو حتى أعشاب طبية يتناولها المريض، ليتأكد الطبيب من أنَّ هذه الأمور ليست هي أصل علة التشتت التي يعاني منها المصاب، ويفحص الطبيب مريضه بشكل دقيق وكامل، ويمكن أن يطلب بعض التحاليل التي قد تساهم في المساعدة في موضوع تأكيد التشخيص على سبيل المثال:

  • فيلم دم كامل.
  • تراكيز بعض الهرمونات الجوالة في الدم.
  • طبقي محوري للدماغ.
  • تخطيط كهربائي للدماغ.

يستطيع الطبيب المعالج بعد الفحص السريري والتحاليل أن يستنتج السبب وأن يقوم بإعطاء الدواء المناسب.

ما هي أعراض التشتت الذهني؟

إنَّ أعراض التشتت الذهني متشعبة ومختلفة وتتضمن كل مما يأتي:

  • صعوبة التفكير بصفاء.
  • ضعف القدرة على استذكار أحداث قريبة.
  • صعوبة التركيز.
  • ارتكاب أخطاء فادحة بسبب انخفاض التركيز.
  • مشكلات في تنظيم وإتمام الأعمال.
  • ضعف القدرة على صنع القرارات الحاسمة.
  • ضعف القدرة على تنظيم أعمال الحياة اليومية.

كيف تتم معالجة التشتت الذهني؟

تختلف طرائق وأساليب العلاج حسب السبب المؤدي إلى الإصابة بالتشتت الذهني، فإذا كان السبب المحرض هو مجرد تغيُّر في أسلوب أو مكان العيش أو العمل فيمكن لمجموعة الخطوات الآتية أن تساعد المريض على تحسين حالته المزاجية، ورفع مقدرته على التركيز، ومن هذه الخطوات سنقدِّم لكم ما يأتي:

  • المواظبة على تناول نظام غذائي متكامل يتضمن الخضار والفواكه والحبوب الكاملة مثل القمح والبروتينات قليلة الدسم.
  • الاعتماد على نظام وجبات قليلة متعددة في اليوم عوضاً عن ثلاث وجبات كبيرة.
  • المواظبة على تناول المتممات الغذائية التي تحتوي على الفوليك أسيد والأوميغا
  • تخفيض تركيز الكافيين المتناول على مدار اليوم.
  • الحرص على عدد ساعات كافية من الراحة والنوم في الليل.
  • ممارسة التمرينات الذهنية مثل حل الكلمات المتقاطعة والأحجيات التي تستوجب انتباهاً مستمراً لإنهائها.
  • القيام بالتمرينات التي تساهم في تخفيض القلق مثل: تدوين المذكرات والأحداث اليومية، ومطالعة الكتب باستمرار، وممارسة التأمل وتمرينات اليقظة العقلية.
  • المواظبة على الرياضات اليومية مثل المشي السريع والركض.
  • تدريب النفس على التحكم والسيطرة على الانفعالات المختلفة، ورفع المرونة النفسية بشكل يمكِّن المريض من التكيف مع المشكلات والصعوبات، وتخفيف تأثيرها على سلامه النفسي الداخلي واستقرار التفكير لديه.
  • الحرص على أخذ الراحة الضرورية للذهن، وذلك بتخصيص أوقات استراحة بين المهام المختلفة والابتعاد عن الأمور المقلقة.
  • أما إن كان السبب المحرض للتشتت الذهني مرضاً عضوياً أو نفسياً، فسوف يقوم الطبيب المعالج بوصف الأدوية المناسبة لكل مريض على حدة، ويجب على المريض الاقتناع بتشخيص الطبيب وتناول الدواء في مواعيده المحددة من أجل تجنب تدهور الحالة أو حصول آثار جانبية غير مفيدة.
  • يوجد بعض الأمراض النفسية تستدعي معالجةً دوائية، وعلاجاً معرفياً سلوكياً، وإذا كان المريض في مرحلة الطفولة، فيجب على الطبيب المختص تثقيف وتعريف الوالدين بحالة طفلهما، وأساليب التعامل الأمثل معه.

هل من الممكن أن يكون التشتت الذهني مفيداً في بعض الأحيان؟

قد تتفاجأ لو أخبرناك أنَّه من الممكن أن يكون التشتت الذهني آليةً دفاعية مطلوبة عند التعرض للصدمات العاطفية القوية؛ حيث يُعَدُّ في هذه الحالة وسيلةً من أجل التكيف مع الظروف النفسية السيئة، فعندما يصاب الإنسان بفقد إنسان عزيز على قلبه، هنا ينصح الأطباء النفسيون بمحاولة التكيف بواسطة أسلوب التشتت بإسناد موضوعات ومهام متباينة وكثيرة من أجل منع المريض المفجوع من اجترار التفكير في هذا الوجع النفسي؛ حيث تُمثل هذه الموضوعات المشتتة جداراً فاصلاً قوياً بين المريض وبين الأمور التي من الممكن أن تضره نفسياً حتى يستطيع المريض التغلب على هذه الحالة ويصبح قوياً وقادراً على مواجهة وقائع الحياة.

هل التشتت الذهني موجود عند الأطفال؟

يعشق الأطفال عادةً الألعاب، ويهرعون بعيداً عن التركيز والواجبات الدراسية، ولكن يوجد مجموعة من الأعراض التي تساعدنا على ملاحظة الشذوذات النفسية عند الأطفال ومحاولة تشخيصها في المراحل الباكرة، وهذا يؤدي إلى فوائد كبيرة على حالة هؤلاء الأطفال.

شاهد بالفيديو: 9 طرق للحفاظ على التركيز أثناء الدراسة

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/Aqmm_oCjZcY?rel=0&hd=0″]

متى نَعُدُّ التشتت لدى الطفل تشتتاً مَرَضياً؟

إذا لاحظتَ مجموعةً من الأعراض التالية على الطفل، بالإضافة إلى التشتت الذهني، فيجب عليك استشارة الطبيب المختص: 

  • اضطرابات كثيرة وسريعة في المزاج، وغلبة المزاج المنخفض والتعاسة على الطفل لفترات ممتدة من الزمن.
  • توتر وخوف متواصل وزائد عن الطبيعي.
  • نقص الاهتمام بالآخرين والأمور والألعاب والرياضات التي يحبها.
  • نقص القدرة على الانتباه أو التركيز.
  • أعراض فيزيائية مثل: ألم الرأس، ووجع في المعدة، واضطرابات في الشهية، ونقص أو فرط وزن الجسم بشكل مفاجئ.
  • صعوبات في البدء والانخراط في التجمعات والعلاقات في المجتمع المحيط.

كيف يمكن للشخص أن يكون بكامل التركيز والتغلب على التشتت الذهني؟

إذا كنتَ مجبراً على إنجاز مهمة محددة، واحتجتَ إلى أساليب تعينك على إتمام هذه الأعمال، والسيطرة على التشتت الذهني، فيجب عليك القيام بتطبيق الخدع الآتية فقد تساعدك على التركيز:

  • ابتعِد عن المشتتات واحرص كل الحرص على وجودك في مكان هادئ، بعيد عن الراديو والتلفاز وأصوات الأحاديث والأجهزة الذكية، وأوصِد باب غرفتك، واطلب من المحيطين بك أن يحافظوا على الهدوء لتتمكن من التركيز على عملك، ولا تنسَ إغلاق التطبيقات التي لا تخدمك في عملك على جهاز الحاسوب الخاص بك.
  • اشرب المشروبات الغنية بالكافيين بمعدل متوسط يساهم في الحفاظ على التركيز.
  • اشرب كمية كافية من الماء، وتناول الغذاء المتوازن المتنوع.
  • حدِّد أهداف ذكية معيَّنة، ومؤقتة، وواضحة، وقابلة للتحقيق.
  • لا تتوانَ عن كتابة قائمة بالأعمال اليومية، فهذا يولِّد لديك رغبة أكبر في إنهائها.
  • أبعِد هاتفك الجوال، وأغلِق التنبيهات المتتالية التي تردك من وسائل التواصل الاجتماعي، التي تجعلك مشتَّتاً كلما أردتَ الانتباه والعمل.
  • حدِّد فترةً زمنية معيَّنة لكل مهمة، فهذا يساهم في إنهائها في وقتها دون تأخير وإضاعة للوقت.

في الختام:

إنَّ عالمنا الرقمي الحديث يتميز بالسرعة الفائقة في كل مناحي الحياة، وتولِّد هذه السرعة لدينا رغبةً مُلحَّة في الإسراع في الإنجاز، فيحب علينا أن نكون على يقين دائماً ألا تؤثر كثرة الأعمال وتسارع العصر والتكنولوجيا في انتباهنا وتركيزنا، وعلينا أيضاً أن نلجأ إلى الطبيب النفسي المختص إذا استمر التشتت الذهني في إعاقتنا عن أداء مهامنا ومتابعة حياتنا، ونتمنى لكم حياةً هانئة وفرحة ومليئة بالإنجازات والتركيز والهدوء.

المصادر: 1، 2، 3

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!