التنمر الوظيفي: أشكاله، وأسبابه، وكيفية التعامل معه

نحن نقضي أوقاتاً طويلةً في العمل، وقد تكون في بعض الأحيان أطول من الوقت الذي نقضيه في منازلنا؛ لذا فمن الطبيعي أن تبحث كل إدارة، وكل موظف، عن بيئة عمل هادئة ومناسبة لتحقيق النجاح والإنتاج، غير أنَّ كثيراً من المشكلات قد تحدث فجأة وتعرقل سير الأمور.

التنمُّر الوظيفي (التنمر في العمل)، واحدٌ من هذه المشكلات التي تظهر وتسبب كثيراً من العقبات داخل مكان العمل، كضعف الإنتاجية، واختلال العلاقات الاجتماعية بين الموظفين، فضلاً عن آثاره النفسية السيئة في الموظفين؛ ولذلك كان من المهم جداً التعرف إلى مفهوم التنمُّر الوظيفي، وطرائق التعامل الصحيح معه.

ما التنمُّر الوظيفي، وما أشكاله؟

قبل الحديث عن التنمُّر الوظيفي، سنقوم بإلقاء الضوء قليلاً على التنمُّر عموماً:

  • التنمُّر: هو الأذى المقصود الذي يقوم به شخص أو مجموعة من الأشخاص تجاه شخص آخر أضعف من المُهاجِم.
  • المُتنمِّر: هو الشخص الذي يقوم بالسلوك المؤذي قاصداً ومُتعمداً إزعاج الضحية، ولا توجد أي معايير لاختيار هذه الضحية، فالهجوم غالباً يكون من دون سبب واضح.
  • المُتنمَّر عليه: هو الشخص الذي يتلقى الإزعاج والإهانة، وهو غالباً ما يكون ضعيفاً وغير قادر على الدفاع عن نفسه.

ظاهرة التنمُّر ليست حكراً على مكان ما أو مجال معيَّن، فقد تتعرض للتنمُّر في أي بيئة أو أي مكان توجد فيه، أمَّا بالنسبة إلى مصطلح التنمُّر الوظيفي، فهو ليس مصطلحاً جديداً كما يُعتقد؛ بل تم الحديث عنه في كتاب “التنمُّر في العمل”، الذي صدر في عام 1992 للكاتب “أندريا أدمز”.

ورد تعريف التنمُّر الوظيفي في قاموس المصطلحات النفسية على أنَّه “سلوك عدواني يقوم به فرد أو مجموعة من الأفراد، تجاه شخص ما باستمرار”، وقد يقوم به زملاء العمل أو المدير، والمُتنمَّر عليه داخل العمل، هو موظف تابع لإدارة أعلى منه، وغالباً ما يكون من الصعب عليه رد الإساءة، أو الدفاع عن نفسه؛ إذ ليس بالضرورة أن يكون سبب عدم الرد ضعف الشخصية؛ بل قد يكون ناتجاً عن ظروف معيَّنة، وأفكار تمنعه من الرد، كالخوف من خسارة الوظيفة مثلاً.

طبعاً، سيتبادر إلى ذهننا سؤال مفاده: “لماذا يتصرف المُتنمِّر بهذه الطريقة المؤذية؟”، وفي الحقيقة، الإجابة بسيطة جداً، فأغلب الأشخاص المتنمرين هم أشخاص قليلو الثقة بأنفسهم، وبدلاً من محاولة تطوير أنفسهم لتعزيز هذه الثقة، فإنَّهم يقومون بالتقليل من مهارات وقدرات الآخرين، كما أنَّهم يشعرون بأنَّهم غير قادرين على إنجاز الأعمال، وأنَّ الجميع مؤهلون تأهيلاً أفضل منهم، ويستعدون لسرقة أعمالهم منهم.

صفات المُتنمِّر:

من السهل جداً تمييز الأشخاص المُتنمِّرين داخل بيئة العمل، فهم أشخاصٌ يتمتعون بمجموعة من الصفات التي تميزهم عن بقية الموظفين، ومن هذه الصفات:

  • أشخاص غير منجزين، ولا يستطيعون التفكير ووضع الخطط المبدعة؛ لذلك يمكنك تمييز الشخص الذي يتصرف بعفوية عن المُتنمِّر من خلال نسبة إنجازه في العمل.
  • يرمي أخطاءه على الآخرين، ولا يعترف أبداً بأنَّه يتصرف تصرفاً مُسيئاً لغيره.
  • أناني ولا يمكن أبداً التعويل على كلامه أو الثقة به.
  • لا يستطيع الإصغاء بجدية إلى غيره، فهو متحدث وحسب، ويقاطعك دائماً في أثناء حديثك، وينتقل إلى حديث آخر فجأةً، ويقلل من شأن أفكارك ويرفضها.
  • يُسقِط عليك كل مشكلة، ويُشعِرك دائماً بأنَّك بحاجة إلى بذل مزيدٍ من الجهد، وهذا ما يكون سبباً ليزيد من تنمُّره عليك.
  • إن كان المُتنمِّر مديراً، فأنت لن تحظى بالتقدير أبداً؛ وذلك لأنَّه سيغيِّر دائماً تقييمه لقيمة العمل، كأن يكون العمل مهماً في البداية، وبعد إنجازه إنجازاً متقناً، يصبح العمل سهلاً وغير مهم.
  • لا يفكر في الأذى الذي يسببه لغيره، ويغيِّر رأيه من دون سبب، ولا يُظهر أيَّ تعاطف مع أحد.

يظهر التنمُّر بأشكال عدة، كالتنمُّر اللفظي وغير اللفظي، والإيذاء الجسدي، والتسلط، والمضايقة، والإذلال، والشائعات، والتعنيف، وعلاوة على ذلك، قد يظهر التنمُّر أيضاً في العديد من الممارسات، سنذكر أهمها فيما يأتي:

  • زيادة العبء على الموظف المُتنمَّر عليه، ومطالبته بأعمال شاقة وغير منطقية، وعدم الاكتراث لمشاعره، وتهديده وتجاهل إنجازاته.
  • الصراخ على الموظف علناً أمام الجميع، وتكبير أخطائه، ووضعه تحت المجهر دوماً، وتهديده بالفصل دائماً.
  • استغلال معلومات شخصية عنه، واستخدامها في إذلاله.

وقد أشارت الدراسات إلى أنَّ 19% من الموظفين حول العالم، يتعرضون للتنمُّر في وظائفهم يومياً، وأنَّ المديرين يمثلون نسبة 60% من المُتنمِّرين، وأنَّ 29% من الموظفين، يلتزمون الصمت تجاه التنمُّر الذي يتعرضون له.

ومن الجدير بالذكر، أنَّ بعض الأشخاص يتصرفون تصرفات قريبة من التنمُّر، ولكن ليس بنية التنمُّر، أو بقصد الإيذاء والتقليل من قيمة الأفكار والأشخاص؛ وإنَّما يقومون بها بسبب قلة خبرتهم الاجتماعية، وظناً منهم أنَّهم يحاولون تطوير العمل وتحسينه، وهنا يجب على هؤلاء الأشخاص الانتباه جيداً لتصرفاتهم، ومحاولة تحسين طرائق تواصلهم مع الآخرين، وعرض آرائهم وأفكارهم عرضاً لبقاً من دون إيذاء مشاعر الآخرين وجرحهم.

شاهد بالفديو: كيف تبني علاقات عمل جيّدة؟

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/qD7OFXZZU90?rel=0&hd=0″]

أسباب التنمر الوظيفي وآثاره السلبية ومخاطره:

توجد كثيرٌ من أسباب التنمُّر، سواءً التنمُّر الذي يقوم به الموظف أم المدير، وفي الغالب تعود أسباب التنمر للشخص المُتنمِّر نفسه، فهو غالباً ما يعاني من مشكلات واضطرابات نفسية، ويحاول تعويض نقصه بالتنمُّر، إضافةً إلى عدد من الأسباب التي سنأتي فيما يلي على نذكرها:

  • عدم وجود قوانين تحمي الموظفين وتصون كرامتهم، وعدم وجود رقابة على إدارة الشركات والمؤسسات من قبل إدارة وجهة أعلى.
  • جهل الموظفين وعدم معرفتهم بحقوقهم، وعدم الاطلاع على قانون العمل، وغياب الوصف الوظيفي في أغلب المؤسسات والشركات؛ حيث تجد الموظف ضائعاً لا يعرف واجباته وما عليه فعله.
  • عدم الاهتمام بإجراء فحص طبي نفسي للمديرين قبل قبولهم في العمل.
  • إهمال التظلُّم الوظيفي، وصدُّ أي موظف يحاول المطالبة بحقه، وعدم محاولة فهم مشكلته، وإذا ما تعلَّق الأمر بالتنمُّر، فلا توجد سياسات خاصة بسلوكات المُتنمِّر.

آثار التنمُّر السلبية ومخاطره:

لن نتخلص من التنمُّر بهذه السهولة، ولن يكون مروره سهلاً؛ بل على العكس، سيكون مروراً ثقيلاً جداً، يترك آثاره السيئة أينما حل، سواءً في الموظف أم المؤسسة، ومن هذه الآثار:

  • الاكتئاب، والانعزال، وعدم التعاطي مع الناس والزملاء في العمل، والشعور بقلة الأهمية، فضلاً عن كره العمل الجماعي والابتعاد عنه.
  • تراجع الأداء المهني وعدم الرغبة في العمل، وكل ذلك نتيجة المزاج السيئ في أثناء فترة العمل، وفي بعض الأحيان، قد يتعرَّض الموظف للفصل بسبب ضعف أدائه من دون معرفة الأسباب وراء ذلك.
  • يصبح مكان العمل بيئة سيئة ومتوترة دائماً، كما يؤدي التنمُّر إلى ضعف العلاقات بين زملاء العمل، وهذا بالطبع سيؤثر في إنتاجية العمل، وسرعة إنجازه، وجودته.
  • عدم شعور الموظف بالراحة، وتدنِّي مستوى الرضا الوظيفي.
  • زيادة وارتفاع نسبة الدوران الوظيفي، وفقدان الموظفين دائماً.
  • قد يُصاب الموظف، إن كان أكثر حساسية من غيره، بالاضطرابات النفسية والقلق، فضلاً عن شعوره الدائم بالتعب والإرهاق من دون قيامه بالعمل.

طرق التعامل مع التنمر الوظيفي:

ليس بالأمر السهل، أن يكون جو العمل جواً مشحوناً بالطاقة السلبية دائماً، وليس سهلاً أن تتعرض يومياً، وعلى نحو مستمر، للإساءة في مكان عملك، ومع ذلك، فإنَّ حل المشكلة لا يكون بالاستسلام وتترك العمل مباشرةً؛ بل هناك عدد من الإجراءات التي يمكنك اتخاذها قبل اللجوء إلى قرار كهذا، سيتسبب في خسارتك لعملك؛ لذلك، سنُقدِّم لك مجموعة من النصائح التي يمكنك البدء باتباعها:

  1. عليك ابتداءً، وقبل كل شيء، وقبل أي نصيحة، أن تضع في بالك وتثق أنَّ المُتنمِّر إنَّما يقوم بما يقوم به؛ لأنَّه شخص قليل الثقة بنفسه وقدراته ومواهبه ومهاراته، وكل ما يحاول فعله، فهو جعلك شماعة لتعليق كل نقصه وإخفاقه عليك؛ لذلك لا تكترث أبداً لكل ما يقوله، ولا تعطِه أي وزن.
  2. كن قويَّاً وشجاعاً، ولا تختبئ وراء إصبعك؛ بل واجه المُتنمِّر، ولا تسمح لأي شخص بالتقليل من شأنك، أو إذلالك، أو جعلك موضعاً للسخرية، ومهما كان سبب التنمُّر، لا يجب أن تقلل من قيمة نفسك، أو أن تضعف ثقتك بها؛ بل على العكس، أظهر اقتناعك التام بما أنت عليه، ولا تسمح لكلامه وجمله البغيضة بالتسرب إلى داخلك؛ بل تخلَّص منها فوراً، ولا تكترث أبداً لشأنها، وتجاهل كل تعليماته وملاحظاته، وتقيَّد فحسب بما يقوله مديرك، والأهم من هذا كله، لا تجاريه أو تضحك على سخريته منك، ولا تتنمَّر أنت عليه كردِّ فعل منك؛ بل تجنَّب حديثه، وحوِّل أي نقاش بينكما، وأرجعه إلى مجال العمل.
  3. إن شعرت في حديث ما، أنَّ أحداً بدأ يقلل من قيمتك، انسحب فوراً، وإن تكرر الأمر، كن حازماً برفضه ولا تتهاون معه، فالتهاون لن يردعه أو يخجله؛ بل سيدفعه إلى مزيد من التنمُّر والتمادي في إزعاجك.
  4. اقطع علاقتك نهائياً بالشخص المُتنمِّر داخل محيط عملك؛ تجاهله وتصرَّف وكأنَّه غير موجود، ولا تحاول الانتقام منه، حتى لا تصبح مسؤولاً أيضاً عن نشر السمِّ في مكان العمل.
  5. حاول دائماً تعزيز ثقتك بنفسك، والظهور بشكل لائق، والحديث والكلام بأسلوبٍ لطيفٍ واضحٍ يدل على فهمك وذكائك، وهكذا ستقطع الطريق على أي شخص مريض، فلا يجد سبباً للتنمُّر عليك، وواجهه دائماً بالحقائق العلمية التي تدعم وجهة نظرك بنقاشٍ ما، فهذا سيساعدك على إسكاته، ومنعه من الاستمرار في الحديث.
  6. من المهم أن تحتفظ بالأدلة التي تدين المُتنمِّر، حتى تبرر ردود أفعالك إن لم تستطع كبت نفسك في إحدى المرات، ثم إنَّ عليك توثيق كل تصرُّف فيه تنمُّرٌ تتعرض له، ليكون دليلاً في حال قدمت شكوى.
  7. واجه المُتنمِّر بسلوكاته السيئة من دون مهاجمته شخصياً، كأن تقول له: “أنت تتكلم بصوت مرتفع، وهذا يُشعرني بالتوتر”، بدلاً من أن تقول: “أخفض صوتك المزعج”.
  8. كن ذكياً وحوِّل تنمُّره عليك في مصلحتك، فإن كان انتقاده لك خلال اجتماعات العمل، وبدلاً من الانزعاج، اسأله عن النقاط التي يجب عليك تغييرها وتحسينها، وعن الأخطاء التي وجدها، وعن اقتراحاته بشأنها، عندها ستحصره في الزاوية؛ إذ إنَّه هو – كما ذكرنا في صفاته – شخص غير مفكر، وغير خلِّاق، ولن يتمكن من إنقاذ نفسه بأجوبة مقنعة.
  9. إن لم يكن سلوك المُتنمِّر ضدَّك شخصياً، ستكون المشكلة أسهل؛ إذ يمكنك حينها تجميع زملائك الذين يتعرضون للتنمُّر أيضاً، ومن ثم التصرُّف تصرفاً جماعياً، وتقديم شكوى جماعية.
  10. في حال زادت الأمور عن حدها، ولم تعد محتملة، اطلب المساعدة من المدير، وفي حال كان المدير هو المُتنمِّر، تكلَّم مع صاحب العمل، واطلب نقلك من مكان العمل هذا.
  11. عليك أن تضع في بالك أيضاً، أنَّ مواجهة التنمُّر الوظيفي لا تتعلق بك وحدك، وهو ليس مسؤولية شخصية؛ بل على المؤسسات والشركات وضع قوانين جدية، وتحديد السلوكات التي تندرج تحت مصطلح التنمُّر، ومنعها في مكان العمل، وعليها أيضاً، التعامل بكل تعاون مع الشكاوى التي تُقدَّم إليها من قبل الموظفين، وفرض عقوبات على المسيء.

في الختام:

في النهاية يمكن القول: إنَّ أهم ما يمكن أن تفعله كإنسان، هو أن تحصِّن نفسك جيداً من الداخل والخارج، وأن تكون جاهزاً دائماً للمواجهة والتعامل مع الأمور كما هي، وأن تضع الهروب كحل أخير، إن لم تلغه نهائياً، وإذا كنت شخصاً قوياً واثقاً بنفسه من الداخل، لن تكون آراء الناس بالنسبة إليك أكثر من وجهات نظر، قد تضعها في بالك إن وجدت فيها فائدة، وستكون قادراً على رميها مباشرةً إن لم تلمس أي غاية حقيقية لها، أو إن كانت فحسب بقصد الإساءة لك وإزعاجك.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!