الجائزة أو إجازة في واغودوغو… نص قصصي

اتخذتُ لي اِسماً فخماً له رنين كتّاب القرون السحيقة، وأدرجت في سيرتي تشكيلة مؤلفات عديدة لم أكتب منها في الحقيقة شيئاً، فقط عناوينها هي الوحيدة التي كانت من اختراعي، بعد أن فشلت في إقناع الناشرين بعناوين عالمية مشهورة بأنها من تأليفي، ظناً مني بأنهم لم يسمعوا بها! لستُ طامعاً في أي مجد، أو صناعة اسم، […]

الجائزة أو إجازة في واغودوغو… نص قصصي

[wpcc-script type=”76739e493cac93647bf3ce22-text/javascript”]

اتخذتُ لي اِسماً فخماً له رنين كتّاب القرون السحيقة، وأدرجت في سيرتي تشكيلة مؤلفات عديدة لم أكتب منها في الحقيقة شيئاً، فقط عناوينها هي الوحيدة التي كانت من اختراعي، بعد أن فشلت في إقناع الناشرين بعناوين عالمية مشهورة بأنها من تأليفي، ظناً مني بأنهم لم يسمعوا بها! لستُ طامعاً في أي مجد، أو صناعة اسم، كلّ ما في الأمر كنت مفلساً وبحاجة إلى المال، وقد نويتُ بادعائي هذا أن أُوقع ناشراً ما في حبائلي. لم تكن حياة الكتّاب تستهويني بأيّ شكل، بل كنت أشفق عليهم في دخيلة نفسي، فأنا أعتقد أنهم يعيشون في عالم وهمي ارتضوا العيش فيه بملء إرادتهم، حاشرين أنفسهم وراء طاولات ـ إذا توفرت لهم طاولات ـ في غرف يكاد يشح فيها الهواء، بانتظار الإلهام، كما يقولون، في ما الشمس والهواء يلهوان في الخارج.
هُم يذكرونني، في الغالب، بنموذج ذلك المخترع الذي كان يغيب في مختبره لأيام، موصداً عليه الباب وحين يخرج لعائلته، من أجل تناول الطعام، مشعّثاً مشوشاً، غريباً وكأنه قادم من كوكب آخر، ما كان أبناؤه ليتعرفوا عليه.
لقد قلت إنّ ادعائي لمهنة التأليف كان من أجل كسب المال، وقد كنت أُؤمن بحكمة ذلك الثريّ المجرّب الذي قال اعطني مالاً وأنا أُريك كيف تحيا سعيداً. لقد أعددتُ لي سيرة رصينة مُسطّراً فيها إنجازاتي الأدبية المزعومة مع مقتطفات قصيرة ملفّقة، فضلاً عن بضع صفحات أردتها أن تكون مشوّقة، أعددتها من كتب مختلفة على أنها من عملي الجديد الذي أعكف عليه وأروم نشره. تلقيت أول رد مشجع من منشورات «الحمار»، ورغم أنني أعرف الجشع الشايلوكي لصاحب الحمار ومناوراته، إلّا أنني قررت أن لا أُضيع فرصة إعجابه بما أرسلتُ له من سيرة ونماذج. طلبتُ منه دفعة مقدمة على الحساب واعداً إياه بتسليمه بقية الكتاب خلال ثلاثة أشهر. اشترط عليّ، مقابل ذلك إضافة فقرة خاصة إلى العقد الذي سيُبرم بيننا، بأنه يعتبر لاغياً، إذا لم أسلمه المخطوط في الموعد المحدد، كما يترتب عليّ إعادة المبلغ مضروباً في عشرة.
لم يكن من خيار أمامي سوى الموافقة، فتلك كانت الطريقة الوحيدة التي أسدّد بها مستحقات المتأخر من إيجار الشقة التي أسكن، وما تبقى من المبلغ حققت به حلماً قديماً، طالما راودني، في السفر الى «واغادوغو» التي بلغتها بعد شهر من استلامي مقدمة الكتاب. لقد طابت لي الإقامة في هذه المدينة البسيطة الهادئة ـ كتبت أولاً الهاجعة، فهي تعطي انطباعاً كما لو كانت في قيلولة دائمة، وقد اخترتها، قبل أن أعرف عنها أي شيء، لوقع اسمها الموسيقي، فقط! وبمرور الوقت صرتُ آلفها وكأنّها مدينتي الأم، بشكل لم أكن أتصوره، فعرفت مقاهيها واحداً واحداً وأسواقها ومكتباتها. وبعد انغماسي كليةً في حياة هذه المدينة النائية، عزمت على البقاء فيها ولم أنتبه إلّا والفترة المقررة لتسليم الكتاب قد انتهت، فسارعت بالكتابة إلى ناشر كتابي المزعوم معرباً عن أسفي لعدم التمكن من إرسال بقية الكتاب ونصحته بدل ذلك ولأجل استرداد فلوسه أن يعمد هو أو أحد صبيانه الذين يعملون لديه إلى توليف بقية الكتاب، وقد سجلتُ له عناوين الكتب التي استقيت منها الأوراق التي بحوزته، وإذا لم يكن متعجلاً فعليه الانتظار لأجل غير محدود، لربما غيّرت رأيي وقناعتي بمهنة الكتابة واحتمال هبوط الموهبة عليّ أو حصولي على جائزة رفيعة تُدفع لي مقدماً عن كتبي المقبلة كي أُسدّد له ما بذمتي. كان مزاحاً أقرب إلى السخرية، ولم أكن أتوقّع أن هذا المزاح سيتلقفه هذا الناشر العجيب ويحوله إلى رصيد جديد في حسابه، بعد أن أيقن أن ما دفعه سيذهب هباءً، ويبدو أن الجينات الشايلوكية لديه هي التي ألهمته أفكاره الجهنمية. فما جاءت به رسالته شيء لا يمكن تخيّله، فقد أخبرني أنه تمكن من إقناع، هيئة إحدى أكبر الجوائز، وبما قدمه من جذاذات ملفقة من تلك التي أرسلتها له، أن أفوز بهذه الجائزة مقدماً، على أن يُرسَل الكتاب قبل إعلان النتائجّ، بفترة معقولة. قال لي يستحثني: لدينا عدة أشهر، أرني همّتك، وسيكون نصف المبلغ في الشيك لك. وكان قد أرفق صورة للشيك، ممهوراً وموقّعاً، مشيرا إلى أن الدفعة التي كنتُ قد استلمتها لن تُسترد مني.
ماذا أفعل؟ ناشري يورطني ولا متسع للتهرب من مقترحه. أصبحتُ مؤلفاً رغماً عني وإنْ بالتقسيط، غير أنّ المفارقة، إني استلمتُ جائزة عن كتاب لم أكتبه بعد، وهذا لم يحدث في تاريخ التأليف والجوائز في أي مكان من العالم.

٭ كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!