من المعروف أن الحمى الغدية مرض فيروسي لا تفيد المضادات الحيوية في علاجه، فكيف يستخدم المضاد الحيوي الأموكسيسلين في تشخيص المرض؟

أشارت جميع الدراسات إلى أن نحو 82-92 في المئة من المرضى المصابين بالحمى الغدية (بالإنجليزية: Glandular Fever) والمسماة أيضاً داء وحيدات النواة الخمجي (بالإنجليزية Infectious Mononucleosis) يظهر على أجسامهم طفح جلدي عند تناولهم للمضاد الحيوي”أموكسيسيلين”.

الحمى الغدية وتشخيصها

يعرف داء وحيدات النواة (الحمى الغدية) بأنه مرض معد، فيروسي حاد، واسع الانتشار، ومن أهم أعراضه وعلاماته ما يلي:

  • ارتفاع درجة حرارة الجسم (حمى).
  • ألم في الحلق نتيجة التهاب البلعوم (بالإنجليزية: Pharyngitis).
  • اعتلال غدي لمفاوي (بالإنجليزية: Lymphadenopathy).
  • ارتفاع عدد الكريات البيض اللمفاوية الشاذة (لا نموذجية) في الدم (بالإنجليزية: Atypical Lymphocytosis).

والعامل المسبب لداء وحيدات النواة، هو فيروس Epstein-Barr Virus (ويرمز له EBV)،. وهو نوع من أنواع فيروسات الحلأ (بالإنجليزية: Herpes Virus).

طرق العدوى

تتم العدوى بداء وحيدات النواة في المقام الأول عن طريق الفم، وذلك عندما يدخل لعاب الشخص الحامل للفيروس (أو المريض) التجويف الفمي للشخص السليم بواسطة الاتصال المباشر الحميم بينهما (القبلة)، لذلك سمي هذا المرض باللغة العامية داء التقبيل (بالإنجليزية: Kissing Disease).

وقد ينتقل هذا المرض كذلك عن طريق الاتصال غير المباشر، وذلك عبر استخدام ملعقة أو كوب الشخص المريض أو الحامل للفيروس، ويعرف الشخص الحامل للفيروس بأنه ذلك الفرد الذي يحمل الفيروس المسبب للمرض دون أن تظهر عليه أعراض وعلامات المرض، غير أنه قادر على نقل العدوى للشخص السليم، وأما عند الأطفال تحديداً فتحدث العدوى في حال تبادل الأطفال الحلوى أو الفواكه من فم إلى فم، كذلك فمن المحتمل أن تنتقل العدوى عن طريق الإفرازات المخاطية من الأنف والحلق أثناء السعال والعطس، وأحياناً عن طريق الدموع.

وقد سجلت بعض الحالات النادرة التي تمت فيها العدوى عن طريق الاتصال الجنسي المباشر مع الجهاز التناسلي للمرأة، وذلك لتواجد الفيروس في خلايا عنق الرحم. ناهيك عن توثيق بعض الحالات التي تمت فيها العدوى عن طريق الدم.

تولد المرض

بعد دخول فيروس EBV فم الشخص السليم، يقوم بمهاجمة كريات الدم البيضاء اللمفاوية (بالإنجليزية: Lymphocytes) من النوع B الموجودة في ظهارة الفم والبلعوم والغدد اللعابية، ويصيبها بالعدوى، وبعدها تقوم هذه الكريات اللمفاوية بنشر وإيصال العدوى بواسطة الدورة الدموية إلى الجهاز الشبكي البطاني (بالإنجليزية: Reticular Endothelial System) في الكبد والطحال والعقد اللمفاوية المحيطية.

ويؤدي رد الفعل المناعي ضد العدوى بالفيروس إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم، وظهور كريات بيضاء كبيرة الحجم، ناهيك على أن غزو الفيروس للكريات من النوع B تحديداً يؤدي الى تغير شكلها النموذجي الى شكل جديد غير نموذجي يتكاثر بأعداد هائلة، ويعود ارتفاع عدد الكريات البيضاء اللمفاوية في الجهاز الشبكي البطاني بشكل عام، إلى تكاثر الكريات اللمفاوية من النوع B المصابة بالفيروس، في حين يعود التهاب الحلق إلى تكاثر نفس الكريات داخل النسيج اللمفاوي في منطقة الفم والحلق.

ومن ناحية أخرى وكرد فعل لدخول الفيروس الجسم يقوم جهاز المناعة بإنتاج أجسام مضادة لمهاجمة الفيروس الدخيل والقضاء عليه أو إضعافه، وتبقى هذه الأجسام المضادة في الجسم وتعطي الشخص مناعة ضد نفس الفيروس مدى الحياة، غير أنه بعد التحسن يبقى الفيروس كامناً داخل الجسم الى حين إعادة تفعيله من حين الى آخر، مثله مثل باقي فيروسات الحلاء، وبذلك يصبح الشخص حاملاً للفيروس ويقوم ينقل المرض إلى الأشخاص الذين لم يسبق لهم وأن أصيبوا به.

النسبة الانتشارية

الحمى الغدية واسعة الانتشار وشائعة جداً، وقد أشارت الدراسات إلى أن أكثر من 93 في المئة من الأشخاص البالغين (على نطاق عالمي) قد تعرضوا خلال حياتهم للعدوى بفيروس EBV، ويتمتعون بالمناعة ضد هذا الفيروس، غير أنهم حاملين له (ويعرف الشخص الحامل للفيروس بأنه ذلك الشخص الذي يؤوي الفيروس المسبب للمرض، دون أن تظهر عليه أعراض وعلامات المرض، ويكون هذا الشخص قادراً على نقل العدوى للأشخاص الأصحاء والذين لا يتمتعون بالمناعة ضد هذا الفيروس).

وقد أشارت الدراسات أيضاً إلى أن معظم الأشخاص يتعرضون لفيروس EBV في سن الطفولة، وتكون أعراض وعلامات المرض عندهم بسيطة جداً، أو قد تكون شبيهة بالتهاب الجهاز التنفسي العلوي، أو التهاب اللوزتين، مما قد يدفع بعض الأطباء الى تشخيص هذه الحالة على أنها التهاب بكتيري للجهاز التنفسي العلوي، ويقومون بإعطاء المريض المضادات الحيوية التي لا لزوم لها، وذلك لكون الحالة فيروسية ولا يفيد المضاد الحيوي في هذه الحالة.

ومن المهم هنا أن أذكر وأشدد على أنه في حال كان المضاد الحيوي المستخدم هو Amoxicillin أو Augmentin فإنه في 92 في المئة من الحالات يظهر على المريض بعد يومين أو أربعة أيام من تناوله للمضاد الحيوي طفح جلدي مميز، ما يؤدي إلى اعتقاد الأهل خطأ (والأطباء أحياناً) على أن رد الفعل هذا هو حساسية (بالإنجليزية: Allergy) تجاه هذه المضادات الحيوية، غير أن الكثير من الأطباء يستغلون هذه الظاهرة للتأكيد على أن المريض يعاني من الحمى الغدية.

ومن الجدير بالذكر أنه في الدول النامية (غير المتطورة) يتعرض الناس للعدوى بالحمى الغدية في سن الطفولة، في حين تتعرض النسبة الكبيرة من الناس في الدول المتقدمة للعدوى في سن اليفع والبلوغ، لذلك فإن الأطباء في الدول المتقدمة يشاهدون الصورة السريرية الكلاسيكية للمرض (في حين في الدول النامية تمر الحالة مر الكرام).

وتقدر النسبة الانتشارية السنوية للحمى الغدية (الإصابات خلال 12 شهراً) بنحو 20-70 شخصاً من كل مئة ألف شخص. في حين عند المراهقين ترتفع هذه النسبة لتصل الى شخص واحد من كل ألف شخص.

الصورة السريرية

تتراوح فترة الحضانة للحمى الغدية من شهر إلى شهرين، وفي بلادنا يتعرض الكثير من الناس للفيروس في سن الطفولة، حيث لا يظهر للمرض أعراض وعلامات جلية وواضحة، وتكون على شكل التهاب الحلق وارتفاع بسيط لدرجة الحرارة، وأما في حال تعرض الشخص للعدوى في سن اليفع أو المراهقة، فإن الأعراض والعلامات تكون أكثر وضوحاً وكلاسيكية، وتتميز الأعراض المبكرة للمرض بما يلي:

  • إرهاق.
  • توعك.
  • ألم في عضلات الجسم الهيكلية.

وتدوم هذه الأعراض من أسبوع إلى أسبوعين، يليها أعراض وعلامات أكثر وضوحاً ومميزة للحمى الغدية، هي:

  • ارتفاع درجة حرارة الجسم.
  • ألم في منطقة الحلق (بسبب التهاب الحلق أو اللوزتين).
  • اعتلال وتضخم الغدد اللمفاوية بشكل عام وفي منطقة الرقبة بشكل خاص.

الأعراض

يعرف العَرَض بأنه الدليل الذاتي (الشعور) للمرض، والذي يحس أو يشعر به المريض ويقوم بإعلام الطبيب بذلك، مثال على ذلك شكوى المريض من ألم في الحلق أو إرهاق، وأود أن أشدد على ما يلي في ما يخص مرضى الحمى الغدية:

  • يعاني جميع المرضى من الإرهاق وتوعك طويل الأمد.
  • الإحساس بالألم في منطقة الحلق يأتي بالمرتبة الثانية بعد الإرهاق والتوعك.
  • لا تتعدى درجة الحرارة الفموية عن 38 درجة مئوية (بالإنجليزية: Low Grade Fever).
  • ألم المفاصل والعضلات الهيكلية يحدث بنسبة أقل مقارنة مع باقي الأمراض المعدية.
  • كثيراً ما يعاني المريض من فقدان الشهية للأكل (بالإنجليزية: Anorexia) والغثيان (دون التقيؤ).
  • قد يعاني المريض من السعال وألم في منطقة الصدر ورهاب الضوء (بالإنجليزية: Photophobia) أي عدم تحمل عينيه للضوء.

العلامات

تعرف العلامة بأنها الدليل الموضعي (غير الذاتي) للمرض، والذي يحس أو يشعر به أو يلاحظه الطبيب على المريض أثناء فحصه، مثال على ذلك ملاحظة الطبيب احمرار حلق المريض أو الإحساس بتضخم حجم الغدد اللمفاوية في منطقة الرقبة أثناء وضع يده على هذه المنطقة، وأود هنا ايضاً أن أشدد على بعض الملاحظات، فالعلامات الأولى للمرض تتضمن الآتي:

  • ارتفاع درجة حرارة الجسم، اعتلال غدي لمفاوي، التهاب الحلق (البلعوم) وتورم حول العين وأحياناً قد يظهر طفح جلدي.
  • بعد ذلك يلاحظ تضخم الكبد والطحال، يرقان، وبقع حمراء في سقف التجويف الفمي (بالإنجليزية: Palatal Petechiae) وفي حالات نادرة قد يؤدي تضخم الطحال الى تمزقه (1-2 في المئة من الحالات) وخاصة في حال قيام المريض برفع شيء ثقيل أو معاناته من الإمساك (ما يؤدي إلى رفع الضغط داخل تجويف البطن أثناء التبرز).

وتتمثل العلامات والأعراض الكلاسيكية للمرض عند الأطفال والمراهقين بما يلي:

  • ارتفاع درجة حرارة الجسم.
  • التهاب الحلق.
  • اعتلال الغدد اللمفاوية.

في حين تتمثل الصورة السريرية عند الأشخاص الكبار والمسنين، بالتهاب الكبد دون ظهور يرقان.

أما في حال ظهوره بصورة عامة، فإنه يظهر عند الشباب بنسبة لا تتعدى 11 في المئة من الحالات، في حين عند كبار السن تفوق هذه النسبة 29 في المئة، وغالباً ما تتضخم اللوزتان، وقد يصل الأمر الى أن تسد اللوزتان حلق المريض ما يترتب عليه صعوبة البلع أو ضيق في التنفس، وفي بداية المرض قد يظهر طفح جلدي على جميع أرجاء الجسم دون حكة، ويتلاشى بسرعة.

وأود أن أنتهز هذه الفقرة لألفت نظر الأهل والأطباء إلى أنه في حال تم تشخيص الحالة خطأ على أساس أنها التهاب الحلق الناتج عن بكتيريا Streptococcus وأعطي المريض إحدى المضادات الحيوية التالية Ampicillin, Amoxicillin, Augmentin فإنه قد يظهر طفح جلدي على الصدر والبطن ومنطقة الظهر (دون الرأس والأطراف) وذلك بعد تناول هذه المضادات بثلاثة أو أربعة أيام.

ويزول هذا الطفح كلياً بعد إيقاف إعطاء هذه المضادات الحيوية. ولا يعرف حتى الآن سبب ظهور هذا الطفح، غير ان كثيراً من الأطباء والأهل يعتقدون خطأ أن هذا الطفح ناتج عن الحساسية للمضادات الحيوية الثلاثة المذكورة سابقاً.

وبذلك يسجل على أن المريض يعاني من الحساسية تجاهها، وهذا خطأ فادح (إذ أن الطفح الناتج عن الحساسية تجاه المضادات الحيوية يظهر بسرعة فائقة وفجائية بعد تناول المضاد بأقل من ساعة).

يحدث تضخم الطحال في مرحلة متأخرة من المرض، ويعود حجمه إلى الحجم الطبيعي بعد 3 أسابيع من ملاحظة تضخمه، ونادراً ما يعاني المريض من فقر الدم (الأنيميا)، كما يرتفع عدد الكريات البيض (بدلاً من أن ينقص كما هو الحال في أغلب الأمراض)، الفيروسية المعدية) وذلك بسبب الارتفاع النسبي الملحوظ لعدد الكريات البيض اللمفاويةLymphocytes الانموذجية والمميزة لهذا الداء.

وغالباً ما يشخص داء وحيدات النواة في سن المراهقة، وتكون قمة العدوى والإصابة بهذا الداء في سن 15-17 عاماً، مع أنه أيضاً يلاحظ في سن الطفولة، غير أنه قد تتشابه أعراضه مع أعراض لأمراض الطفولة الشائعة الأخرى، وهذا يفسر عدم أو قلة تشخيص داء وحيدات النواة في سن الطفولة.

مضاعفات المرض

في حالات نادرة جداً قد تنشأ مضاعفات نتيجة الإصابة بداء وحيدات النواة، وهي:

  • فقر الدم (بالإنجليزية: Anemia)، وهو نقص في مستوى خضاب الدم Hemoglobin وعدد كريات الدم الحمراء.
  • قلة الصفيحات الدموية Thrombocytopenia، حيث ينقص عدد صفيحات الدم المسؤولة عن تجلط الدم.
  • التهاب عضلة القلب (بالإنجليزية: Myocarditis).
  • التهاب السحايا (بالإنجليزية: Meningitis).
  • التهاب الدماغ (بالإنجليزية: Encephalitis).
  • التهاب البنكرياس (بالإنجليزية: Pancreatitis).
  • التهاب المرارة (بالإنجليزية: Cholecystitis).
  • التهاب الكلية الكبيبي (بالإنجليزية: Glomerular Nephritis).
  • التهاب العضل (بالإ،جليزية: Myositis).
  • التهاب الغدد اللمفاوية المساريقية (بالإنجليزية: Mesenteric Adenitis)، وتتمثل هذه الحالة بالتهاب العقد اللمفاوية التي تجمع السائل اللمفاوي Lymph من الأمعاء في منطقة البطن. وهي حالة مرضية تشبه أعراضها وعلاماتها التهاب الزائدة الدودية الحاد.
  • التهاب العصب البصري (بالإنجليزية: Optic Neuritis).
  • التهاب الحبل الشوكي المستعرض (بالإنجليزية: Transverse Myelitis).
  • التصلب العصبي المتعدد (بالإنجليزية: Multiple Sclerosis).

الفحوصات المخبرية

تتم الفحوصات المخبرية من خلال ما يلي:

الأجسام المضادة

نتيجة مقاومة جهاز المناعة للجسم، يتم انتاج أجسام مضادة (بالإنجليزية: Antibodies) ضد فيروس EBV والتي من الممكن الكشف عنها في دم المريض فيالأسبوع الأول بعد ظهور الأعراض.

كريات الدم البيضاء

ترتفع نسبة الكريات البيض من النوع اللمفاوي (بالإنجليزية: Lymphocytes)، ويمكن ملاحظة ارتفاع عدد الكريات البيض اللمفاوية اللانموذجية.

الوقاية والعلاج

بما أن السبيل الوحيد لانتقال داء وحيدات النواة هو عن طريق اللعاب، لذا يجب أن لا يقوم الشخص المريض أو الحامل للفيروس (أثناء فترة تفعيل الفيروس)، بتقبيل الآخرين بواسطة الفم (غير أنه مسموح بأن يقوم باحتضانهم)، كذلك يجب عدم مشاركة الآخرين نفس صحن الطعام أو الملعقة أو الكوب، إلى حين زوال الحمى وبعدها بأسبوع أو أسبوعين، ولا يوجد لقاح (بالإنجليزية: Vaccine) للوقاية من داء وحيدات النواة، وكذلك لا يوجد علاج خاص لعلاج ومكافحة داء وحيدات النواة، وأما المضادات الحيوية فلا تفيد هنا مطلقاً، لأن المرض فيروسي، ويتمثل العلاج (وبعد التشخيص السليم) بملازمة الفراش وشرب سوائل بالقدر الكافي.

وأما في حال ظهور عدوى بكتيرية ثانوية، وخاصة في منطقة الحلق، فمن الممكن استخدام المضادات الحيوية شريطة الابتعاد عن “الأموكسيسيلين” و “الأوغمنتين”، إذكما ذكرت سابقاً فقد يظهر نتيجة تناولهما طفح جلدي معين (علماً بأن استخدام المضاد الحيوي “الأمبيسيلين” قد أوقف بصورة عامة منذ أكثر من 26 عاماً).

وفي دراسة قام بها كاتب هذا المقال (د. جابي كيفوركيان) في مدينة القدس المحتلة وضواحيها، عام 2006 تبين له أن 79,2 في المئة من الأطفال المصابين بداء وحيدات النواة، يشخصون خطأ على أنهم يعانون من الحساسية تجاه المضادين الحيويين “الأموكسيسيلين” و “الأوغمنتين” في حال تناولهم لهما أثناء فترة العلاج، وبذلك يحرمون من تناول هذه المضادات الحيوية طوال حياتهم.