الخلاف بين السلفيين والصوفية المغاربة من منظور أحمد عصيد

كم‭ ‬أنتم‭ ‬مقرفون‭ ‬أيها‭ ‬السلفيون‭ ‬والإخوان؟؟
الفهرس

الخلاف بين السلفيين والصوفية المغاربة من منظور أحمد عصيد

هوية بريس – إبراهيم الطالب

أن‭ ‬تختلف‭ ‬السلفية‭ ‬والصوفية‭ ‬شيء‭ ‬مفهوم‭ ‬باتفاق‭ ‬الجميع‭ ‬قديما‭ ‬وحديثا،‭ ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬الخلاف‭ ‬بينهما‭ ‬العلمانيون،‭ ‬ليستنكروا‭ ‬ما‭ ‬وصفوه‭ ‬بالهجمات‭ ‬الشرسة‭ ‬التي‭ ‬يشنها‭ ‬السلفيون‭ ‬على‭ ‬المتصوفة،‭ ‬أمر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تأمل‭ ‬وتفكر‭. ‬

ونأخذ‭ ‬مثالا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬مقالا‭ ‬للـ‮»‬باحث‮»‬‭ ‬أحمد‭ ‬عصيد‭ ‬آثر‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬ينسلخ‭ ‬من‭ ‬‮«‬عقلانيته‮»‬‭ ‬وعلمانيته‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬دفعته‭ ‬لمحاربة‭ ‬شعائر‭ ‬دينية‭ ‬واضحة‭ ‬كعيد‭ ‬الأضحى‭ ‬وصلاة‭ ‬تراويح‭ ‬وغيرها،‭ ‬وفضل‭ ‬أن‭ ‬يلعب‭ ‬دورا‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الإسفاف،‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬نزاهة‭ ‬فكريَّة‭ ‬يقتضيها‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والتحليل‭ ‬الفكري،‭ ‬معلنا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬انتصاره‭ ‬للصوفية،‭ ‬وحربه‭ ‬ضد‭ ‬السلفية‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬بالروحانيات‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬لست‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬الزوايا‭ ‬ولا‭ ‬أومن‭ ‬بالروحانيات،‭ ‬وأجد‭ ‬متعتي‭ ‬الفائقة‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬الخطابات‭ ‬وأنماط‭ ‬السلوك‭ ‬والوعي‭ ‬بعقلانية‭ ‬قد‭ ‬تضجر‭ ‬البعض،‭ ‬ولكنها‭ ‬ضرورية‭ ‬لفهم‭ ‬ما‭ ‬يجري‮»‬‭. ‬

لكن‭ ‬للأسف‭ ‬ستخونه‭ ‬عقلانيته‭ ‬ووعيه،‭ ‬وستنتصر‭ ‬عليهما‭ ‬انتهازيته‭ ‬وحقده،‭ ‬لأنه‭ ‬سيتجاهل‭ ‬كل‭ ‬المخالفات‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬ترتكب‭ ‬في‭ ‬المواسم‭ ‬والأضرحة،‭ ‬والمهددة‭ ‬للصحة‭ ‬العامة‭ ‬والأمن‭ ‬العام،‭ ‬وسيتجاهل‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الاستغلال‭ ‬لسدنة‭ ‬الأضرحة‭ ‬لبؤس‭ ‬الفقراء‭ ‬وحاجتهم‭ ‬إلى‭ ‬الاستشفاء‭ ‬وبيعهم‭ ‬الوهم،‭ ‬وممارستهم‭ ‬للشعوذة‭ ‬والسحر‭ ‬ليأكلوا‭ ‬أموال‭ ‬الناس‭ ‬بالباطل،‭ ‬مع‭ ‬الضرر‭ ‬البالغ‭ ‬الذي‭ ‬يحدثه‭ ‬السحر‭ ‬على‭ ‬أجساد‭ ‬الناس‭ ‬وعقولهم،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الانحرافات‭ ‬والمخالفات‭ ‬القانونية‭ ‬والشرعية‭ ‬والأخلاقية،‭ ‬سيضرب‭ ‬عنها‭ ‬الباحث‭ ‬الذكر‭ ‬صفحا،‭ ‬ويفضل‭ ‬أن‭ ‬يسبح‭ ‬بقرائه‭ ‬في‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الخداع‭ ‬اقتضاه‭ ‬لديه‭ ‬الحقد‭ ‬الإيديولوجي،‭ ‬فغيب‭ ‬عقلانيته‭ ‬ووعيه‭. ‬

كما‭ ‬سيظهر‭ ‬جليا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يدري‭ ‬شيئا‭ ‬عن‭ ‬تفكيك‭ ‬الخطابات‭ ‬وأنماط‭ ‬السلوك‭ ‬كما‭ ‬ادَّعاه،‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬سيشهده‭ ‬القارئ‭ ‬هو‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬تفكيك‭ ‬عقده‭ ‬النفسية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بثه‭ ‬لمشاعر‭ ‬الحقد‭ ‬والكراهية،‭ ‬ويسميها‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬السلفية‭ ‬والصوفية،‭ ‬محاولا‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬وحشية‭ ‬السلفية‭ ‬وانغلاق‭ ‬السلفيين‭. ‬

فاستهل‭ ‬كلامه‭ ‬مبديا‭ ‬أحاسيسه‭ ‬المرهفة‭ ‬الحانية‭ ‬على‭ ‬التصوف‭ ‬وأهله‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬شعرت‭ ‬بعدم‭ ‬الطمأنينة،‭ ‬بل‭ ‬وبكثير‭ ‬من‭ ‬الامتعاض‭ ‬وأنا‭ ‬ألمس‭ ‬كيف‭ ‬يتهجم‭ ‬السلفيون‭ ‬والإخوانيون‭ ‬المغاربة‭ ‬على‭ ‬المتصوفين،‭ ‬مسفهين‭ ‬تجاربهم‭ ‬ساخرين‭ ‬من‭ ‬معتقداتهم‭ ‬الروحية‭ ‬وطقوسهم‭ ‬التعبدية‮»‬‭.‬

وقبل‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬مناقشة‭ ‬أوجه‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬الصوفية‭ ‬والسلفية‭ ‬نقر‭ ‬بداية‭ ‬أن‭ ‬الخلاف‭ ‬بينهما‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ينكره،‭ ‬فهو‭ ‬خلاف‭ ‬قديم،‭ ‬عرف‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬فمنذ‭ ‬نشأة‭ ‬التصوف‭ ‬وخلال‭ ‬مراحل‭ ‬تطوره،‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الطوائف‭ ‬يردون‭ ‬على‭ ‬المتصوفة‭ ‬محدثاتهم‭ ‬في‭ ‬الدين،‭ ‬وما‭ ‬ابتدعوه‭ ‬من‭ ‬معتقدات‭ ‬وطقوس‭ ‬مخالفة‭ ‬لهدي‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬بل‭ ‬يستنكر‭ ‬ذلك‭ ‬عليهم‭ ‬حتى‭ ‬فقهاء‭ ‬الصوفية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬مبثوث‭ ‬في‭ ‬كتبهم‭. ‬

واشتد‭ ‬النكير‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ -‬بالخصوص‭- ‬على‭ ‬غلاة‭ ‬رموز‭ ‬المتصوفة‭ ‬أمثال‭: ‬الحلاج‭ ‬وابن‭ ‬عربي‭ ‬الحاتمي‭ ‬وابن‭ ‬الفارض‭ ‬الشاعر‭ ‬وابن‭ ‬سبعين،‭ ‬لعظم‭ ‬جنايتهم‭ ‬على‭ ‬عقيدة‭ ‬أهل‭ ‬السنة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بثهم‭ ‬لعقائد‭ ‬الحلول‭ ‬والاتحاد‭ ‬ووحدة‭ ‬الوجود‭. ‬

لكن‭ ‬مقال‭ ‬أحمد‭ ‬عصيد‭ ‬ترك‭ ‬كل‭ ‬موضوعات‭ ‬الخلاف،‭ ‬وفضل‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬حملته‭ ‬على‭ ‬السلفيين،‭ ‬متدثرا‭ ‬بجلباب‭ ‬البحث،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬عند‭ ‬التحقيق‭ ‬يتبين‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬يندرج‭ ‬ضمن‭ ‬الحملة‭ ‬العلمانية‭ ‬العالمية‭ ‬على‭ ‬السلفية‭ ‬بكل‭ ‬تياراتها،‭ ‬والتي‭ ‬ترى‭ ‬فيها‭ ‬الحضارةُ‭ ‬الغربية‭ ‬تهديدا‭ ‬لمقوماتها‭ ‬وأسسها‭ ‬العلمانية،‭ ‬كما‭ ‬صرح‭ ‬بذلك‭ ‬زعماء‭ ‬الغرب‭ ‬ونخبهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقارير‭ ‬مراكزهم‭ ‬التي‭ ‬تعنى‭ ‬بالدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭. ‬

ومادام‭ ‬الباحث‭ ‬عصيد‭ ‬يعد‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬سدنة‭ ‬العلمانية‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬فلا‭ ‬غرو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬أعداء‭ ‬السلفية‭ ‬والسلفيين،‭ ‬وهذا‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬مقاله‭ ‬الذي‭ ‬فضل‭ ‬فيه‭ ‬ألا‭ ‬يبحث‭ ‬في‭ ‬مضمون‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬الصوفية‭ ‬والسلفية،‭ ‬وآثر‭ ‬أن‭ ‬يحرك‭ ‬النعرة‭ ‬بينهما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مقال‭ ‬هو‭ ‬أشبه‭ ‬بالتحريش‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬مقارنة‭ ‬علمية‭ ‬جدية‭ ‬بين‭ ‬تيارين‭ ‬موجودين‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬المغربية‭ ‬العامة‭. 

وقد‭ ‬لخص‭ ‬مقارنته‭ ‬بينهما‭ ‬في‭ ‬أربع‭ ‬نقاط،‭ ‬نذكر‭ ‬منها‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأولى،‭ ‬التي‭ ‬استهلها‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬أول‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬الصوفية‭ ‬عن‭ ‬السلفية‭ ‬والإخوانية‭ ‬إنسانية‭ ‬الأولى‭ ‬وقساوة‭ ‬الأخرَيين،‭ ‬فالأولى‭ ‬لشدة‭ ‬احترامها‭ ‬للإنسان‭ ‬تضعه‭ ‬في‭ ‬مقام‭ ‬القرب‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬بدون‭ ‬وسائط‭ ‬السماسرة‭ ‬وتجار‭ ‬الإيمان،‭ ‬عبر‭ ‬الاتصال‭ ‬المباشر‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الحلول‮»‬‭ ‬و‮»‬الاتحاد‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬المواجد‮»‬‭ ‬و‮»‬الأحوال‮»‬‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬العرفانية‭ ‬الروحية،‭ ‬أما‭ ‬السلفية‭ ‬والإخوانية‭ ‬فتصلان‭ ‬بالإنسان‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الاحتقار‭ ‬تجعل‭ ‬منه‭ ‬آلة‭ ‬مبرمجة‭ ‬لتطبيق‭ ‬وصفة‭ ‬يومية‭ ‬من‭ ‬التعاليم‭ ‬الفقهية،‭ ‬بحيث‭ ‬تلجم‭ ‬عقله‭ ‬وتطمس‭ ‬جدوة‭ ‬روحه‭ ‬وتحوله‭ ‬إلى‭ ‬كائن‭ ‬أبله‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬من‭ ‬الألوان‭ ‬إلا‭ ‬الأسود‭ ‬والأبيض،‭ ‬بينما‭ ‬تزخر‭ ‬الطبيعة‭ ‬بالألوان‭ ‬الزاهية‭ ‬البهية‭ ‬والجميلة‮»‬‭.‬

هكذا،‭ ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬الباحث‭ ‬موغلا‭ ‬في‭ ‬الكراهية‭ ‬للتعاليم‭ ‬الفقهية،‭ ‬التي‭ ‬تغيظه‭ ‬عندما‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬عبدا‭ ‬لله‭ ‬ممتثلا‭ ‬لأوامره،‭ ‬مجتنبا‭ ‬لنواهيه،‭ ‬مظهرا‭ ‬لسمته،‭ ‬منضبطا‭ ‬بشعائر‭ ‬دينه،‭ ‬هذا‭ ‬الامتثال‭ ‬يرفضه‭ ‬عصيد‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬نظره‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬آلة‭ ‬مبرمجة‭ ‬لتطبيق‭ ‬وصفة‭ ‬يومية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يعلي‭ ‬من‭ ‬عقائد‭ ‬غلاة‭ ‬المتصوفة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الاتحاد‮»‬‭ ‬و‮»‬الحلول‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تمحو‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬العبد‭ ‬والرب،‭ ‬وتسقط‭ ‬التكليف‭ ‬الشرعي‭ ‬عن‭ ‬العباد،‭ ‬فتبطل‭ ‬الشرائع‭ ‬جميعها‭. ‬

وواضح‭ ‬أن‭ ‬الباحث‭ ‬لا‭ ‬يهمه‭ ‬زهد‭ ‬المتصوفة‭ ‬ولا‭ ‬رقصهم‭ ‬ولا‭ ‬ذكرهم،‭ ‬فما‭ ‬يهمه‭ ‬هو‭ ‬النتيجة‭ ‬النهائية‭ ‬التي‭ ‬تشترك‭ ‬فيها‭ ‬الصوفية‭ ‬مع‭ ‬العلمانية‭ ‬وهي‭ ‬إسقاط‭ ‬التكليف،‭ ‬وإبطال‭ ‬الشريعة،‭ ‬وإفراغ‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬محتواه‭ ‬ووظيفته‭ ‬الأساسية،‭ ‬المتمثّلة‭ ‬في‭ ‬تعبيد‭ ‬الناس‭ ‬لرب‭ ‬العالمين،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬بلغه‭ ‬رسوله‭ ‬الأمين‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭. ‬

ثم‭ ‬يسترسل‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬عبثه‭ ‬الفكري‭ ‬وانتهازيته‭ ‬المكشوفة‭ ‬التي‭ ‬أسماها‭ ‬مقارنة،‭ ‬فيذكر‭ ‬ثانيَ‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬الصوفية‭ ‬عن‭ ‬السلفيين‭ ‬وهو‭: ‬‮«‬انشغال‭ ‬الصوفية‭ ‬بمتعهم‭ ‬الروحية‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يسعون‭ ‬من‭ ‬ورائها‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬سلطة‭ ‬ولا‭ ‬منصب‭ ‬ولا‭ ‬ترأس‭ ‬أو‭ ‬غلبة،‭ ‬واحتراق‭ ‬الإخوان‭ ‬والسلفيين‭ ‬وعجلتهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بلوغ‭ ‬مناصب‭ ‬الترأس‭ ‬والسلطة‭ ‬والغلبة‭ ‬لإحكام‭ ‬قبضتهم‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬وممارسة‭ ‬الوصاية‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬الناس‭ ‬وإحكام‭ ‬الطوق‭ ‬على‭ ‬رقابهم‮»‬‭.‬

فـ‮»‬الباحث‮»‬‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفقرة‭ ‬يحترق‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬الغيظ،‭ ‬وتعتمل‭ ‬في‭ ‬صدره‭ ‬مشاعر‭ ‬الحقد‭ ‬والكراهية،‭ ‬فيصور‭ ‬السلفيين‭ ‬مثل‭ ‬محاربين‭ ‬يقاتلون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلطة‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬مناصب‭ ‬الترأس‭ ‬والغلبة،‭ ‬محاولا‭ ‬في‭ ‬خبث‭ ‬مكشوف‭ ‬أن‭ ‬يرسل‭ ‬رسالة‭ ‬للنظام‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬السلفيين‭ ‬يريدون‭ ‬إحكام‭ ‬قبضتهم‭ ‬على‭ ‬الدولة،‭ ‬رافعا‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الصوفية‭ ‬لكونهم‭ ‬يشتغلون‭ ‬فقط‭ ‬بمتعهم‭ ‬الروحية‭ ‬الشخصية،‭ ‬مسقطين‭ ‬من‭ ‬اهتماماتهم‭ ‬ممارسة‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المناصب،‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬مزية‭ ‬تحسب‭ ‬لهم‭. ‬

بطبع‭ ‬هي‭ ‬مزية‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬أعين‭ ‬العلمانيين‭ ‬فقط،‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬هكذا‭ ‬نحلة‭ ‬مشْغلة‭ ‬للناس‭ ‬ذوي‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الدينية‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يُنافسوا‭ ‬العلمانيين‭ ‬أو‭ ‬يتدافعوا‭ ‬معهم‭ ‬على‭ ‬كراسي‭ ‬السلطة‭. ‬

فكم‭ ‬هو‭ ‬حداثي‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬المناضل‮»‬‭ ‬الحقوقي،‭ ‬عندما‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬يدَعو‭ ‬للعلمانيين‭ ‬السلطة‭ ‬والمناصب‭ ‬ويشتغلوا‭ ‬بالمتع‭ ‬الروحية؟؟

وكم‭ ‬هو‭ ‬محب‭ ‬هذا‭ ‬الحداثي‭ ‬للتنوع‭ ‬قابل‭ ‬للاختلاف‭ ‬عندما‭ ‬يرفض‭ ‬مشاركة‭ ‬السلفيين‭ ‬والإخوان‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬ويعتبره‭ ‬‮«‬ممارسة‭ ‬للوصاية‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬الناس‭ ‬وإحكام‭ ‬الطوق‭ ‬على‭ ‬رقابهم‮»‬؟؟

هذا‭ ‬‮«‬الباحث‮»‬‭ ‬يمارس‭ ‬كل‭ ‬صنوف‭ ‬الاستئصال‭ ‬والحقد‭ ‬والكراهية،‭ ‬ثم‭ ‬يتبجح‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المناسبات‭ ‬بالثقافة‭ ‬الكونية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وقيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬أجلِّها‭ ‬عنده‭ ‬القبول‭ ‬بالاختلاف‭ ‬والتنوع،‭ ‬ونبذ‭ ‬مشاعر‭ ‬الحقد‭ ‬والكراهية‭. ‬

مؤسف‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬هذا‭ ‬لكنه‭ ‬الواقع‭. ‬

ثم‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬سرد‭ ‬أوجه‭ ‬مقارنته‭ ‬ليجعل‭ ‬ثالثها‭: ‬‮«‬ما‭ ‬يميزهما‭ ‬عن‭ ‬بعضهما‭ ‬سعة‭ ‬أفق‭ ‬الصوفية‭ ‬وضيق‭ ‬السلفية‭ ‬والإخوانية،‭ ‬فللصوفية‭ ‬تأويلاتهم‭ ‬للنصوص‭ ‬الدينية‭ ‬تأخذهم‭ ‬إلى‭ ‬مشارف‭ ‬الروح،‭ ‬وتستكنه‭ ‬مواطن‭ ‬الحلم‭ ‬والجمال‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬وفي‭ ‬الكون‭ ‬وما‭ ‬وراء‭ ‬الموجودات،‭ ‬بينما‭ ‬يُحول‭ ‬السلفيون‭ ‬والإخوان‭ ‬نصوص‭ ‬الدين‭ ‬إلى‭ ‬عبارات‭ ‬نمطية‭ ‬ماحقة‭ ‬وفقه‭ ‬مغلق،‭ ‬يفقر‭ ‬الحياة‭ ‬ويقتل‭ ‬ومضة‭ ‬الإبداع،‭ ‬وهم‭ ‬يفعلون‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬باسم‭ ‬السماء،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الربّ‭ ‬قد‭ ‬اتخذهم‭ ‬وكلاء‭ ‬أو‭ ‬محامين‮»‬‭.‬

حقيقة،‭ ‬على‭ ‬السلفيين‭ ‬أن‭ ‬يطلبوا‭ ‬السماح‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الباحث‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬ركَّبوا‭ ‬فيه‭ ‬عقدا‭ ‬نفسية،‭ ‬جعلته‭ ‬يُقارب‭ ‬الانفجار،‭ ‬فمن‭ ‬أنتم‭ ‬حتى‭ ‬تقولوا‭ ‬للناس‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬افترض‭ ‬عليهم‭ ‬خمس‭ ‬صلوات‭ ‬وأمرهم‭ ‬بالحج‭ ‬والصيام‭ ‬والزكاة‭ ‬وحرم‭ ‬عليهم‭ ‬الربا‭ ‬والزنا‭ ‬والقمار‭ ‬وشرب‭ ‬الخمر‭ ‬وأكل‭ ‬الخنزير،‭ ‬فهل‭ ‬جعلكم‭ ‬الله‭ ‬وكلاء‭ ‬أو‭ ‬محامين‭ ‬عن‭ ‬دينه‭ ‬حتى‭ ‬تبلغوا‭ ‬هذا؟‭ ‬

لا‭ ‬تبلغوا‭ ‬رسالة‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فإنها‭ ‬تغضب‭ ‬عباد‭ ‬‮«‬ياكوش‮»‬،‭ ‬وتذكرهم‭ ‬بواجب‭ ‬الامتثال‭ ‬لله‭ ‬ورسوله،‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تتحلون‭ ‬بسعة‭ ‬الأفق،‭ ‬أمثال‭ ‬الصوفية،‭ ‬وتؤولوا‭ ‬نصوص‭ ‬الدين،‭ ‬لتتخلصوا‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬الشريعة‭ ‬وتحلقوا‭ ‬بعيدا‭ ‬في‭ ‬مشارف‭ ‬الروح؟؟

كم‭ ‬أنتم‭ ‬مقرفون‭ ‬أيها‭ ‬السلفيون‭ ‬والإخوان؟؟

وحسب‭ ‬هذه‭ ‬المقارنة‭ ‬وحتى‭ ‬يرضى‭ ‬العلمانيون‭ ‬على‭ ‬الإخوانيين‭ ‬والسلفيين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحلى‭ ‬جميعهم‭ ‬بالتالي‭:‬

1‭- ‬أن‭ ‬يقرؤوا‭ ‬نصوص‭ ‬الدين‭ ‬قراءة‭ ‬جديدة‭ ‬تخول‭ ‬لهم‭ ‬اكتشاف‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬والإنسان،‭ ‬وتبعد‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬الفهم‭ ‬الحرفي‭ ‬الآلي‭. ‬

2‭- ‬ألا‭ ‬يتبرأوا‭ ‬من‭ ‬العلمانيين‭ ‬الحداثيين‭ ‬والديمقراطيين‭ ‬وأن‭ ‬يتعاملوا‭ ‬معهم‭ ‬بلطف‭ ‬وسماحة‭. ‬

3‭- ‬ألا‭ ‬يدعوا‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬أحكام‭ ‬الشريعة‭ ‬وامتثال‭ ‬تعاليم‭ ‬الدين‭.‬

4‭- ‬أن‭ ‬ينشغلوا‭ ‬بالعبادة‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭.‬

وما‭ ‬دام‭ ‬الباحث‭ ‬اعتبر‭ ‬مقاله‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره‭: ‬‮«‬مناسبة‭ ‬لتنبيه‭ ‬ذوي‭ ‬الطموح‭ ‬السياسي‭ ‬الجامح‭ ‬باسم‭ ‬الدين،‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬عدم‭ ‬إسقاط‭ ‬الماضي‭ ‬على‭ ‬الحاضر،‭ ‬وضرورة‭ ‬الانتماء‭ ‬لقيم‭ ‬العصر‮»‬‭. ‬

فإننا‭ ‬ننبه‭ ‬بدورنا‭ ‬ذوي‭ ‬الطموح‭ ‬الجامح‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬أسلمة‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬ورجوعه‭ ‬إلى‭ ‬التدين،‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الكف‭ ‬عن‭ ‬فرض‭ ‬النموذج‭ ‬العلماني‭ ‬الغربي‭ ‬بالقوة،‭ ‬والتوقف‭ ‬عن‭ ‬تهريبه‭ ‬من‭ ‬أوربا‭ ‬وأمريكا‭ ‬لاستنباته‭ ‬في‭ ‬المغرب؛‭ ‬وقد‭ ‬أثبت‭ ‬الواقع‭ ‬أن‭ ‬فعلهم‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬التدين‭ ‬وفضح‭ ‬أعدائه،‭ ‬نظرا‭ ‬للوعي‭ ‬المتزايد‭ ‬لدى‭ ‬المغاربة‭ ‬بذاتهم‭ ‬ودينهم‭ ‬وتاريخهم‭. ‬

فهلا‭ ‬أدرك‭ ‬العلمانيون‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة؟؟‭ ‬

فقد‭ ‬أصبحوا‭ ‬مثيرين‭ ‬للشفقة‭. ‬

وخير‭ ‬الهدي‭ ‬هدي‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭.‬

Source: howiyapress.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!