الذكاء العاطفي عند الأطفال: تعريفه، ومقوماته، وأهميته، وطرق تنميته

لطالما كانت مشاعرنا نعمة حقيقية في حياتنا، ولا معنى لأيّ شيءٍ في الوجود إن لم تصحبه تلك الغبطة الرائعة أو اللهفة الصادقة أو الابتسامة العميقة. لقد أثبتت الدراسات الحديثة أنَّ نسبة نجاح الطفل الذي يتمتع بذكاء عاطفي أكبر بكثير من نسبة نجاح الطفل الذي يمتلك ذكاء عادياً. لذلك سنتحدث في هذه المقالة عن الذكاء العاطفي وأهميته ومقوماته، ثمّ سنتعرّف على كيفية جعل ابنك ذكياً عاطفياً.

ونرغب في جعل علاقتنا مع عائلتنا ناجحة لكي نبلغ شعور الأمان والراحة؛ ولأنَّ المشاعر مرتبطة بمعنى حياتنا، وتعدُّ المحرك الحقيقي لوجودنا، علينا إذاً فهمها وضبطها والتعامل معها بحكمة.

يُربَّى الطفل على إنكار مشاعره وتجاهل وجودها، أو على تهويلها والسماح لها بتدمير حياته؛ وينمو مؤمناً بفكرة أنَّ مشاعره غير هامة، وأنَّ النجاة تكمن في العقلانية والعملية، إلَّا أنَّه يكتشف يوماً بعد يوم أنَّ المشاعر مفصلية جداً في الحياة، وأنَّ وعيه بمشاعره وطبيعتها يُخفِّف من طاقته السلبية الناتجة عن كبته للمشاعر وعدم الاعتراف بها، ممَّا يكسبه القدرة على اتخاذ القرارات الفعالة في حياته إن استطاع قبول مشاعر طفولته المكبوحة والمعرقِلة لنموه وتطوره.

تحدد إدارتنا لمشاعرنا شكل حياتنا، حيث يختبئ وراء سلوكاتنا السلبية الكثير من الدوافع والأسباب التي علينا اكتشافها والبحث فيها؛ فأنت لم تغضب من جراء كلمة صغيرة وُجِّهت إليك، ولكنَّ بركان المشاعر غير المعالجة قد أسهم كثيراً في إبداء ردة الفعل غير المحببة تلك؛ ولو أنَّك تعاملت حينها مع الموقف بذكاء عاطفي، كنت ستتجنب الكثير من الإحراج.

مشاعرنا هي هويتنا:

يجمع الطفل كل ما اختبره من مشاعر ومواقف وتجارب خلال سنوات طفولته الأولى ويجعل منها مرجعية لكل تفاصيل حياته مستقبلاً؛ إذ لا يخزن الدماغ المعلومات ويحدد قدرة الطفل العقلية فحسب، بل يخزن المشاعر والأحاسيس أيضاً، ويصنع منها أساساً يبني عليه كل تعاملاته وعلاقاته وسلوكاته.

يتهاون الأهالي في أهمية المشاعر في حياة طفلهم، ويُولون اهتماماً كبيراً للمدرسة والاختبارات، معتقدين أنَّ الحياة بأسرها مقتصرة على الدراسة، غير مدركين أهمية اكتساب الطفل مهارات ذاتية للوصول إلى التوازن في الحياة؛ فما نفع تربية طفل يحصل على نتائج جيدة جداً في المدرسة لكنَّه غير واعٍ بمشاعره، ويفقد السيطرة على انفعالاته، ولا يملك مهارة الإصغاء، ولا يستطيع اتخاذ قراره بحكمة واستقلالية، ولا يقرأ مشاعر الآخرين، ولا ينجح في التواصل معهم؟

الذكاء العاطفي:

لقد أثبتت الدراسات الحديثة أنَّ نسبة نجاح الطفل الذي يتمتع بذكاء عاطفي أكبر بكثير من نسبة نجاح الطفل الذي يمتلك ذكاء عادياً، وذلك وفقاً لتجربة طُبِّقت على مجموعة من الأطفال الأذكياء عاطفياً ومجموعة أخرى من ذوي الذكاء العادي (IQ)؛ حيث تتبَّع الباحثون في هذه الدراسة المجموعتين بعد فترة طويلة من الزمن، واكتشفوا أنَّ الأطفال الأذكياء عاطفياً قد وصلوا عندما كبروا إلى مراتب متقدمة من النجاح على الصعيد الشخصي والمهني، في حين حافظ الآخرون الذين لا يملكون مهارة الذكاء العاطفي على مستويات عادية من النجاح.

مقومات الذكاء العاطفي:

تُلخِّص خمسة عوامل رئيسة مهارة الذكاء العاطفي، وهي:

1. الوعي الذاتي:

يدرك الطفل خلال سنوات طفولته الأولى مشاعره ويعي وجودها، ويؤمن كلما تقدَّم فيه العمر بأنَّه كائن مستقل له معتقداته ورغباته ومشاعره وأفكاره؛ ممَّا يدفعه إلى أن يكون مرناً في التعامل مع المشاعر، وإلى السماح لها بالتدفق والعبور بسلاسة.

2. التحكم بالمشاعر:

يمتلك الشخص الذكي عاطفياً القدرة على التحكم بمشاعره وإدارتها وفقاً لما هو مناسب له، فلا يقع ضحية مشاعر معينة، بل يُحسِن ضبط مشاعره ويحوِّلها إلى نقطة قوة لديه.

3. التحفيز الذاتي:

يمتلك الإنسان الذكي عاطفياً مرجعية داخلية للتحفيز الذاتي، ويميل إلى بناء حوار داخلي تحفيزي مع ذاته على الدوام.

4. فهم مشاعر الآخرين:

يميل الإنسان الذكي عاطفياً إلى الإصغاء الجيد إلى مشاعر الآخرين، ومن ثم يعمل على تحويلها إلى ما فيه خدمة الطرفين.

5. إدارة العلاقات:

لا يستهجن الشخص الذكي عاطفياً أي شخصية على الإطلاق، ويُبدِي تقبُّلاً لكل أنماط الشخصية؛ ممَّا يجعله ناجحاً اجتماعياً وعملياً، ويفتح أمامه الكثير من الفرص والاحتمالات.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لاستثمار الذكاء العاطفي في كسب محبة الناس

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/GNPTQEXnTTo?rel=0&hd=0″]

أهمية الذكاء العاطفي:

تتبنى ثقافة معظم المجتمعات ثقافة إنكار المشاعر بحجة أنَّها ضعف، وأنَّ البعد عنها قوة؛ فيتبعون أساليب كثيرة لكبح جماح مشاعرهم الطبيعية ومنعها من التدفق والظهور، كأن ينكروها تماماً أو يكتموها؛ ممَّا يؤدي إلى الوصول إلى حالةٍ من التراكمات المتعبة التي تظهر على شكل سلوكاتٍ سلبيةٍ أو أمراض نفسية وجسدية.

تتهرب فئة من الناس من مشاعرها من خلال اللجوء إلى السلوكات الإدمانية، كإدمان الإنترنت أو الطعام؛ ويأتي هنا دور الذكاء العاطفي في فتح المجال لعبور المشاعر والإحساس بها، ومن ثم البحث عن الرسالة والدوافع التي تقف وراء المشاعر، واكتشاف المعتقدات الموجودة في اللاوعي التي أسهمت في ظهور المشاعر السلبية؛ حيث يساعد الذكاء العاطفي في الوصول إلى شخص متوازن، وواثق من نفسه، وقادر على التعبير عن ذاته، وواضح الرؤية والأفكار، ومتحكم بانفعالاته، وقادر على اتخاذ قراراته، ومتحرر من الطاقة السلبية، ومصغٍ جيد إلى مشاعر الآخرين، وناجح في بناء العلاقات الاجتماعية.

سلوكات تجعل ابنك غبياً عاطفياً:

1. التجاهل والإهمال:

يميل معظم الأهالي إلى عدم الاهتمام بأحاديث أولادهم، كأن يستمر الأب في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي بينما يتحدث ولده إليه، دون أن يبدي الاهتمام الكامل والإصغاء والتواصل البصري الهام.

2. التهوين أو التهويل:

قد يميل الأهل إلى التهاون الشديد بمشاعر الولد لدرجة إنكار وجودها، أو يميلون إلى تضخيم موقف ما يتعرَّض إليه ولدهم بطريقة مبالغ فيها؛ فعلى سبيل المثال: إن سقط الابن على الأرض، فقد تكون ردة فعل الأم هيستيرية، ممَّا يجعل الطفل يميل إلى تضخيم الأمور عندما يكبر، ويبعده عن التوازن والمنطقية، ويخلق طفلاً مضطرباً نفسياً.

3. تقديم النصائح والحلول:

لا يرغب الأطفال في سماع النصائح والحلول الجاهزة، الأمر الذي يعطل لديهم مهارة التحليل والربط للوصول إلى النتيجة؛ لذا عوضاً عن اتباع أسلوب التلقين والمعلومات الجاهزة، اترك المجال لابنك لكي يبدع ويسأل نفسه ويكتشف النتيجة لوحده، الأمر الذي يبني لديه شخصية ذكية عاطفياً وقادرة على التحليل واتخاذ القرارات.

يحتاج الطفل إلى مَن يحس بمشاعره ويقدِّرها، لا إلى مَن يحول القضية إلى نصائح وتعليمات وأوامر؛ فعلى سبيل المثال: عندما يأتي طفلك شاكياً إليك خسارته في لعبة الشطرنج، أصغِ إليه، وتقبَّل مشاعره، ولا تحاول تحويل الأمر إلى حكم وعِبر.

4. التحقيق:

غالباً ما يكون طفلك بحاجة إلى الاحتواء عندما يكون منزعجاً أو حزيناً على شيء ما، ولا يحتاج إلى استجوابه بأسئلة مستفيضة عن الأمر.

5. التثبيط:

يقتصر دور الأهل على التبيان وشرح مساوئ وإيجابيات الأمر للطفل، تاركين له حرية القيام بالأمر وتحمل نتائجه؛ لكن عادةً ما يُثبِّط الأهالي طفلهم ويهزون ثقته بذاته من خلال تبنيهم دور الخبير في الحياة.

كيف تجعل ابنك ذكياً عاطفياً؟

1. الإصغاء:

أصغِ إلى حديث ابنك بكل حواسك، وامنحه توافقك الجسدي والبصري، كأن تنزل إلى مستوى جسده لدى الحوار معه وتنظر إلى عينيه مباشرة؛ إذ من شأن ذلك أن يقوِّي ثقته بنفسه ويجعله متوازناً أكثر.

2. القدوة:

كونوا قدوة حسنة لأطفالكم، وأمطروهم بالحب والمشاعر والامتنان، وعبِّروا عن مشاعركم أمامهم لكي يعتادوا التعبير عن المشاعر وعدم كبتها.

3. الوعي:

درِّبوا أبناءكم على التعرف على أنواع مشاعرهم، إذ إنَّ الخطوة الأولى لكي يتعلم الطفل ضبط مشاعره والتحكم بها هو أن يعرفها ويفهمها.

4. التفريغ:

اسمحوا لأبنائكم بالبكاء، فالبكاء من أكثر طرائق تفريغ الطاقة السلبية فاعلية؛ وافسحوا لهم المجال للتعبير عن مشاعرهم السلبية بالطريقة التي يحبونها، وعلِّموهم أن يعيدوا السيطرة على الأمور بعقلانية، ويسألو أنفسهم أسئلة إيجابية مثل: “ماذا بإمكاننا أن نفعل الآن؟ ما هو التصرف الأكثر إيجابية الذي بمقدورنا فعله؟”.

5. الضبط:

لا تستخدموا أسلوب تشتيت الانتباه عندما يبكي طفلكم أو يغضب، بل علِّموه التعبير عن المشاعر بسلاسة، ومن ثمَّ الضبط الذاتي لها؛ كأن يجلس في الغرفة وحيداً ريثما ينتهي من نوبة البكاء، ويستعيد السيطرة على الوضع.

6. الإسقاط:

ضع نفسك مكان طفلك، واستشعر مشاعره وردات أفعاله، وتعامل معه على هذا الأساس؛ إذ من شأن ذلك أن يجعلك متعاطفاً معه.

علِّم طفلك مهارة التفكير في ما وراء الشعور، كأن يبحث في المعتقدات والأفكار التي جعلته يشعر بتلك بالمشاعر، ويسأل نفسه بعد ذلك عن الخطوات التي عليه القيام بها من أجل أن يكون أكثر سعادة وإيجابية.

الخلاصة:

طفلك نعمة حقيقية، ووجوده في حياتك رزق حقيقي؛ لذا اعتنِ به حتى آخر نفَس في حياتك، وأعطه حباً ودفئاً واهتماماً وثقة ومتعة وقوة، وابنِ توازنه النفسي والعاطفي والعقلي؛ فحياة ولدك ومستقبله وعلاقاته متوقفة على الأساس الذي بنيته.

شاهد: كيف ننمي الذكاء العاطفي عند الأطفال؟

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/rQudo7OCkvs?rel=0&hd=0″]

المصادر: 1، 2، 3، 4

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!