السنغال.. محبوبة الاستعمار وعاشقة الصوفية الراقصة بين النهر والبحر

تعرف بأرض الزوارق، وهي أرض الشعب الذي قاوم المستعمر الفرنسي حتى نال استقلاله بعد أن أدرك بأن التاريخ يكتبه أصحاب الحق الثائرون على الظلم.

يونس مسكين

“يا نسيج قلبي الأخضر
يا أعز من إخوة، كتفا لكتف
أيها السنغاليون، انهضوا
انضموا للبحر وللينابيع
انضموا للسهول وللغابات
هللوا لأمّنا أفريقيا
هللوا لأمّنا أفريقيا…”

بهذه الأبيات الشعرية الحماسية، ستنطلق ثلاث من مباريات كأس العالم “قطر 2022″، وسترددها إلى جانب جماهير الملعب حناجر الملايين من السنغاليين.

إنها المرة الثالثة التي يشارك فيها أسود التيرانغا (اسم محلي يطلق على بلاد السنغال) في نهائيات كأس العالم، المرة الأولى كانت في دورة اليابان وكوريا الشمالية، عام 2002، وشكلوا خلالها مفاجأة مدوية حين بلغوا دور الربع، والثانية كانت في 2018 ولم يبرحوا فيها مرحلة المجموعات، فقد أقصي منتخب السنغال من الدور الأول.

وبما تشهده من حضور جماهيري غفير من جميع أنحاء العالم، وعزف للأناشيد الوطنية ورفع للأعلام، تصبح نهائيات كأس العالم أكثر من مجرد مسابقة رياضية. فهي محفل دولي تهفو إليه النفوس وتسعى إليه الأمم لتحضر فيه بأكثر من مجرد فريق ومدرب وأطقم فنية، بل تحضر الدول بتاريخها وأحلامها وثقافاتها وكل ما يدل على أمجادها.

 

والسنغال هي خامسة خمس دول أفريقية تأهلت إلى دورة قطر 2022، فإلى جانب المنتخبين المغربي والتونسي اللذين يعرفهما الجمهور العربي، تشارك ثلاث من دول أفريقيا جنوب الصحراء، هي الكاميرون وغانا والسنغال.

وتحل السنغال في الديار القطرية محمولة بنشوة الفوز بأول كأس أفريقية للأمم، ومعولة على مهارة واحد من أشهر وأهم لاعبي كرة القدم حاليا، وهو المهاجم بفريق ليفربول الإنجليزي “ساديو ماني”.

“شعب واحد، هدف واحد، عقيدة واحدة”.. شعار الجمهورية

“جمهورية السنغال علمانية ديمقراطية واجتماعية، تضمن تساوي جميع المواطنين أمام القانون، دون تمييز بسبب الأصل أو العرق أو الجنس أو الدين. وتحترم جميع المعتقدات”.

هكذا تقدم المادة الأولى من الدستور السنغالي هذا البلد الأفريقي، مضيفة أن اللغة الرسمية للبلاد هي الفرنسية، وأن شعار الجمهورية هو “شعب واحد، هدف واحد، عقيدة واحدة”، ومبدؤها هو “حكم الشعب بالشعب من أجل الشعب”.[1]

السنغال هي واحدة من خمس دول أفريقية تأهلت إلى دورة قطر 2022

 

باستثناء الوثائق الدستورية الأولى التي عرفها السنغال في فترة انتقاله من الاستعمار الفرنسي إلى الاستقلال (بين 1959 و1962)؛ يعتبر الدستور الحالي ثاني وثيقة دستورية في تاريخ الدولة المستقلة، فقد صدر عام 2001 (مع تعديلات صدر آخرها عام 2016) معوضا دستور 1963 الذي صاغه الزعيم التاريخي “ليوبولد سانغور”، مثلما تولى بنفسه صياغة النشيد الوطني للسنغال.

جاءت فصول أول دستور للسنغال بعد الاستقلال مستوحاة في الغالب من نظام الحكم الفرنسي في عهد الجنرال “ديغول”، حيث يكون تركيز السلطات التنفيذية المهمة بين يدي الرئيس. وبقيت البلاد تحت سلطة أحادية إلى نهاية السبعينيات، حين بدأ الترخيص بتأسيس أحزاب معارضة.[2]

شهد تاريخ وحاضر هذا البلد الأفريقي كثيرا من مناطق الظل والبياض، ككل البلدان التي طالتها يد الاستعمار مبكرا، إذ وقع تقزيم أدوار الشعوب المحلية وجعل وصول الرجل الأبيض بداية للتأريخ. كما اضطرت البلاد بفعل ما تعرضت له من استنزاف ديمغرافي واستلاب حضاري طيلة قرون، لارتداء جلباب مستعمرها السابق متخذة من الفرنسية لغة رسمية.

مملكة غانا.. آثار الحضارات الغابرة منذ العصر الحجري

اعتبرت الأراضي الخاضعة لدولة السنغال الحالية تاريخيا جزءا من مملكة غانا الكبرى، وشكلت معها معبرا حيويا لقوافل التجارة التي كانت تربط بين شمال أفريقيا وعمقها الغربي. أما غالبية الشعب السنغالي (حوالي الثلثين)، فتنتمي إلى قومية الولوف، وهي مجموعة من القبائل المتميزة بنظامها الطبقي الصارم وثقافتها الفنية المميزة التي تعتبر القسم الأكبر من الثقافة السنغالية.[3]

فإلى جانب الآثار العلمية عن مظاهر الحياة التي شهدتها أرض السنغال في العصرين الحجريين القديم والحديث؛ فإنها تشهد كثيرا من الدلائل العلمية على وجود مقابر وبقايا حضارات إنسانية اختفت أو تعرضت للإبادة. وتتركز جل المعطيات التاريخية في الفترة التي تبدأ في القرن الثامن الميلادي، حين نشطت حركة التجارة مع مسلمي شمال أفريقيا.

يتشكل الشعب السنغالي من قوميات مختلفة، أهمها من الناحية العددية قومية ولوف وقومية ليبوس وقومية البولس

 

ويجد المؤرخون مصادرهم الأساس في المؤلفات العربية، إذ تطرقت بتفصيل كبير لمملكة غانا التي كانت قائمة فوق قسم من أراضي السنغال الحالية، وامتدت حتى عمق أراضي دولة النيجر الحالية، باعتبارها كانت مصدر الذهب بالدرجة الأولى.

“بوابة أفريقيا”.. بلاد الغابات والصحراء والنهر والمحيط

تقع دولة السنغال في أقصى نقطة غرب أفريقية، ويخترقها إلى جانب الطرق البحرية عدد من المعابر الجوية والبرية الدولية المهمة، وهو ما يجعل البعض يطلق على السنغال لقب “بوابة أفريقيا”. وتتميز الجغرافيا السنغالية بتنوع كبير، حيث تلتقي فيها الغابات الاستوائية والصحراء الأفريقية الكبرى إلى جانب الساحل الأطلسي.[4]

وتتسم الأراضي السنغالية بانبساطها الكبير، لكونها جزءا من حوض السنغال الموريتاني، ولا توجد المرتفعات إلا في نقاط معينة أقصى جنوب البلاد، وفي منطقة شبه جزيرة الرأس الأخضر.

السنغال هي أقرب دول أفريقيا إلى الأطلسي وأكثرها غزوا من قبل المستعمرين

 

ويحد نهر السنغال من جهتي الشمال والشمال الشرقي الأراضي السنغالية، ويرسم الحدود السياسية الفاصلة بينها وبين موريتانيا. وتحيط بالسنغال من باقي الجهات أراضي دولة مالي ودولتا غينيا وغينيا-بيساو، بينما تخترق أراضي دولة غامبيا الأراضي السنغالية من المحيط الأطلسي على طول نهر غامبيا.[5]

قومية الولوف.. تقاليد إسلامية وشعبية تمثل ثلث الشعب

تعتبر العاصمة السنغالية دكار أكبر حواضر البلاد على الإطلاق، وتوجد في شبه جزيرة الرأس الأخضر المطلة على المحيط الأطلسي، وهي في الوقت نفسه العاصمة السياسية والاقتصادية للبلاد، كما تعتبر وجهة سياحية جذابة.

وتقدّر ساكنة السنغال بأكثر من 15 مليون نسمة، يتوزعون على قوميات مختلفة، أهمها من الناحية العددية قومية ولوف وقومية ليبوس وقومية البولس. وتتعايش هذه القوميات بشكل سلمي، ويتجلى ذلك في تزايد التفاعل الاجتماعي بينها في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الزواج المختلط بين أفرادها.  وتتميز هذه القوميات بحرصها الكبير على البقاء محافظة على عاداتها وتقاليدها وإصرارها على البقاء مستقرة في مناطقها الأصلية.[6]

ظهرت حركة الحاج عمر الفوتي لمقاومة المستعمر الفرنسي فأصبح رمزا للشجاعة وبطلا قوميا

 

وتمثل قومية الولوف الكتلة الأكبر داخل البنية الديمغرافية للسنغال، فهي تمثل لوحدها أكثر من 40% من السكان. ويعتبر الولوف شعب مملكة غانا التي عرفت تاريخيا في حوض نهر السنغال، وتعتنق هذه القومية الدين الإسلامي، من خلال حضور قوي لعدد من الطرق الصوفية. وتتسم بتقاليد راسخة تقوم على وجود طبقية واضحة، توزع السكان بين الـ”جير” الأرستقراطيين، والـ”ديام” الذين يلعبون دور الخدم، وبينهما طبقة وسطى هي الـ”نول”، وهم يلعبون أساسا دور المهرجين في بلاط الطبقة الأولى.[7]

الثقافة السنغالية هي أيضا موروث متنوع وغني من الفنون والأطباق الخاصة، حيث يشتهر المطبخ السنغالي أساسا بحضور مادة الأرز وحبوب الدخن، وهما المادتان اللتان غالبا ما ترافقهما لحوم الخرفان أو البقر، أو أصناف متنوعة من الأسماك وفواكه البحر. وبينما يعرف المطبخ السنغالي بأطباق مميزة من لحم الدجاج، يعتبر طبق الأرز والسمك بمثابة الأكلة الوطنية الأكثر شهرة وانتشارا.[8]

اعتناق الملوك القدامى.. ألف عام من الوجود الإسلامي

رغم أنها دولة علمانية حسب الدستور، فإن السنغال دولة ذات غالبية مسلمة من السكان. وتتضارب معطيات المصادر حول تاريخ وصول الإسلام إلى بلاد السنغال، إذ ينسب البعض بداية الإسلام في هذا البلد بإسلام أحد ملوكه القدامى (عام 1040 م)، ويربط البعض الآخر بين وصول الإسلام إلى السنغال وحركة التجارة النشطة القادمة من المناطق المغاربية شمال القارة، بينما يصر البعض على أن دخول الإسلام إلى السنغال يعود إلى فترة الدولة المرابطية في المغرب.[9]

يعتقد بأن الإسلام قد دخل السنغال بالطريقة التي دخل بها بقية دول أفريقيا قادما من الشمال الأفريقي

 

المؤكد لدى بعض المؤرخين أن انتشار الإسلام في السنغال بدأ بشكل تدريجي وسلمي في القرنين الثامن والتاسع للميلاد، وذلك بفضل التواصل الذي كانت تقوم به القوافل التجارية القادمة من المناطق العربية والأمازيغية في الشمال الأفريقي.

ويرصد الباحثون أول مظاهر الوجود العسكري للإسلام في السنغال في القرن العاشر، مع امتداد نفوذ دولة المرابطين إلى هذا الجزء من أفريقيا الغربية (وصولا إلى الأندلس شمالا). وتواصل انتشار الإسلام على مدى القرون الموالية، ليشهد ذروة اعتناقه من طرف الساكنة المحلية في القرن الـ19، حيث أصبح الدين المحمدي ملاذ السنغال بعد سقوط جل الممالك المحلية وتزايد أذى الاستعمار الآخذ في التغلغل واستنزاف المنطقة ماديا وديمغرافيا.[10]

خلع إمبراطور ديولوف.. تحالف ملوك الطوائف ورجال الدين

لم ينتشر الإسلام بين عموم الناس -لا سيما في منطقة الولوف- إلا من خلال الربط بين القوى الدينية والسياسية، ووقع ذلك الربط عبر أشكال وتطورات مختلفة، تعاونية أحيانا، وعدائية أحيانا أخرى. وجرى ذلك تحديدا في القرن السادس عشر، تزامنا مع خلع إمبراطور منطقة ديولوف الذي هيمن على المشهد السياسي للبلاد قرابة قرنين من الزمن، وبعد إزاحته ظهرت دول ولفية في مناطق كايور وباول ووالو وديولوف.[11]

فحكام هذه الممالك الجديدة لم تكن لديهم الخبرة الكافية في كثير من الأحيان، وهذا ما جعلهم يطلبون بشكل خاص مساعدة رجال الدين المسلمين، فحدث -ما يسميه بعض الباحثين- “تبادل الخدمات الجيدة” وتعاون بين القوى السياسية والدينية.[12]

 

بل إن هذا التعاون يعود إلى ما قبل القرن الـ16، فقد عاصر بداية تأسيس الأمة السنغالية الذي يعود لأكثر من 400 عام، أي قبل قرنين من الثورة الفرنسية أو الاستعمار الأوروبي. لكن ما وقع في تلك الحقبة الحديثة، هو أن سواد الشعب من السكان الضعفاء الذين كانوا أول ضحايا عنف حروب الأسر المالكة، والذين مورست بحقهم تجارة الرقيق وتعرضوا لتنكيل الغزو الاستعماري في بداياته؛ قد وجدوا في الدين الإسلامي خلاصًا من هذا الاضطهاد.[13]

هذا الترابط العضوي بين الإسلام وبين المقاومة الأولى للتغلغل الاستعماري، جعل الحملة التنصيرية الشاملة التي رافقت الوجود الاستعماري، تظل محدودة الأثر في البنية الاجتماعية لهذا الجزء من غرب أفريقيا.

عصر الاستعمار.. صراع القوى الأوروبية الأربع على السنغال

كانت السواحل الأطلسية للسنغال نقطة جذب كبيرة للطلائع الأولى للاستعمار الأوروبي لأفريقيا، خاصة منها مصب نهري السنغال وغامبيا، فكان البرتغاليون أول من وصل إلى السواحل السنغالية من أوروبا عام 1460 م، في سياق بحث القوى الأوروبية عن مصادر الذهب والعاج والرقيق الأفريقي.

ولم يتأخر الإسبان في اللحاق بجيرانهم البرتغاليين، فشرعوا في استكشاف هذه المنطقة من الغرب الأفريقي، وهو ما عرّض السنغال لنزيف ديمغرافي مهول. إلا أن وصول القوتين الأوربيتين فرنسا وإنجلترا أخرج باقي القوى الأوروبية من رقعة التنافس حول الخيرات السنغالية.[14]

قوى استعمارية مختلفة حاولت استيطان السنغال ونهب ثرواته في مقدمتها البرتغال وفرنسا وبريطانيا

 

فبوصول الجيشين البريطاني والفرنسي إلى هذه النقطة من الساحل الغربي لأفريقيا في القرن الـ17، اندلعت حرب شاملة حول تقاسم النفوذ والمصالح في بلاد السنغال. أقام حينها الفرنسيون أولى محطاتهم التجارية في مصب نهر السينغال عام 1638، قبل أن يعمدوا إلى نقلها نحو جزيرة “سانت لويس” الآمنة. وبالمقابل ركّز البريطانيون اهتمامهم على منطقة نهر غامبيا الذي يخترق الأراضي السنغالية، وعملوا على فصلها عن باقي الأراضي المحيطة بها لتصبح كيانا سياسيا منفصلا.[15]

سياسات الاستعمار والتغلغل.. حقل التجارب الفرنسية

دارت طيلة قرابة قرن من الزمن حرب طاحنة بين الفرنسيين والبريطانيين، انتهت منتصف القرن الـ19 بفرض السيطرة البريطانية على نهر غامبيا، وتأكيد استقلاله عن باقي الأراضي السنغالية الخاضعة للسيطرة الفرنسية. وبينما اكتفى البريطانيون بالمكوث في المنطقة الساحلية لغامبيا، غاص الفرنسيون عميقا في الأراضي الأفريقية برا، مما جعلهم يسيطرون تاريخيا على هذا القسم من القارة.[16]

كما كانت السنغال بمثابة حقل جرّبت فيه فرنسا مختلف أنواع السياسات الاستعمارية، وهو ما مكنها من مراكمة معرفة ميدانية وظفتها فيما بعد في بلدان أفريقية أخرى. وتعتبر سنة 1854 نقطة تاريخية مرجعية في التأريخ لبداية الاستعمار الفرنسي للسنغال، فقد عمدت القوة الاستعمارية إلى تحويل حضورها التجاري في المنطقة إلى احتلال مباشر.[17]

اقتيد مئات الألوف من شباب السنغال عبيدا عبر الأطلسي إلى أمريكا وأوروبا كون السنغال البلد الأقرب إلى البحر

 

فخلال القرن الـ19 أصبحت أفريقيا الوجهة المفضلة للأطماع الاستعمارية لفرنسا، وذلك بعد تكبدها لخسائر كبيرة في القارة الأمريكية في مواجهة باقي القوى الأوروبية، وإفلاس صناعة النسيج الفرنسية في الهند، وعجزها عن المشاركة في تقاسم تركة الإمبراطورية العثمانية.[18]

وعندما جلس الأوروبيون معا في نهاية القرن 19 لتقاسم مناطق النفوذ في أفريقيا، كانت الأراضي السنغالية من نصيب فرنسا، ضمن منطقة شاسعة من إقليم كان يدعى “فرنسا غرب أفريقيا”. وكان نصيب السنغال أكبر تركيز للوجود الفرنسي في المنطقة، ونقلت عاصمة الإقليم من جزيرة سانت لويس إلى دكار.[19]

الحاج عمر الفوتي.. سيف المقاومة الذي أزعج الاستعمار

شكلت المرجعية الإسلامية أحد عوامل الحشد والمقاومة الأساسية في مواجهة التغلغل الاستعماري في السنغال منذ قرون. ومما يشهد على ذلك ما حصل في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حين استرجعت السنغال رسميا سيفا تاريخيا كانت تستحوذ عليه فرنسا، وهو سيف يعود إلى الحاج عمر الفوتي، أحد أبرز القادة الأفارقة الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر الميلادي.

ورغم شح المعطيات حول هذه الشخصية، فإن المؤكد أنها تنتمي إلى أسرة عريقة كانت تحكم جزءا من بلاد السنغال، وتحديدا في منطقة حدودية بين السنغال وموريتانيا، وكان هذا القائد الإسلامي ينتمي إلى الطريقة الصوفية التيجانية التي تعتبر النمط الأكثر انتشارا من التدين الإسلامي في البلاد.[20]

في  2019، استرجعت السنغال سيفا تاريخيا كانت استحوذت عليه فرنسا، يعود إلى رمز المقاومة السنغالي الحاج عمر الفوتي

 

ويعتبر الصعود القوي للمقاومة المحمولة بمرجعيتها الدينية الإسلامية تحت راية دولة الحاج عمر، هو العمل الأساس الذي دفع فرنسا إلى تحويل وجودها في السنغال من حضور تجاري إلى استعمار. وبعد محاولاتها الطويلة للعب على تناقضات الحكام المحليين وتوظيفهم بعضهم ضد بعض، انتقلت فرنسا في النهاية إلى فرض سيطرتها المباشرة، مدفوعة بعامل آخر هو اشتداد التنافس بين القوى الأوروبية حول الكعكة الأفريقية.

ظهرت حركة الحاج عمر الفوتي في سياق كان يتسم بالتفرقة السياسية وانتشار الفقر وتعمق الفوارق الاجتماعية، وهو ما جعل العقيدة والمبادئ الإسلامية أرضية مثالية لأي حركة إصلاحية. وبعد قيامه برحلة حج دامت قرابة العقدين من الزمن، وزار خلالها عددا من البلدان الإسلامية؛ عاد الحاج عمر باحثا عن مشروع نهضة سياسية جديدة، فبدأ مساره بتشكيل نواة أولى لمجموعة من الموالين الذين التفوا حوله في منطقة دياجونكو أواخر أربعينيات القرن الـ19 من الميلاد.[21]

وقد اعتمد الحاج عمر أسلوبا يجمع بين القوة العسكرية والمناورة الدبلوماسية مع المصالح الفرنسية القائمة والصلح مع الإمارات الإسلامية، ليجتمع له في وقت قصير حكم منطقة شاسعة وحدها تحت سلطته. لكن خوف فرنسا على مصالحها في ظل تنامي النفوذ الديني والسياسي للحركة العمرية، أدى إلى مواجهة شاملة بينهما، انتهت بسيطرة فرنسا بالقوة العسكرية على المجال الذي كان الحاج عمر قد ضمه لسلطته.[22]

“هذه مراكبنا”.. ذهب الاحتلال وبقيت حضارة الزوارق

ظلت السنغال تجسد قلب الوجود الفرنسي في غرب أفريقيا، وهو ما جعل استقلالها يتأخر إلى غاية تفكيك “فرنسا غرب أفريقيا” بالكامل واستقلال الدول التي كانت قد تحته، ومنها السنغال. فقد شكل الإقليم جزءا من “الفيدرالية المالية” التي أسستها فرنسا عام 1959، وجعلتها إقليما تابعا لها متمتعا بصلاحيات ذاتية، قبل أن يؤدي انسحاب السنغال من الاتحاد إلى انهياره واستقلال الأقاليم المشكلة له.[23]

ومن مفارقات الوضع الذي أنتجه الوجود الاستعماري في المنطقة، أن أصبحت في قلب التراب السنغالي دولة مستقلة تماما هي غامبيا المحيطة بالنهر الذي يحمل اسمها، وهو ما أوحى في بعض الفترات التاريخية (بداية الثمانينيات مثلا) بتشكيل دولة اتحادية تضم البلدين، وتحمل اسم “سنغامبيا”، إلا أن تلك المحاولات لم تفلح وآلت إلى الفشل نهاية الثمانينيات.[24]

تسمى السنغال بلد الزوارق لكثرة الصيد والإبحار في المحيط الأطلسي

 

وبخصوص دلالة اسم “سنغال” الذي تحمله البلاد، فتشير إحدى الأساطير إلى أن اسم السنغال مركب من كلمتي “سونو” و”غال” في اللغة المحلية (لغة الولوف). وتقول هذه الأسطورة إن البحارة الأوروبيين حين وصلوا إلى سواحل السنغال، راحوا يسألون السكان المحليين عن الاسم الذي تعرف به هذه الأرض، فاعتقد السكان المحليون أن الأوروبيين بإشارتهم أيديهم نحو السكان المحليين كانوا يسألون عن مالك القوارب، فردوا عليهم بأن هذه مراكبنا (المعنى الحرفي لكلمتي سونو غال).[25]

[1] http://www.justemilieu.sn/wp-content/uploads/2017/12/الدستور-السنغالي-المترجم-إلى-العربية-1.pdf
[2] http://www.historyworld.net/wrldhis/plaintexthistories.asp?historyid=ac64
[3] https://www.britannica.com/place/Senegal
[4] https://www.britannica.com/place/Senegal
[5] https://www.britannica.com/place/Senegal
[6] https://www.fantastic-africa.com/nos-articles/les-ethnies-du-senegal/
[7] https://www.fantastic-africa.com/nos-articles/les-ethnies-du-senegal/
[8] https://www.senegal-original.com/conseils-voyage/culture
[9] https://dawa.center/file/6231
[10] https://www.bouelmogdad.com/history/#:~:text=The%20history%20of%20Senegal%20is,spread%20Islam%20across%20the%20territory.
[11] https://studies.aljazeera.net/ar/reports/2018/11/181107073246593.html
[12] https://studies.aljazeera.net/ar/reports/2018/11/181107073246593.html
[13] https://studies.aljazeera.net/ar/reports/2018/11/181107073246593.html
[14] https://fairforum.org/wp-content/uploads/2015/08/Islamic-Resistance-French-colonialism-in-Senegal.pdf
[15] http://www.historyworld.net/wrldhis/plaintexthistories.asp?historyid=ac64
[16] http://www.historyworld.net/wrldhis/plaintexthistories.asp?historyid=ac64
[17] https://fairforum.org/research/46/المقاومة-الإسلامية-للاستعمار-الفرنسي-في-السنغال
[18] https://fairforum.org/wp-content/uploads/2015/08/Islamic-Resistance-French-colonialism-in-Senegal.pdf
[19] http://www.historyworld.net/wrldhis/plaintexthistories.asp?historyid=ac64
[20] https://www.bbc.com/arabic/art-and-culture-50463171
[21] https://fairforum.org/wp-content/uploads/2015/08/Islamic-Resistance-French-colonialism-in-Senegal.pdf
[22] https://fairforum.org/wp-content/uploads/2015/08/Islamic-Resistance-French-colonialism-in-Senegal.pdf
[23] https://www.britannica.com/topic/Mali-Federation
[24] http://www.historyworld.net/wrldhis/plaintexthistories.asp?historyid=ac64
[25] https://www.doublesens.fr/blog/post/247-mag-senegal-pays-terenga

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!