الشخصية الاكتئابية وأنواعها وعلاجها

يحترف معالجة الأمور من زاويتها السلبية فقط، معتبراً أنَّه لا يوجد شيء في الحياة يدعو إلى التفاؤل، ومعتقداً أنَّ مهاراته وقدراته لا تفي بالغرض المطلوب للاستمرار الأمثل في الحياة، وأنَّ الظروف العامة في المجتمع لا تنذر بالخير؛ فهو دائم النظرة السوداوية لنفسه وللمستقبل. سنناقش من خلال هذا المقال الشخصية الاكتئابية، وتعريفها، وأسبابها، وأنواعها، وأعراضها، وطرائق علاجها.

Share your love

عادةً ما يجد صعوبةً بالغةً في رؤية الجانب المشرق من الحياة، ولم يسبق له أن اختبر ذلك السلام الداخلي والدفء والرضا النفسي؛ بسبب كونه دائم التركيز على ما ينقصه فقط، وكون منهجيته في حلِّ المشكلات قاصرةٌ وغير ناضجة، وتعتمد على تضخيم المشكلة وتهويلها إلى أن تصبح عصيّةً على الحل.

إنَّه لا يجد الاستقرار في العلاقات مع الآخرين، بل يميل إلى العزلة والانكفاء على ذاته، ويصبغ لفظة “عادي” على كلِّ ما هو موجودٌ في الحياة، وينكر وجود عناصر الدهشة والشغف والعظمة في الكثير من تفاصيل الحياة، ويمارس هواياته أو أعماله بدافع الواجب لا المتعة.

نعم، إنَّه ذلك الكائن المنطفئ والجاف واللامبالي والجامد؛ والذي تتمنَّى مساعدته وإشعال الطاقة الباهتة لديه؛ ذلك لأنَّك تعلم أنَّه يملك الكثير في داخله، ولكنَّه محترفٌ في حجب ما لديه من خلال تفعيله روحَ التشاؤم على الدوام؛ فهو لا يسمح لنور الحياة بالتسرب إلى خلاياه وإيقاظ جذوة روحه من جديد، بل يعشق الظلام ويعدُّه صديقه الوفي، ويخاف من النور ويعدُّه شيئاً مخادعاً.

لعلَّه يحتاج إلى أن نأخذ بيده برفقٍ شديدٍ ونجتاز معه عتمته لنصل به إلى النور المنشود؛ فهو يستطيع التخلّي عن صديقه الوفي وتبنِّي صديقٍ آخر من خلال مساعدتنا الصادقة والعميقة له؛ إذ لعلَّنا قادرون على أن نُبدِّل عشقه للحزن بعشقٍ آخر صحيٍّ وسَوِيّ وأكثر متعة.

سنناقش من خلال هذا المقال الشخصية الاكتئابية، وتعريفها، وأسبابها، وأنواعها، وأعراضها، وعلاجها.

تعريف اضطراب الشخصية الاكتئابية:

ينشأ اضطراب الشخصية الاكتئابية لدى الشخص بعد سن البلوغ، وهو خَلَلٌ في مراحل النموّ النفسي الخاصة بالشخصية.

يملك الشخص الاكتئابي جميع الأمور التي تؤهِّله للإصابة بالاكتئاب، فيكون منغلقاً على ذاته، وحسَّاساً جداً، وقليل النشاط ويميل إلى العزلة والوحدة، ولا يشارك في أنشطةٍ مجتمعيةٍ أو حياتية، وتكون نظرته دونية عن نفسه وقدراته، ويعشق الروتين، ويمتعض من التجديد والتغيير، ويحترف دور الضحية بكلِّ أبعاده.

الفرق بين الشخصية الاكتئابية ومرض الاكتئاب:

يعتقد الكثير من الناس أنَّ الشخصية الاكتئابية مساوية لمرض الاكتئاب في التشخيص، في حين أنَّه يوجد اختلافٌ كبيرٌ فيما بينهما؛ فلكي يُشخَّص شخصٌ ما بأنَّه مريضُ اكتئاب، يجب أن يعاني من أعراض معينة تستمرُّ لمدة أسبوعين على الأقل، مثل:

  • اضطرابات في الأكل، سواءً بالزيادة أم النقصان.
  • اضطرابات في النوم.
  • تغيرات في الوزن.
  • أعراض جسدية من: ضيق تنفس، وآلام بطن، وصداع، وآلام في الظهر.
  • تقلُّبات مزاجية.
  • تفكير متواصل مترافق بمشاعر قلق وضيق وحزن وتشاؤم.
  • فقدان الرغبة في العمل.
  • عدم القدرة على عيش اللحظة.
  • الإحساس بمشاعر يأس من الماضي، وخوف وقلق من المستقبل.

ففي حين يعيق الاكتئاب صاحبه عن ممارسة حياته بالشكل المعتاد، لا تعيق الشخصية الاكتئابية صاحبها عن أداء واجباته الحياتية، وهي عَرَضٌ من أعراض الاكتئاب، ومزيجٌ من الشخصية القلقة والوسواسية وضعيفة الثقة بنفسها.

صفات الشخصية الاكتئابية:

تتسم الشخصية الاكتئابية بما يأتي:

1. اللوم المستمر للذات:

تميل الشخصية الاكتئابية إلى جلد ذاتها باستمرار؛ فهي لا تشعر بأهمية إنجازاتها، وتقلِّل من شأن قدراتها ومهاراتها، وتشعر دوماً أنَّها أقلُّ من الآخرين، وأنَّها ضعيفة الحيلة، ولا تملك السيطرة على أيِّ أمرٍ في حياتها.

2. الحزن الدائم والضيق وعدم الرضا:

تملك الشخصية الاكتئابية نظرةً سوداويّةً إلى الحياة، فلا تستمتع بشيء، ويكون تعبيرها عن مشاعر الفرح ناقصاً دوماً، وتكون مشاعر الرضا والقبول والسلام بعيدةً عنها تماماً؛ ذلك لأنَّها تحترف السلبية والنكد والتذمر والحزن والأسى والندم.

3. النظرة السلبية إلى المستقبل:

تملك الشخصية الاكتئابية صورةً سلبيّةً عن المستقبل مهما كانت المعطيات المتاحة، وترى دوماً أنَّ الآتي لا يبشِّر بالخير، وتجد أنَّ التفاؤل عبارة عن وهمٍ يخدع به الإنسان ذاته.

4. التردد وعدم القدرة على اتخاذ القرارات:

لا تقدِّر الشخصية الاكتئابية قيمة ذاتها، وتجد دوماً أنَّ الظروف أقوى منها، وأنَّها عاجزةٌ عن التعامل مع متغيرات الحياة، ولا تملك القوة والثقة لاتخاذ القرارات المصيرية في حياتها؛ فتجدها دائمة التردد والتشتت والضياع.

5. النسيان وقلَّة التركيز:

تميل الشخصية الاكتئابية إلى نسيان تفاصيل كثيرة؛ وذلك لأنَّها تقوم بالأشياء بدافع الواجب فقط، ولا تبالي بالتفاصيل، ولا تهتم بإتقان العمل، وتهدر تركيزها وطاقتها على التفكير في الأمور السلبية، وفيما تشعر به من مشاعر سلبية تجعلها دائمة التعب والإرهاق.

أسباب الشخصية الاكتئابية:

1. العامل الوراثي:

يعدُّ العامل الوراثي من أكثر الأسباب المحتملة للإصابة باضطراب الشخصية الاكتئابية.

2. العامل البيئي والاجتماعي:

يؤدي أسلوب التربية القاسي إلى زيادة احتمال إصابة الطفل باضطراب الشخصية الاكتئابية، فقد يعتمد الأبوان أسلوب الانتقادات والتوبيخ والتقليل من شأن إنجازات الطفل؛ فيتولَّد لدى الطفل نتيجةً لذلك مشاعر عدم تقدير الذات، ويميل إلى جلد ذاته وعدم الإحساس بقيمة إنجازاته.

كما يؤدي التعرُّض المستمر إلى الضغوطات والمشكلات النفسية مع عدم القدرة على التعاطي المرن معها؛ إلى الإصابة باضطراب الشخصية الاكتئابية.

3. العامل البيولوجي:

تكشف المؤشرات البيولوجية أنَّ الخلل في الموصلات العصبية والدوائر العصبية التي تقع في المخ يؤدي إلى هذا النوع من اضطراب الشخصية؛ حيث ينتج الاكتئاب عن عدم تنظيم عمل النواقل العصبية مثل: الدوبامين، والسيروتونين، والأدرينالين.

4. اضطرابات التفكير:

يزداد احتمال الإصابة باضطراب الشخصية الاكتئابية عند الأشخاص الذين يميلون إلى اعتماد التفكير السلبي كأسلوب حياة، وتكون نظرتهم عن ذاتهم مشوَّهة، ورؤيتهم للمستقبل متشائمة، وعلاقتهم مع الماضي مضطربة.

أنواع اضطراب الشخصية الاكتئابية:

قد تأخذ الشخصية الاكتئابية أوجهاً عديدة، مثل:

  • الاكتئاب الروحي: يعاني الشخص من إحساسٍ قاسٍ بالوحدة، وعدم استقرار علاقته مع اللَّه، وضبابية أهدافه والغاية من الحياة.
  • الاكتئاب المجتمعي: يصيب المجتمع ككل؛ إذ قد يشعر المجتمع ككل بقلة حيلته وانتصار الظروف الخارجية عليه.
  • الاكتئاب النفسي: يتراوح بين الخفيف والمتوسط والشديد، وقد يكون مصدر الاكتئاب عضوياً، مثل اضطرابات الغدة الدرقية، أو نقص فيتامين د، أو نقص فيتامين ب 12.

علاج الشخصية الاكتئابية:

  • على الأهل تقديم الدعم للشخصية الاكتئابية، وتعزيز ثقتها بنفسها؛ وذلك من خلال مدحها على تصرفاتها مهما صغرت، وفتح حوار صادق وعميق معها، والعمل على ملء كامل وقتها بالنشاطات المسلية المفيدة، بحيث لا يتبقَّى لها وقتٌ للتفكير السلبي أو الحُزْن؛ وبالتالي ينخفض لديها التردد، وتزداد ثقتها بنفسها.
  • على الأهل تعليم الطفل منذ الصغر مهارة التعامل مع الضغوطات، حتَّى لا يكون عرضةً إلى الإصابة باضطراب الشخصية الاكتئابية.
  • على الأهل وقاية أطفالهم من الاضطرابات النفسية عن طريق منحهم الكثير من الحب والاحتواء والتفهم والحرية والثقة والقيم.
  • يستخدم المعالج النفسي العلاج المعرفي السلوكي، ويعمل على تعديل وتصويب قناعات وأفكار المريض؛ بحيث يجعل المريض مستبصراً بحالته، ومدركاً أنَّ الكآبة مجرَّد فكرة خاطئة بحاجة إلى تعديل، وأنَّه المسؤول عن حياته مسؤوليّةً تامّةً؛ فيتحرَّر بذلك من عبودية الظروف والأحداث الخارجية، ويُتقِنُ عيش اللحظة، ويقتنع بأنَّ الماضي قد انتهى وأنَّ المستقبل لم يأتي بعد، فيتأكَّد من أنَّه لا يملك سوى “الآن”.
  • على الأهل مساعدة المريض على الخروج من حالته النفسية السيئة، من خلال تغيير روتين حياته الممل والجامد، بحيث تكون أيامه مليئة بالنزهات والرحلات والأماكن الطبيعية الجميلة.
  • على الأهل والمعالج النفسي العمل معاً على تغيير منهجية التفكير المتبعة في التعاطي مع الأمور، بحيث يُبيِّنوا للمريض الزوايا الأخرى لكلِّ موضوع، وأنَّ عليه التفنن في رؤية الموضوع من زاويته الإيجابية.
  • على الأهل تشجيع المريض على الالتحاق بنادٍ رياضي، فالرياضة من أكثر وسائل تفريغ الطاقة السلبية نجاعة.
  • على الأهل العمل على إظهار الجوانب الإيجابية من شخصية ابنهم، والابتعاد عن انتقاده المباشر، وتوجيه الملاحظات إليه بإسلوب هادئٍ ولطيف.

الخلاصة:

لا يكمن النجاح الحقيقي في تغيير الأرض، بل في تغيير العقلية؛ لذلك فإنَّ الخطوة الأولى للوصول إلى أيِّ هدفٍ هي تحطيم كلِّ أفكارك السلبية عن ذاتك وعن الحياة، وإطلاق العنان لفطرتك وشغفك وتميزك وحدسك.

أشعِل نور الإيجابية في قلبك وحياتك، وتخلَّص من ظلام السوداوية إلى الأبد.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!