الشخصية السفسطائية: تعريفها، وسماتها، وطرائق التعامل معها

يحترفون التلاعب بالكلمات؛ فهم ملوك على عرش اللغة والخطابة، ولديهم قدرة هائلة على إقناع الآخر بأفكارهم ومحاججته حتى يعلن استسلامه وانصياعه، ويدخلونه متاهاتٍ لغوية لا مخرج منها، معتمدين على المغالطات المنطقية والحنكة والدهاء والخبث. إنَّهم السفسطائيون محترفو اللف والدوران، وغير الآبهين بزرع القيمة المضافة وإحلال العدل والمساواة في المجتمع، وغير ذلك الكثير ممَّا سيكون محور حديثنا خلال هذا المقال؛ فتابعوا معنا.

لقد وظَّفوا مهاراتهم توظيفاً خاطئاً، وباعوا قيمهم ومبادئهم في سبيل الوصول إلى المناصب السياسية وجمع الثروة، ولم يتوانوا عن الدفاع أمام القضاة عن أشرس الظالمين مستخدمين مهاراتهم الخطابية لتحقيق مصالحهم الشخصية وتحصيل مبلغ من المال.

لقد قلبوا المعايير وانتهجوا شريعة الغاب التي لا تحكمها أيُّ مبادئ أو قيم، وأصبحت أسس النهوض بالأمة مقتصرة على أهوائهم ونظرتهم إلى الأمور، وطغوا بحبهم لذواتهم، ورفعوا شعار “أنا ومن بعدي الطوفان”.

يرى هؤلاء أنَّ البقاء للأكثر خبثاً وقدرة على التلاعب وعشقاً لذاته، ولا يجدون الصدق والأمانة والضمير الإنساني والفضيلة عناصر قوة بل عناصر ثانوية لا تستحق الذكر، وما يهمهم هو الفوز؛ فإمَّا أن يفوز الشخص التابع لهم ويخسر الآخر، أو يخسر الاثنان معاً، فمنهجية “رابح-رابح” لا تجدي معهم نفعاً ولا يؤمنون بها.

إنَّهم عاشقون للجدل وإظهار أنفسهم أنَّهم على حق، وهدفهم هو إحراج الآخر والتقليل من قيمته، دون أن يسعوا إلى الوصول إلى معلومة منطقية مفيدة تثري المجتمع؛ فهم تابعون للأنا باستماتة.

إنَّهم السفسطائيون محترفو اللف والدوران، والبعيدون كلَّ البعد عن الحقيقة، والعاشقون للأنا ومصالحهم الشخصية، والمأخوذون بالمناصب وجمع الثروات، والبائعون للأوهام والتخيلات، والمتبنون للحجج اللامنطقية، وغير الآبهين بزرع القيمة المضافة وإحلال العدل والمساواة في المجتمع، وغير ذلك الكثير ممَّا سيكون محور حديثنا خلال هذا المقال؛ فتابعوا معنا.

من هي الشخصية السفسطائية؟

تُصنَّف الشخصية السفسطائية كواحدة من أصعب الشخصيات في علم النفس، ويعود أصل هذا المصطلح إلى كلمة (Sophist) التي تعني “حكيم” في اليونانية، إلَّا أنَّ هذا المعنى قد تبدل فيما بعد وأصبح المقصود به: “مجموعة المعلمين الذين حوَّلوا العلم إلى باب لجمع المال، حيث كان العلم حتى النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد في اليونان مجانياً بامتياز، وكان الفلاسفة والعلماء يهرعون إلى مشاركة معلوماتهم مع تلاميذهم بالمجان”.

يميل الشخص السفسطائي إلى الجدال العقيم؛ فعندما تناقشه وتسأله سؤالاً، يرد على سؤالك بسؤال، ويبقى هكذا حتى يُنسِيك صلب الموضوع؛ فهو محترف في تبنِّي الألفاظ اللغوية المنمَّقة، ولديه قدرة كبيرة على إقناع الآخرين والتأثير فيهم؛ الأمر الذي يجعله ماهراً في مهن معينة كالمحاماة والسياسة.

يتسرَّع السفسطائي في الحكم على الآخرين، ويعتقد أنَّه على حق دائماً؛ فهو متكبر وأناني جداً، ويجد أنَّ الغاية تبرر الوسيلة، ولا يتوانى عن اتباع أيِّ طريقة لبلوغ هدفه ومصلحته الشخصية.

يعشق طمس الحقائق وإنكارها، ولا يعترف بوجود الفضيلة والقيم والمبادئ كأسس للمجتمع، ويؤمن أنَّه لا ثوابت في الحياة، وتخضع الأخلاق لديه إلى المساومة والتغير أيضاً، ولا يعترف بالضوابط والحقيقة والقيم.

ما سمات الشخصية السفسطائية؟

انتشر السفسطائيون في النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد في اليونان، حيث بدأ الاهتمام بالفكر الفلسفي، وانتشرت الرغبة في تبني الجدل والحوار المنطقي الهادف إلى تطوير المجتمع؛ وسنلخص سماتهم بما يأتي:

1. يحترفون فن الخطابة:

استغل السفسطائيون مرحلة الوعي التي تمر بها بلادهم، وأتقنوا مهارات الجدال والنقاش والقدرة على الإقناع والتلاعب بالألفاظ اللغوية، واحترفوا فن البلاغة والخطابة؛ الأمر الذي ساعدهم على أن يكونوا محامين بارعين في تلك الفترة.

لقد كسبوا أهم القضايا، ووقفوا أمام أعظم القضاة، واستخدموا الحجج بعد مزجها بألفاظ لغوية تشدُّ الآخرين وتبهرهم؛ ولكنَّهم لم يأبهوا مطلقاً بإحقاق العدل ونصرة المظلوم، بل كانوا يدافعون عن الظالم مقابل أخذ المال وتغذية علاقاتهم مع الأغنياء الذين يخدمون مصالحهم الشخصية.

2. يحولون العِلم إلى سلعة:

يعدُّ السفسطائيون أول من حَوَّل العلم إلى سلعة، حيث كانوا يقدمون المحاضرات لأبناء الأغنياء مقابل مبلغ كبير من المال، في الوقت الذي كان العلم فيه شيئاً سامياً ويُقدَّم بالمجان من قبل الفلاسفة والعلماء الآخرين؛ ممَّا أثار حفيظة الفيلسوف الحكيم الزاهد “سقراط”، والذي كان يقدس المعرفة ويمنحها بالمجان، ويؤمن أنَّ العلم أسمى بكثير من أن يُربَط بالمال.

3. يتقنون المغالطات المنطقية:

احترف السفسطائيون المغالطات المنطقية، فكانوا لا يتوانون عن اقتناص ما يحلو لهم من المعلومات دون سواها، مرتكزين عليها في بناءِ حججهم؛ أي أنَّهم لا يأخذون المعلومات بطريقة أمينة صادقة وكاملة، ويحرِّفون كلام الآخرين، ويلصقون التهم بهم من أجل تشويه صورتهم، ويميلون إلى شخصنة الأمور؛ فتجدهم يهربون إلى انتقاد صاحب الحجة بدلاً من مناقشتها، ويصفونه بصفات وسلوكات شخصية قام بها لتضليل الموقف والابتعاد عن صلب الموضوع.

إنَّهم من هواة استخدام الأسلوب المنمَّق والمصطلحات الصعبة والغريبة في أحاديثهم، دون السعي إلى الوصول إلى الحقيقة؛ وذلك من أجل سلب عقول الناس وتشتيتهم والوصول إلى غاياتهم الشخصية.

4. يتَّصفون بالأنانية وحب الذات:

يعشق السفسطائيون ذواتهم، ويعتقدون أنَّ كلَّ شيء يتمركز حولها، ويبنون قراراتهم وتوجهاتهم في الحياة وفقاً لها، ولا يأبهون بتقديم الفائدة للآخرين؛ ذلك لأنَّ ما يهمهم هو إحراز مكاسب شخصية لا غير.

شاهد بالفديو: 12 صفة تجعلك صاحب شخصية مثالية

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/iCZl8G0QXlY?rel=0&hd=0″]

5. عنيدون:

يتصف السفسطائيون بالعناد؛ فهم أشخاص صعابُ المراس، ويؤمنون بأنَّهم على حق دائماً، وينكرون كلَّ الحقائق، ويعتبرون أنَّ كل شيء وهم وخيال بالنسبة إليهم، ولا يعتقدون بوجود ما يثبت الحقائق برأيهم؛ ذلك لأنَّ الكون بنظرهم دائم التغير والتبدل، وما كان حقيقة في الماضي قد يصبح وهماً اليوم.

يعشقون كلمة “لا أدري”، وينكرون حتى العلم، ويدَّعون حيرتهم وشكهم الدائم بكلِّ شيء، ويميلون إلى تقديس الاعتقادات لا الحقائق، ويعدون ما يعتقده الشخص صحيحاً أياً كان.

يقول “جورجياس”، وهو أحد السفسطائيين: “لا يوجد شيء؛ وإذا كان هناك شيء، فالإنسان قاصر عن إدراكه؛ وإذا فرضنا أنَّ إنساناً ما أدركه، فلن يستطيع أن يبلِّغه لغيره من الناس”؛ وهو بذلك ينكر وجود ذاته والآخرين، وكذلك ينكر وجود الإدراك والمعرفة والتواصل؛ وهذا أقرب ما يكون إلى الجنون والغيبوبة العقلية.

6. يتبنَّون المنظور النسبي:

يعدُّ السفسطائيون النسبية أساس كلِّ شيء، ويتبنون المنظور النسبي في الحكم على الأمور بدلاً من الاعتماد على الحقائق، وينسبون كلَّاً من الحق والباطل والصدق والأمانة والفضيلة إلى الإنسان بذاته، وهو الذي يختار تبنِّيها والإيمان بها أو رفضها؛ فالأمر نسبي ويختلف بين إنسان وآخر.

7. يعشقون السياسة:

لقد عشق السفسطائيون السياسة، وكانوا موالين لنظام الحكم الذي يخدم مصالحهم الشخصية بغض النظر عمَّا إذا كان نظاماً عادلاً أم لا؛ في حين كان  الفيلسوف “سقراط” المعادي للسفسطائيين من أنصار المعرفة والحكمة، ويرى أنَّه ينبغي على من يتولى الحكم أن يتمتع بالمعرفة، ويرجح أن يكون الحاكم من طبقة الفلاسفة لما يتمتع به هؤلاء من قيم وفضائل ومعرفة ومصداقية.

التعامل مع الشخصية السفسطائية:

  • تعدُّ الشخصية السفسطائية من الشخصيات المعقدة التي تعاني من الكثير من المشكلات الاجتماعية، والتي تشكل خطراً على البسطاء؛ لذلك يجب الانتباه إلى ما تقوله وعدم تجاهله ودراسته، بحيث نحسن مواجهتها بأدلة حقيقية حاسمة.
  • تنفعل الشخصية السفسطائية وتتسرع في حكمها على الآخرين؛ لذلك عليك امتصاص انفعالها، ومن ثمَّ طرح وجهة نظرك على شكل اقتراح؛ أمَّا إذا تمادت في الجدال، فانسحب من المجلس، فذاك أسلم لك.

الخلاصة:

اسأل نفسك: ما وضع السفسطة في زماننا الحالي؟ ألا تجد أنَّ معالمها متجلية بوضوح في وقتنا الحاضر؟ ماذا عن الانقلاب الواضح للمعايير، والتلاشي المؤذي للقيم العليا، والتمسك الضعيف بالحقيقة، والنزعة المفرطة إلى الأنانية، والتقديس الأعمى للمصلحة على حساب الأخلاق والفائدة والنفع البشري، والسعي اللاهث إلى المادة دون ربطها مع القيمة المضافة والإعمار الحقيقي؟

إذا أسقطنا كلَّ ما سبق على واقعنا الحالي، فسنجد أنَّنا نعيش في زمان طغت فيه السفسطة على كلِّ معالم الحياة؛ وهذا ما ينبغي علينا التفكير بجدية في تلافيه.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!